كتاب الثريا

وقفةٌ مَع التَّعليمِ الجَامِعِي

بقلم: أ. وائِل عبد الرَّزاق المناعمة

محاضر في الجامعة الإسلامية

التعليم الجامعيتعتبرُ الجامعة منارةً للعلمِ والعلماءِ، وأدَاة التنمِية والتَّغيير والتطوِير فِي أي مجتمعٍ يسْعَى للرُّقي ومواكبة العصْر والتفوُّق علَى الآخرِين, فالتَّعلِيم الجَامعيّ كَان وما زَالَ أحَد أهَم مَجَالاتِ الصِّراع الاجتِماعي والسِّياسي في العَالم.

حيث استطَاعتْ القُوى الوطنِية المُناهِضَة للاستِعمار الداخِلي والخارِجي ولِكَافة صُنوف القَهر والتسلُّط أن يكُون التَّعلِيم الجَامعي والجَامِعات إحْدى آلياتها وأدواتها الفاعلة في مواجهة الهيمنة والاستبداد، ذلك انطلاقا من أن التعليم في جملته يشيع العلم والاستنارة العقلانية بين طلابه والراغبين فيه.

لذا يجب أن يتمتع النظام التعليمي الجامعي بقدر من الاستقلالية تتيح له أن يساعد في تكوين وتشكيل وعي الأجيال الجديدة بصورة معاكسة لما ترسمه الدولة أحياناً من خطط وسياسات وتضعه من برامج ومناهج وسياسات لتدجين واحتواء المواطن، وذلك من خلال “المنهج الخفي” ذلك المنهج الذي يعبر عن مجمل التفاعلات الاجتماعية في محيط الجامعة وبيئة التعلم.

وكما يقول باولو فريري: ” إن الحقيقة الاجتماعية لم توجد بالصدفة، بل وجدت كنتيجة لجهود الإنسان، كذلك فإن عملية التغيير لا تتم بالصدفة، بل تتم نتيجة لجهود الإنسان، وإذا كان الرجال هم الذين يحدثون التغيير في الحقائق الاجتماعية، فإن تلك الحقائق تصبح بالضرورة عملا تاريخيا من صنع الرجال … “

فإذا كانت الديمقراطية تعني المشاركة الحرة والفاعلة لكل فرد في الحياة العامة (وهي خاصية تفتقدها الكثير من المجتمعات النامية) فإن مناهج التعليم الجامعي معنية بصياغة المجتمع بطريقة متميزة والعلاقة بين مناهج التعليم والديمقراطية هي علاقة جدلية، يتأثر فيها كل طرف بالآخر. والإنسان بطبعه تواق للاستزادة ولن يتوقف عن طلب حاجته للتعليم ما دام قادرا على الوصول إلى تحقيق هدفه.

والديمقراطية لا يمكن تصورها بمعزل عن مناهج التعليم، والإصلاح التربوي قضية دائمة متجددة لكل الشعوب، والمناقشة المستمرة لهذه القضية لا تعني وجود أزمة أو مشكلة وإنما هي ضرورة ملحة للمجتمع، وهي الآن قضية مثارة للنقاش في بلداننا كما هي في البلدان المتقدمة، ولكن هل نملك الشجاعة لنناقش قضايا التعليم بصورة منهجية تخرجنا من دائرة الجدل حول ماهية التعليم المقدم في الجامعات؟

دعونا نخرج عن النمط التقليدي في طرحنا للقضايا، ففي جامعاتنا عموما ومن خلال ما يصدر عن الأطر الطلابية من إعلام داخلي, هناك من يرفض فكرة القبول بالآخر، وكل الآراء المتباينة تتحدث عن هذه القضية بالتحديد، فلا يوجد طرح على الساحة السياسية والإعلامية والتربوية إلا وتتصدر فكرة إقصاء الآخر.

