فلسطينيات

بعد مرور ست سنوات هدى غالية تصر على محاسبة الاحتلال

 

تقرير : هدى فضل نعيم

“هدى غالية” اسم يعود بنا في الذاكرة لستة أعوام مضت، عندما تعالت صرخاتها على شاطئ بحر غزة “أبتاه ليتك تعود”، دوت صرخاتها في السماء بعد رؤيتها أشلاء والدها وإخوتها، بقصف صاروخي أثناء استجمامهم في بحر غزة .

كل من رأى شراسة المشهد الذي عايشته غالية يتوقع بأن يرى بعد ذلك جسد لفتاة دون روح و إرادة، لكنها نسجت من خيوط آلامها لوحة فنية جميلة لحياة تصنعها بقوتها وصلابتها، بعد ست سنين تدخل غالية الثانوية العامة وتجتازها بنجاح غير متوقع لفتاة عايشت تفاصيل الألم بعد فقدانها لأهلها.

في استضافة “الثريا” تحدثنا غالية عن طموحاتها وأحلامها، فهي تقول:” لم تتوقف حياتي ولن تتوقف كذلك بإذن الله، وسأدرس المحاماة كي أقاضي الاحتلال واسترد حق عائلتي الذي طواه الزمن كما طوى العديد من الجرائم بحق المدنيين الأبرياء وسأدافع عن المظلومين واسترد لهم حقوقهم”.

في مساحة بيتها المتواضع تجلس غالية مستقبلة المهنئين لها بنجاحها من كل شرائح المجتمع فالكل يرى نجاح إرادة وصمود الشعب الفلسطيني الذي تعود على أن يخرج من المحن أقوى وأشد إصرارا على إكمال المسير في نجاح هدى .س
بصوت يكسوه التحدي تقول غالية للثريا:”لن ينجح الاحتلال في كسر عزيمتنا، فهو لا يعلم عقيدتنا وإرادتنا التي تعانق قمم الجبال، وأقول له بأعلى الصوت صنعت من الألم حياة جديدة و سأستمر في ذلك”.

 

كنت أحلم بعناق والدتي قبل الذهاب للامتحان

و أُتوق لسماع صوت والدي يقول”الله يسهل عليك”

 

في اليوم الأول لامتحانات الثانوية العامة كانت تعيش هدى لحظات خاصة فقد كانت تحلم بعناق والدتها لها قبل دخولها الامتحان، و كانت تتوق لتوديع والدها لها و سماع كلمة “الله يسهل عليك و يوفقك”، لكن الاحتلال حرمها من أمنياها حتى البسيطة منها، في اليوم الأول لاختباراتها  وافق ذكرى المجزرة التي حصلت لعائلتها، لحظات قلق كانت تعيشها من الاختبارات امتزجت بذكرى المجزرة التي لم تغب عن مخيلتها في يوم كان من حقها فيه ان تتمتع براحة و طمأنينية لتتمكن من حل الامتحان، ومن ذلك كله استطاعت غالية ان تنسج خيوط النجاح بإرادة لا تعرف اللين.

إرادة و تحدٍّ

تنقل غالية مشاعرها للثريا فتقول:” أكثر ما كان يعكر صفوي اشتياقي لأهلي بكل لحظة وخاصة في فترة الامتحانات فقد كان أول يوم في الاختبارات ذكرى المجزرة لكن ذلك لم يؤثر على عزيمتي وكان جل همي أن أثبت للعالم بأن الشعب الفلسطيني قادر على الإنجاز رغم الآلام وأننا شعب صاحب إرادة.

وتتابع غالية :”أكثر الصعوبات التي واجهتني في الدراسة هو لحظات الحنين والاشتياق لعائلتي وأيضا حالة الحصار التي نعيش فيها منذ أكثر من 6 أعوام فكنت أقضي كثير من الأوقات وأنا أدرس على نور الشمعة في وسط بيتنا الصغير وبوجود جميع أفراد العائلة المتبقية .

وبعد رحلة دراستها وتقديمها للامتحانات تحدثنا غالية عن لحظة إعلان النتائج فتقول:” لقد ترقبت صدور النتيجة على أحر من الجمر، فلم أنم ليلتها وعندما حصلت عليها ربما لم تعجبنِ لأني كنت أطمح أن أحصل على درجة أفضل، ولكني حصلت على 73% في ظروف نفسية قاهرة، وما زادني فرحة  تلك البهجة التي رأيتها في عيون أقاربي والمسئولين فقد زارني في البيت الدكتور جمال الخضري وقدم لي منحة دراسية كاملة في الجامعة لأدرس المحاماة كما زارني الأستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني وهنأني بالنتيجة واستقبلت العديد من التهاني من أشخاص أعرفهم ولا أعرفهم وكان الجميع يرسل عبارات التشجيع والمباركة لي بهذا النجاح”. ..

أما عن التخصص فتقول غالية:”كنت في حيرة من  أمري بأن ادرس الإعلام أو المحاماة لكن هدفي واحد وهو أن أحاسب الاحتلال ورأيت بالمحاماة طموحي وأهدافي وعزمت على أن ادرسها وأتميز بها بإذن ” .

وتوجه غالية رسالتها للشعب الفلسطيني عموما بأن “لا تجعلوا من مأساتكم وما يصيبكم شماعة للفشل، بل يجب أن يكون وقودا للنجاح والتميز والإصرار، ويجب أن نوصل رسالة للعالم كله أن شعب غزة يريد الحياة ولديه طموح كما أنه لا ينسى جراحه” .

تلك هي الإرادة الصلبة التي يمتاز بها الفلسطينيون فيُعبِّدون طريق النجاح والإبداع بصبرهم و عزيمتهم، ولا يألون جهداً في تحقيق مرادهم لأنهم فهموا عقيدتهم حق الفهم، وشربوا قضيتهم العادلة من حليب أمهاتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى