أسرانا

ذوو الأسرى يواصلون ملحمة الحرية و الكرامة لليوم التاسع عشر

“في تغطية خاصة لثورة الكرامة”

تقرير: هدى فضل نعيم

“نجوع ونأبي الخنوع”، شعار رفعه الأسرى وذويهم لنيل حريتهم وكرامتهم، ولم تهزهم حرارة الشمس، و لا ظلم السجان، منهم تُستَمدُ عزائمُ الرجال، و لصبرِهم تنحني الهامات، في تغطيتنا الخاصة “لثورة الكرامة” نجول في خيم الاعتصام نتلمس حنين الأهالي و نخط كلماتهم.

في ذات المكان الذي أصبح مزار للمساندين الذي يأتون من كل حدب وصوب معلنين تضامنهم مع الأسرى و ذويهم تجلس والدة الأسير حسين اللوح والذي حكم 13 عاماً، أمضى منهم عشرة سنوات حاورتها “الثريا” لتنقل معاناتها، لعل من سامع يحرك ساكنا لتحرير الأسرى من ظلم السجان فتقول:”لست هنا لأتباكى على ابني، إنما لأقول للعالم أجمع كفاكم خذلاناً، كفاكم صمتاً، وإن لم تتحركوا من اجل حرية أبناءنا فهم من سيصنع حريتهم و لو بذلوا في سبيل ذلك حياتهم”.

وتضيف بعزيمةٍ تنحني لها الهامات إجلالاً:”لقد استشهد ابني محمد دفاعاً عن الوطن والعِرض ولو قدَّم ابني الثاني روحه ثمناً لفلسطين وترابها الغالي، فهي رخيصة لتحريرها، فتلك هي الطريق لتحرير كامل ترابنا، و لن يكون طريق النصر والتحرير معبداً بالورود فإما شهادة أو انتصار، وهذا ما علمناه لأبنائي وما يسيرون عليه”.

احنا صامدين

وعلى مقربةٍ منها تجلسُ أم ناصر شمالي، والدة الأسير أحمد شمالي، والذي حُكم مدة 18 عاماً، يسير على نهج والده الذي استشهد في السجن عام 1987، بعد اعتقاله بعام ونصف، تقول أم ناصر بلغة الشموخ و كبرياء الصمود والتي اعتادت عليها نساء فلسطين اللاتي يجابهن الاحتلال ويقفن مواقف الرجال:”السجن يَمَّا ما يهز رجال، ما ينزع كرامة، ويليِّن عزيمتنا، السجن للدفاع عن الأوطان نصر وتكريم، والاستسلام للمحتل هو الجبن والضعف والذل”، وتضيف :”احنا صامدين، صابرين وشامخين وراسنا عالية ما تنحني لجبروت المحتل”.

وفي ذاتِ الخيمةِ التي جمعت، همّ أمهات الأسرى ووحَّدت قضيتهم، تجلس أم رمزي صالح والدة الأسيرين رمزي وسعيد صالح، كباقي الأمهات داخل خيمة الاعتصام تحمل صورة أبنائها بين أحضانها، وأنظارها توحي لك أن جسدها فقط هو من في المكان، أما روحها فهي تجاهدُ لتعانق أبناءَها من خلفِ الأسوار، لتصل إلى معتقل نفحة حيث يقبع أبناءها مضربين عن الطعام .

بعينين أرهقهما إعياء الإضراب تقول أم رمزي:” منذ ثمانية أعوام لم يسمح لي الاحتلال أن أرى أبنائي، وفي كل مرة تأتيني تهمة جديدة، كان يقال لي في بداية الأمر أنني ممنوعة أمنية لذلك لا يُسمح لي بالعبور حتى وصل بهم الحال ليتهموني أنا وأغلب أمهات الأسرى أننا لسنا أمهات أبنائنا، وأننا لا نمت لهم بأي صلة !!
وتتساءل والدموع في عينيها:” أي أم تقبل أن تُحرم من أبنائِها وتُتَّهم بأنهم ليسوا أبنائها, هم ليسوا فقط أبنائي هم والله قطعة من فؤادي, في كل يوم أراهما في المنام يستنجدان بي، أستيقظُ مفزوعة، وأبكي، وأصرخ وأناديهم، ولكن ليس باليد حيلة، فلا أسمع إلا صدى صوتي، في كل مرة أحلم بهم أنني أنادي عليهم، فأسمعهم يقولون لي نعم يا أمي !!.

وتضيف أم رمزي :”أقول في نفسي يا إلهي، ماذا يحصل لهم ؟ هل هم بخير؟ هل ينامون؟ هل يشربون؟ هل هم مرضى أم لا ؟ فأنا لم أسمع عنهم أي خبر منذ 8 أعوام إلا ما يتسرب وهذا نادرا “.

أما عن فكرة التضامن والإضراب فتقول أم رمزي:” من قال أن أيا من أمهات الأسرى تتذوق طعم لأي طعام أو شراب , فكنت أول ما أضع الطعام أتذكر أبنائي فلذات كبدي يموتون من الجوع وأنا آكل !! و أنَّى لي الأكل أو الشرب وهل يهنأ لي طعام دون أبنائي؟

و تتابع و قد سبقتاها عبراتها:”أجلس مع أبنائي الموجودين في البيت لنأكل سويا، وكل واحد منا يحاول أن يُصبر الآخر، ويقنعه بتناول الطعام ولكن بعد مرور ثواني تجد الدموع في عين كل واحد، فينسحبوا رغماً عنهم”، وبتنهيدةٍ  حزينة منكسرة من قلب يعتصرُ ألماً كانت أم رمزي تسكت ثم تقول :”آآآآه يا أمي، والله قلوبنا كالنار عليكم “.

خلال الحوار الذي أجريته معها كانت تحاول أن تتمالك نفسها، ربما كانت تخرجُ دمعة أو أخرى رغماً عنها،  ولكن عندما قلت لها هل تتأملي أن يستيقظ العالم من سباته ويقف بجوار أبنائك وجميع الأسرى, لحظتها لم تتمالك نفسها، وبكت من شدة الحرقة، وقالت بلهجة الغاضبة والساخطة على هذا الحال:” هل بقي لدى العالم إحساس أو  مشاعر أو حتى كرامة ونخوة لو كان هناك احد لديه ضمير والله لا يقبل على شباب مثل الزهور تتعذب كعذاب أبنائي وباقي الأسرى، ولا يقبلُ أن يتركَ أُم مولعة على فراق أبنائها، والله لن يتحرك العالم فقد قرأنا على نخوتهم الفاتحة منذ زمن، ولكن “حسبي الله ونعم الوكيل” .

سأبقى على أمل أن أراه

بوجعهم خرجنا نحاول أن نخطه عبر صفحاتنا و كان اللقاء مع والدة أسير أخرى تتحدث قرة عينها، نجية مصلح زوجة الأسير سلامة مصلح الذي حُكِم عليه مدى الحياة وقضى 19 عام، ولم ترهُ منذ تسعة أعوام”.
تجلس هي كذلك  في خيمة الاعتصام، ولا تترك أي فعالية تضامنية إلا وتخرج لنصرة زوجها، تحاولُ بكل الطرق أن ترسلَ له رسالة أنها معه وأنها لن تتخلى عنه، فهي وعلى حسب تعبيرها تقول:” من ضحى من أجل وطنه فوالله أنهم يستحقون أن نضحي من أجلهم، وسأبقى على أمل أن أراه مرة أخرى وأن يتحرر، فمن كان يصدق أن يتحرر بعض من الأسرى الذي تحرروا في صفقة الأحرار، فأنا على يقين بنصر الله وسيأتي اليوم الذي أجده فيه أمامي وما ذلك على الله بعزيز”.

وتضيف:” لأجل ذلك اليوم سأبقى أتضامن معه ومع جميع الأسرى وسأوصل رسالتي لكل العالم أن المرأة الفلسطينية مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل قضيتها، وأن الأسر لا يقللُ من قيمةِ الأسرى، بل على العكس أفتخرُ وبشدة أنني زوجة أسير مناضل، يضحي بعمرِه من أجل وطنه، ولا يظنوا أن زوجات الأسرى يستمرون مع أزواجهم من أجل أبنائهم فقط، فأنا لم يقضِ على زواجي عام، ولم أُرزق بطفل، ولكن رغم كل ذلك لم أتخلَّ عنه فما يربط المرأة الفلسطينية بزوجها الأسير، أكثر من مجرد أطفال فنحن أبناء قضية واحدة و كما هو يضحي من أجلها، أنا سأضحي وسأبقى على انتظار ذلك اليوم الذي يجمعنا سويا بإذن الله”.

خرجت “الثريا” تحمل أوجاع ذوي الأسرى، وأشواقهم لعلها تصل إليهم يوماً، فلا يزال الألم مستمراً ما دام أبناءنا الأسرى في زنازين الظلم والجبروت لعل شعاع أمل يأتي من بعيد يحمل بشريات النصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى