غير مصنف

الحصَّالة أول خطوة على الطريق الادخار

هل أصبحت مطالب الأبناء عبئاً كبيراً على الأسرة؟ وهل يمكنهم المساهمة للتخفيف من هذا العبء؟ كيف ينشأ الطفل على الادخار ويعرف أهمية الاعتدال في الإنفاق؟ وما الأخطاء التربوية التي تؤثر في نظرة الأبناء للمال؟ وكيف نربي أبناءنا على مفاهيم الاقتصاد؟

الحصالة أول خطوة على طريق الادخارعبد الله بعلوشة (11 عاماً)، يمتلك 50 شيقلا حصيلة ادخار ثلاثة شهور متتابعة يريد أن يشتري بها بنطال للعيد واستكمال الباقي من والده لشراء القميص، يحدثنا قائلا: “مصروفي اليومي من والدي شيقل فأدخر نصفه، وأنفق نصفه.

ويضيف: “يجب أن ينشأ الفرد ولديه أهم صفات تعينه على الحياة وهي القناعة وتحمل المسئولية تجاه الآخرين، وقد أنشأنا والدينا على ذلك، فهي الأسلحة المقاومة للأنانية وحب الذات. ونحن الآن في ظرف لا يسمح للفرد التفكير بنفسه فقط بل يجب المساهمة بكل ما يمتلك”.

وعلى النقيض يقول عادل: “أنا لا أحب الادخار ولم أتعود عليه، والآن عندما كبرت والديّ يؤنبانني على ذلك، لكني لا أستطيع، فكلما ادخرت مبلغا ولو كان قليلا أنفقه، لذلك لم أُكرر المحاولة”.

ويقول أبو نائل (47 عاما): “عودت أطفالي منذ أن كانوا صغارا على الادخار، ليتعودوا على تحمل المسئولية، رغم أنني ألبي لهم احتياجاتهم، لكن قد تمر على الإنسان ظروف معينة، فدوام الحال من المحال، وهم تقبلوا ذلك، على الرغم من أنهم في البداية رفضوا، لكني شجعتهم بوضع مبلغ من المال في الحصالة وتشربوا الفكرة بعد ذلك حتى أصبحت جزءا من شخصيتهم لا يستطيعون الاستغناء عنها”.


أساليب علاجية

يقول د. محمد مقداد: “يعرف الطفل النقود في الوقت الذي يبدأ فيه الكلام فنراه يطلق على كل فئات النقود لفظة واحدة “نصف شيقل أو شيقل” ويحب تجميعها، وعندما يعرف أنه يمكنه الحصول على شيء يحبه يبدأ في إبداء الرغبة في إجراء عملية التبادل هذه بمتعة، خصوصاً إذا قام بنفسه ومباشرة مع البائع بعملية التبادل، ويجب ألا نحرمه من هذه المتعة؛ لأن فيها فائدة أخرى، فهي تدربه على الأخذ والعطاء، وينمو إدراكه ليصل به إلى أرقى مراتب العطاء، وهو العطاء بلا مقابل، ويعطى الطفل مصروفاً خاصاً عندما يعي عملية التبادل هذه، وتقريبا هذا يحدث مع دخوله مرحلة الروضة من 4-6 سنوات، على أن يكون مصروفاً محدداً لشراء قطعة حلوى أو علبة عصير، أو كليهما، وإن كان من الأفضل أن تكون عملية تدريبية على الشراء تحت إشراف أحد الكبار من أفراد الأسرة وخارج نطاق المدرسة”.

وحول كيفية تنشئة الطفل على الادخار وأهمية الاعتدال في الإنفاق يقول مقداد: “إذا كان مصروف الطفل يحتمل تجنيب جزء منه في حصالة فيستحب إقناعه بذلك حتى إذا احتاج الطفل شراء لعبة أو الاشتراك في لعبة، أو زيارة الملاهي، وكلها أشياء يحبها، يمكنه الاستعانة بما وفره في الحصالة، وعندئذ يدرك معنى الادخار”.


ثمار طيبة

وحتى تكون التربية الاقتصادية سليمة وتؤتي ثمارها الطيبة على الفرد والمجتمع، فإنها لا بد أن تؤسس على تربية سليمة.

