تناقض توجيهات الوالدين خطر ينذر بالعقوق ..

افعل ولا تفعل
الأم:” افعل كذا“، الأب:” ألم أقل لك ألا تفعل؟“، نقيضان لموقف يحكمه الأب والأم، والابن يقف حائراً والعديد من التساؤلات تدور في ذهنه، أي كلام ينفذ؟، وأيهما خطأ وأيهما صواب؟ فيضطر أن يرفض كلا الأمرين ولا ينفذ أياً منهما، أو يضطر لأن يستمع لكلام الأقوى حتى يتجنب العقوبة.
“الازدواجية في التربية“، ناقوس الخطر الذي يطرق أبواب التربية الأسرية، فما المقصود بازدواجية التربية؟ وما أسبابها؟ وكيف يمكن حل خلاف التناقض في التربية بين الأجيال؟
وتتحدث “سمر الرملاوي”؛ مدرسة عن تجربتها فتقول لـ “السعادة”: “يحدث ذلك أحيانا دون قصد، فحصل أن أخذ طفلي الكبير لعبة أخيه الأصغر، فضربه الصغير واستعاد لعبته، فأثنيت عليه؛ لأنه أخذ حقه ولم يتنازل عنه، بينما زجره والده؛ لأنه لم يحترم أخاه الكبير مستخدما الضرب والشتم، فوالده اعترض على أسلوبه في استعادة حقه، كما أنه زجر الابن الأكبر؛ لأنه أخذ شيئا ليس من حقه.
ويقول “البرعاوي”: “ليس هكذا تورد الإبل كما يقولون، فالأجدر أن يتقدم الوالدان من المتشاجرين ويستمعا لحجة كل منهما ويفصلا بينهما بالعدل، ومن المهم أن يشعر الأبناء بعدل الوالدين من خلال الإنصات العميق الذي يُشعر الطفل بالاهتمام ومن ثم يصبح الطفلان جاهزين لتقبل الحكم”
[divide style=”2″]
حصاد التربية
“محمد” الطفل الذي لم يبلغ العشر سنوات، كلمته نافذة على صغير وكبير العائلة حتى على والديه بحضور الجد و الجدة؛ لأنه الشقيق الوحيد لأربعة بنات، حاول الوالدان جاهدين عدم الهبوط في مستنقع دلال الابن الوحيد؛ لأنهما على حد تعبيرهما يريدونه رجلا يُعتمد عليه ليساند أخواته، لا طفلا مدللا يفعل ما يحلو له دون تحمل أي مسئولية.
تقول والدته لـ “السعادة”: “قررنا منذ البداية التخلص من فكرة الابن الوحيد المدلل، لكننا لم نستطع تطبيق ذلك بوجود الجد والجدة الذين يغدقان عليه بالحب والدلال الزائدين، فأصبح يفعل ما يحلو له، ولا ينفذ ما لا يعجبه مما نقوله له، ولا يجد حرجا في فعل ما يزعج الموجودين في حضور جديه، و كثيرا ما يتطاول على إخوته البنات الأكبر منه وكلما هممت بمعاقبته يخرج سريعا إلى حضن الجد الذي يحامي عنه، وكثيرا ما تحدثت معه أن صفات “محمد” أصبحت لا تطاق؛ فهو عصبي و نمرود ومتكبر ويفعل كل ما يحلو له دون مراعاة لأية اعتبارات، لكنه يقول لي إنه طفل صغير وعندما يكبر سيتعلم الخطأ والصواب
[divide style=”2″]
سيطرة وتهميش
وفي ذات السياق تحدثت “أم محمد” (40 عاماً)، التي أبدت استيائها جراء ما يقوم به زوجها من سيطرة وتهميش لما تقوم به، فما أن تنتقد ابنتها في تصرف (ما) حتى يقوم الزوج بدور المدافع حتى وإن كانت على خطأ، فتقول للسعادة :”لا أستطيع تنبيهها على أي سلوك تقوم به، وإن فعلت فهي تجد محامي الدفاع لها فلا تكترث كثيرا لما أقوله، فهي تتردد كثيرا على صديقاتها وتجلس ساعات طويلة لمشاهدة التلفاز، الأمر الذي أدى إلى تراجع مستواها الدراسي لكن والدها يتركها على راحتها و يقول إنني أتدخل كثيراً في حريتها الشخصية، ويجب أن تنال قسطا من الحرية لتشعر باستقلاليتها رغم أنني لا اعترض على هذا المبدأ إلا أنها استغلته بشكل يزيد عن الحد وعجزت معها ومع والدها
[divide style=”2″]
أسباب وآثار و حلول
ويعرف “البرعاوي” ازدواجية التربية بأنها؛ اختلاف الآباء على تحديد السلوك المرغوب فيه الذي يجب على الأولاد الالتزام به، أو تحديد السلوك غير المرغوب فيه الذي يجب على الأولاد الابتعاد عنه.
ويبين أن أسباب هذه الازدواجية هي؛ العادات والتقاليد والرأي العام السائد، والأنظمة والقوانين المعمول بها، كذلك ثقافة الوالدين وأساليب التنشئة التي مرا بها: “فالآباء الذين عاشوا تجربة أسرية وحياتية سمح لهم بإبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر والتسامح سينعكس على التوافق والتكيف الأسري وبالتالي الحكمة في التعامل مع الأبناء، كذلك مستوى التدين للوالدين سيساعد على وحدة الرؤية والفكر والسلوك مما يسمح بوجود سياسة واحدة في التعامل مع الأبناء حيث إن الهدف واحد.
مثل هذه الخلافات بين الآباء والأمهات تؤثر على الأولاد سلباً، فمن الظلم أن يعاقب الطفل على نفس السلوك أو يثاب عليه، فإذا اختلف الأبوان وخلت حياتهما من الوفاق والوئام في تربية الأولاد فإن الأطفال سيعانون من ذلك كثيراً ويميلون إلى العدوانية والمشاركة ويحبون النزاع والخصام
ويجمل “د. البرعاوي” الأضرار النفسية الناجمة عن ازدواجية التربية: “مثل هذه الخلافات بين الآباء والأمهات تؤثر على الأولاد سلباً، فمن الظلم أن يعاقب الطفل على نفس السلوك أو يثاب عليه، فإذا اختلف الأبوان وخلت حياتهما من الوفاق والوئام في تربية الأولاد فإن الأطفال سيعانون من ذلك كثيراً ويميلون إلى العدوانية والمشاركة ويحبون النزاع والخصام،
وهذا يغذي بدوره التوتر بين الأبوين ويصبح جو المنزل ثقيلا بسبب الانفجاريات التي تحدث فيه، كما أن شخصية البناء تتأثر سلبا فقد تنشأ شخصية هروبية أو استسلامية ومضطربة الفكر وغير قادرة على شق الطريق في الحياة وعاجزة عن اتخاذ القرار، كما لا يستطيع الأبناء تحمل المسؤولية فضلا عن الإحساس بالضغط المستمر”. ويؤكد أن اضطراب العلاقات الأسرية يعد سببا مباشرا لعقوق الوالدين مستقبلا وسببا لتفكك العلاقات الأسرية
[divide style=”2″]
رؤية إسلامية
ولنا في التربية الإسلامية مواقف عدة، أسست للتربية السليمة الخالية من التناقضات الهادمة التي تشرخ الشخصية المسلمة السوية القادرة على التكيف، فيسرد “د. ماهر الحولي”؛ أستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية موقفاً يمثل قمة الثبات في التربية.
قائلا: “روى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ بن مالك قَالَ: “أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، قَالَ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ، قَالَتْ: “مَا حَبَسَكَ؟!. قُلْتُ: “بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ”. قَالَتْ: “مَا حَاجَتُهُ؟”. قُلْتُ: “إِنَّهَا سِرٌّ”. قَالَتْ: “لَا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدا”. قَالَ أَنَسٌ: “وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ.
و يستدرك “د. الحولي” إن هذا الموقف يمثل منتهي التناغم والتوافق، بين المؤسسة التربوية وبين المنزل، بين دور الحبيب- صلى الله عليه وسلم- وهو يرتب برقي أساسيات بناء شخصية هذا الغلام العظيم- رضوان الله عليه- وبين دور الأم- رضوان الله عليها- وهي تكمل هذه الصياغة التربوية الراقية وذلك بأن تتأمل قولتها الواعية: “لَا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدا
ويضيف: “فلم تُحدِث هذه الأم تضارباً تربويا ولم تجبره على البوح بالسر، كما أنها لم تعتبر عدم بوح ابنها لها تقليلا لشأنها إنما رسخت لديه هذا المفهوم، ولم تحدث عند ابنها تضاربا يشعره بالتذبذب بين قرار الرسول- صلى الله عليه وسلم- بعدم البوح وبين رغبتها بمعرفة السبب، بل أحدثت تناغما تربويا يعزز لدى ابنها هذا السلوك“.