الآن.. أنت أم

بقلم : أ. سمية صايمة محاضرة بالجامعة الإسلامية
تلكَ الحَقِيقة التِّي لا مِراء فِيها.. والتي تبَرهنُ عليهَا صيحاتُ أطفالِك من حَولِك.. وتلك الأشياء والحَاجِيات الصَّغيرة المُتناثِرة هُنا وهُناك..
نعم عزيزتي.. الآن أنت أم..!!
الآن يجبُ عليكِ أنْ تَنظُري للحياة بجدية أكث وأن تبدئِي رِحلة المسئُولية والمُتابَعة لكلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ ولكن قد تعتقدين أن مَسئُوليتك محْصورة في توفيرِ احتياجات أطفَالك مِن مَلبسٍ ومشربٍ وحياةٍ ماديةٍ كريمةٍ وتَجْتَهدين في ذلك، بل وتبذُلِين جَميع ما لديكِ من طاقاتٍ وأوقاتٍ وإمكانيات، وإذا نجَحتِ في هذهِ المهمة فَأنت فِعلاً تستَحقين أن تَكُوني أماً.
ويَبقَى السؤَال المُهم يتردَّد.. كيْفَ أكون أماً لهُم..!!؟؟
إنَّ الإجابة علَى هَذا السُّؤال ليسَت سَهلة، لأنَّنا وبِاختِصار بحاجةٍ إلَى أنْ نعرفَ ما هِيَ التربيَة الصحيحَة وكيفَ نُطبِّقُها، وإنَّ جوهَرَ مشكلاتِنا التربوية اليوم أنَّنا قد ورثْنا مُمارساتٍ تربويةٍ خاطئةٍ تأصَّلت فيِنا، وأصبَحت جزءاً مِن منظومةِ التربيةِ في أذهانِنا، بل ونحاولُ نحن بدورِنا تطبيِقِها على أبنائِنا.
إنَّنا يجبُ أنْ نتعلمَ كيفَ نُربِّي أبناءَنا، وأن نتعبَ في سبيلِ ذلك، كمَا يجبُ ألاَّ نركن إلَى ما تناقَلَ إلينا من ميراثِ الآباءِ والأجدادِ فقَط، بل نأخُذ مِنه ما هُو خَير ـ وفيه الكثيرـ وندع ما لا يناسبُ وقتَنا وزمانَنَا ومعطياتِ الحياة التِّي نعيشُها الآن.
ولعلَّ سؤالاً قد يتبادرُ إلى ذهنِك.. ما الجديد اليوم..؟؟!!
إنَّ الناظرَ بتأملٍّ إلَى زمانِنا الذي نحيا فيه يرى أنَّ الواقع تغيَّر وتعقَّد.. فمن كانَ قديماً صاحبُ علمٍ متواضعٍ ومهاراتٍ محدودةٍ.. حظِى بمكانةٍ مرموقةٍ في مُجتمعِ البسطاءِ والأُميين..
ربَّما يرحبُ البعض أن يكونَ ضِمنَ هؤلاءِ البسطاء.. غيرَ أنَّ الراغِبين فيِ التَّميزِ لَهم ولأبنائِهم لا يرضون بهذا الواقع، وإنَّ الطفلَ الذِّي لا نُعدُّه الإعداد المناسب.. ليعيشَ بكفاءةٍ في عصرٍ معقدٍ يكونُ حظُّه غالباً العيش علىَ هامش المجتمع.. مخلوقاً نكرة قابل أن يستغلَّه الآخرين أسوء استغلالٍ..
والسؤال الثاني الذِّي قد يؤرقُك عزيزتي الأم.. هل أنا محاسبة على تربية أبنائي..؟؟!!
نعم أنتِ محاسبةٌ عنهم يومَ القيامةِ.. فأنتِ كأم تَحملين فوقَ كاهلك همَّين؛ همّ نفسك ونجدتها من نار جهنم، وهم أهلك ونجدتهم كذلك من عذابِ العسير، فيقول الله جل وعلا: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمرون”. (التحريم:6)
وإنَّ تبِعةَ المؤمنُ في نفسِه وفِي أهلِه تبعةٌ ثقيلةٌ رهيبةٌ، فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، وعليه أن يَحُول دونَ نفسِه وأهلِه ودونَ هذه النار التي يكونُ الناسُ فيها في مهانةِ الحجار، وفي رخص الحجارة، وواجب المؤمن أن يتجِه بالدعوةِ أولُّ ما يتجِه إلىَ بيتهِ وأهلهِ.. واجبه أن يؤمن القَلعة من داخلِها.. واجبه أن يسدَّ الثَّغرات فيها قَبل أن يذهبَ عنها بدعوته بعيداً..
يقول الإمام ابن القيم الجوزي – رحمه الله-.. “إنَّ الله – سبحانَه وتَعالى- سيسألُ الوالدَ عن ولدِه.. فمن أهملَ تعليم ولده وتركه سُدى فقد أسَاء غاية الإساءة.. وأكثر الأبناءِ جاء فسادهم من قبلِ الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين والسنة”..