“إياكم والغلو في الدين”

بقلم/ د. صادق قنديل ،،،
ابتُلي الشباب في زماننا بآفة الغلو في الدين، فتراهم يتشددون في موطن التسهيل، ويعَسرون في موطن التيسير، من غير أن ينظروا إلى ما نراه في أيامنا من رقة في الدين، وضعف في اليقين، وغلبة النزعة المادية على الروح الأخوية، أَضْف إلى ذلك عموم البلوى بكثير من المنكرات، وليس معنى هذا أن نتهاون في ديننا لأجل أن يقال أننا من أهل التيسير، وإنما المقصود أن نطبق ديننا الذي كله التيسير، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) وذكر الإمام مسلم في صحيحة رواية تزيد الأمر وضوحاً، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( هلك المتنطعون) قالها ثلاثاً. قال النووي – رحمه الله تعالى: ” أي : المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقولهم وأفعالهم، وهذا الذي حذر منه النبي- صلى الله عليه – بقوله فيما أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ( إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقاد والأعمال، وما ذكرته من أحاديث يكفي للوقوف على خطورة الغلو في الدين على الفرد والمجتمع، بل جعل القرآن ذلك أي:الغلو من التعدي على دينه، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا َحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) بل دين الإسلام دين الوسطية والاعتدال، قال تعالى:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) ولو نظرنا أيها الشباب في نصوص القرآن والسنة نجدها تدعو إلى التيسير ورفع الحرج، قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) وقال سبحانه:(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ) بل ليس مجرد التيسير والتخفيف فحسب بل تعداهما لرفع الحرج، فقال تبارك وتعالى:( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) قال القرطبي: أي: من ضيق في الدين، وحسبك من السنة ما جاء في صحيح البخاري من نداء النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه لمَّا بال الأعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) وهذا ما طبقه – صلى الله عليه وسلم- فكان من هديه كما في الحديث المتفق عليه ( أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً) والغلو في الدين ينشأ عند بعض الشباب من عدم فهمهم لما يكون عليه الدين والالتزام به، فبعضهم يعتقد أن الدين كله في تطبيق السنن فقط، وآخر يرى أن الدين كله في النهي عن المنكرات، وثالث أن الدين في تكفير المجتمعات والناس، ورابع في التزام الشدة، وخامس استعجل على المدعوين بضرورة أن يكونوا كالصحابة في كل شيء وإلا فهم أشرار كفرة ، وغيرهم كثيرون لكنهم جميعاً قصروا في جانب وتجاوزا الحد في جانب آخر فهم بين الغالي فيه والجافي عنه، وأختم ما سبق بكلام جميل لابن القيم- رحمه الله – بقوله: ” إن أفضل الطريق طريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم- التي سنها، وأمر بها، ورغب فيها، وداوم عليها” والله أعلم .