ويوضح ماهر بنات أستاذ التربية بكلية العلوم التطبيقية لـ “السعادة” أهمية مرحلة الطفولة ويقول: “تعتبر أهم مرحلة في حياة الإنسان؛ ففيها بداية التشكيل والتكوين وعليها سيُكون الإنسان مستقبله، لذا تقع المسئولية الكبرى على الأسرة باعتبارها المؤسسة الأولى المسئولة عن بناء وتشكيل شخصية الطفل.

ولتعويد الطفل على الادخار لابد من إتباع بعض الأساليب التي تساهم في تعزيز سلوك الادخار لديهم يبينها بنات قائلاً: “يجب تعويد الطفل أن يكون منتجاً وليس فقط استهلاكياً، وأن يُنَشّأ الولد الصغير على الكسب الحلال الطيب من عمل يده خلال فترات الإجازات، وهذا يتطلب من والديه وإخوته الكبار تدريبه على بعض الأعمال التي تناسب سنه، ويتعلم مهنة سواء مهنة والده أو أي مهنة أخرى، كما يجب إفهامه أن العمل عبادة وشرف وقيمة، واليد العليا خير من اليد السفلى، فإن تعويد الطفل على العمل والكسب منذ الصغر يعالج مشكلة البطالة عند الكبر”.

ويضيف بنات: “لابد من تدريب الطفل على استخدام محفظة للنقود ووضعها في مكان آخر للحفاظ عليها، وغرس بعض المفاهيم الإيمانية ذات الطابع الاقتصادي في معتقدات أبنائنا منذ الصغر، على سبيل المثال: أن المال الذي معنا ملك لله، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي رزقنا إياه، لذلك يجب أن نحب الله ونعبد صاحب هذا المال، وأن هناك ملائكة تراقب تصرفاتنا ومنها الاقتصادية والمالية، ولذلك يجب أن نتجنب أن تسجل الملائكة في سجلاتنا شيئاً لا يرضاه الله”.

ويضيف بنات: “يجب تبيان أن هناك آخرة سوف نقف فيها أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبنا على هذا المال من أين اكتسب وفيم أنفق؟ ويجب تنشئتهم على الاعتدال في الإنفاق، وترشيد الاستهلاك وتجنب الإسراف والتقتير، ومن ناحية أخرى عند تقدير المصروفات الشخصية للأولاد يجب عدم المغالاة فيها فوق الاعتدال حتى لا نشجعهم على الإسراف الذي يقود مفاسد الأخلاق ثم الانحراف”.

ويضيف بنات :” وتأسيساً على ذلك يجب على الأولاد عدم الإسراف وقت السعة ويجب عليهم الادخار لوقت الحاجة، كما يجب تعويدهم على ترتيب النفقات وفق الأولويات الإسلامية وهى الضروريات فالحاجيات فالتحسينات، فعندما يطلب الولد شيئا في مجال الكماليات وهو في نفس الوقت محتاج إلى شيء آخر في مجال الضروريات نعطى الأولوية  للضروريات ثم نلي ذلك الحاجيات فالكماليات ونشرح له المبرر لذلك.

ويؤكد بنات على ضرورة الالتزام بالصدق في وعود الطفل، لأنه كلما رأى صدق الكبار في وعودهم، بإعطائه حصيلة ما ادخر، اقتنع بالفكرة واستمر في تنفيذها.

وحول كيفية تنشئة الطفل على الإحساس بالمسئولية من خلال عادة الادخار، يقول بنات: “هناك عدة أمور ينبغي على الأسرة أن تأخذها بعين الاعتبار في تنشئة أطفالها على تحمل المسئولية منها الشورى في أمور البيت ومنها المالية، وإشعار الأطفال بحقيقة الوضع المالي للأسرة”.

ولتعويد الأطفال على الادخار منذ صغرهم آثاره المستقبلية على شخصية الطفل يقول بنات: “تعويد الأطفال على الادخار منذ صغرهم يَقُوُد إلى إعداد أجيال قادرة على إدارة اقتصاد البيت والشركة والمؤسسة والدولة على أسس صحيحة تقود إلى تحقيق الخير في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى