اعرفوا قدركم

بقلم/ د. صادق قنديل أستاذ الشريعة الإسلامية
تأتي سلسة هذه المقالات “نصائح شبابية” بعد مقال سابق كنت قد كتبته بعنوان “يا علماء غزة أدركوا شباب غزة” والذي ضمنته مجموعة من الأخطاء الصادرة من شباب تحمس لنصرة الدين.
لعلي بهذه النصائح أرشد الشباب نحو الطريق الصحيح، وأبتدئ هذه السلسة بالنصيحة الأولى ” اعرفوا قدركم” مما يحزن القلب أن تجد من شبابنا من يجترئ على الفتوى، ويصدر الأحكام في أخطر القضايا، بل ومنهم من يسمح لنفسه أن يكفر هذا أو يفسق ذاك.
رحم الله الخلفاء من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مع ما آتاهم الله من سعة العلم- كانوا يجمعون علماء الصحابة عندما تعرض لهم قضايا تحتاج إلى اجتهاد في تبيان الحكم، بل كان بعضهم يتوقف، فلا يجيب ويحيل إلى غيره، ويقول: لا أدري، وهذا عتبة من مسلم يؤكد ذلك بقوله: ” صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً، فكان كثيراً ما يسأل، فيقول : لا أدري.
وإذا انتقلنا إلى التابعين نجده سيدهم وأعلمهم سعيد بن المسيب، على الرغم من مكانته في العلم وقول الناس في زمانه: سيب الله من سيب فتوى سعيد ابن المسيب، كان يقول: اللهم سلمني، وسلم مني، وهذا ما يوضحه لنا الإمام مالك- رحمه الله – بقوله: ” من سئل عن مسألة.
فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب فيها، وهو الذي سئل عن اثنتين وعشرين مسألة، فما أجاب إلا في اثنتين بعد أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله.
كيف لا وهذا عمر بن الخطاب لو عرضت عليه مسألة جمع لها أهل بدر، إذن اعرفوا قدركم أيها الشباب، واعلموا أن الفتوى لها أصولها، وأحكامها، وأدواتها، ولست أمنعكم من أن تدرسوا وتتعلموا، بل العلم فرض عليكم، ولكن مهما درستم من العلم وبقيتم بحاجة للوقوف على أصول الشريعة وفروعها.
فلا يجوز لكم الفتوى، ويمكن لي أن أقول بأن العلم على نوعين، علم في التحقيق والتحبير، وهذا لا يتقلده إلا من له قدم راسخة في العلم، وعلم في البيان والتبليغ وهذا يمكن لكل من ملك أدوات الفهم وهنا تجدون أنفسكم في الدعوة إلى الله من غير حاجة أن تقولوا برأيكم وإنما تنقلوا الفتوى عن علمائكم، فيا شبابنا رحم الله من عرف قدره منكم ، والحمد لله رب العالمين،،