هذه حقيقة علينا مواجهتها بعقل منفتح بعيدا عن التطرف والتشنج. والسؤال الذي يطرح لماذا نقصي الآخر؟ إن الطريقة المعمول بها في مناهجنا التعليمية تؤكد على أننا الأفضل والأعلى. هذه العموميات يجب أن يعاد النظر فيها نظرا لتداخل الأمم والحضارات مع بعضها البعض في ظل التطور التقني والتكنولوجي مع الاحتفاظ بقيمنا وهويتنا أينما تحاورنا وحيثما كنا.

إن ديمقراطية التعليم تتعلق إجمالا في غربلة المناهج التعليمية التي تعتمد على التلقين التقليدي،  وهذا الأسلوب أذكى روح الخوف وضعف الشخصية لدى طلبتنا، فنحن نرى هذه النماذج بشكل يومي في حياتنا ومن خلال محاضراتنا. إن إضافة علوم ومعارف عن حضارات الآخرين ليست بالضرورة أن تنسف قيمنا، ولدينا في القرآن الكريم خير مثل حيث يصور لنا حضارات سابقة وهي امتداد وتواصل وتداخل للرسالات السماوية.

لماذا نتهم أنفسنا عندما يعاد التفكير في مناهجنا؟ ولماذا نصر على أن الوضع الحالي هو الأفضل؟ ونتساءل لماذا التشدد في الآراء؟ إننا لم نتعلم من القرآن الكريم أسلوب الحوار والمجادلة، فإذا كنا كذلك فلما هذا التطرف في الآراء؟ دعونا نعيش الواقع ونحرص على قراءته بما يخدم طموح الأمة ونبتعد عن إشاعة الفرقة وبناء المؤامرات وتفسير الطرح بطريقة سطحية.

لسنا من الذين يديرون ظهورهم لأية مشكلة تصادف مسيرة التعليم، فالتعليم الجامعي بحاجة إلى مزيد من المراجعة، وكثير من التركيز على تطوير مناهجنا من خلال إكساب طلبتنا مهارات الحوار والبحث والإبداع وبناء مجتمع ديمقراطي مصغر داخل جامعاتنا هدفه تحقيق رؤية واضحة لمستقبل أجيالنا.

لن يفيد الغلو والمكابرة في قضية التعليم التي تشهد انتكاسات تلو الأخرى من خلال مناهج تقليدية بحتة وكذلك من خلال مخرجاتها التي أصبحت تشكل خطاً أحمراً لسياسات التخطيط في بلداننا العربية، كما أن أسلوب تصيد الأخطاء لن يجدي نفعا في عصر الانفتاح المعرفي والإعلامي، فالحاجة إلى التغيير في التفكير ليست مطلبا فحسب، بل هي ضرورة للانتقال من مرحلة التبعية إلى مرحلة القيادة المعرفية، ولن يتحقق ذلك إلا عندما يكون لدينا جيلا واعيا قادرا على تحقيق أهدافه من خلال احتياجاته ومتطلباته.

ولا ديمقراطية للتعليم أو لغيرة دون صحافة حرة ومستقلة، مكتوبة كانت أو مرئية أو مسموعة, فالصحافة الحرة هي مدنية وليست حكومية في تكوينها. تعكس بمختلف اتجاهاتها وجهات نظر الناس وتفكيرهم وتطرح عليهم آراء ومواضيع كثيرة للنقاش وتوضح وتشرح مشاكل المجتمع وكل هذا يؤدي إلى توعية كبيرة للمواطنين.

فالمصدر الأهم للثقافة السياسية لأكثر الناس تأتي غالبا من الصحافة. هذه المدرسة الديمقراطية حيوية لشحذ عقول الطلبة والناس عامة وضمائرهم للدفاع عن حقوقهم أمام جبروت الحكومات وغيرها من أصحاب السلطات المتنوعة.

فالمهم الانفتاح الفكري دون متاهة ودون تحرك عشوائي أمام الأفكار الهدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى