“يا فارس الميدان لا تقصر في الإحسان”

بقلم- د. صادق قنديل أستاذ الشريعة الإسلامية
مِنَ الشباب مَنْ تفانى في حب العمل للإسلام، تراه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بكل جدية واجتهاد، يوصف بين أقرانه وزملائه بأنه الفارس المقدام، عطاء بلا حدود، وعمل دؤوب؛ بلا كلل ولا ملل من ليل أو نهار، متى نودي من ساعته لبى النداء، هذا في الميدان.
أما في الإحسان والتعامل مع الناس، فحدث ولا حرج، قصر في حق والده ووالدته، وأخته وأخيه، لا يوقر عالماً،أو يحترم كبيراً، أو يرحم صغيراً، وجهل أن هذا كله يخالف ما كان عليه رسولنا الأكرم – صلى الله عليه وسلم-من حسن الأدب.
فلا يجوز مواجهة الآباء بخشونة، والأمهات بقسوة، والأخوة والأخوات بغلظة، دعواه في ذلك أنهم يذنبون ولا يطيعون،انحرفوا عن الصراط المستقيم، فاستحقوا الزجر والقطيعة، من غير أن يعلم أن هذا- وإن وجد- لا يسقط حقهم في التعامل معهم بحسن الأدب، ولين القول وإسداء النصح لهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ألم يعلم أن الله قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم- خير البشر أحسنهم أدباً وأزكاهم خلقاً، قال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
ولو قرأ حوار سيدنا إبراهيم- عليه السلام- مع أبيه في القرآن لعلم كيف يكون أدب الأبناء مع الآباء حتى وإن كانوا من المشركين، قال تعالى: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إني أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) .
وحسبك أن الله قال في حقهما : (وإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .
وزد على ذلك ما جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد ( إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب) وأخرج الحاكم من حديث أبي رمثة بلفظ ( أمك أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك فأدناك).
ومن أدب الإسلام أن يوقر أهل العلم، ويحترم كبير السن، ويرحم صغير القوم، فقد أخرج الإمام أحمد والطبراني عن النبي – صلى الله عليه وسلم قوله- ( ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه) أي هو بهذا ليس على طريقتنا، وبلفظ عند الإمام أحمد- رحمه الله- “ليس من أمتي” أي: ليس من أخلاق أمته- صلى الله عليه وسلم- .
ومن الآداب أيضاً حفظ المعروف لمن كان له سبق في الإسلام والدعوة إلى الله، أو كان له بلاء حسن في نصرة دين الله، فلا ينبغي جحود فضله، ونسيان معروفه، أو الطعن فيه، لفتور بعد نشاط ، أو ظهور ضعف منه بعد قوة، فإن رصيده من الخير يشفع له.
وما أعظم ما قاله الإمام مسلم الذي قال عن صحيحه العلماء ” ليس تحت أديم السماء أصح من صحيح مسلم ” قال -رحمه الله- عن الإمام البخاري- رحمه الله -: لو لا البخاري ما راح مسلم ولا جاء فهماً من الذي قرره النبي – صلى الله عليه وسلم- في قصة حاطب بن أبي بلتعه – رضي الله عنه- لمَّا أخبر قومه بما أعده النبي- صلى الله عليه وسلم- لفتح مكة، فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- دعني يا رسول الله أضرب عنقه.
فقال عليه الصلاة والسلام ” ما يدريكم لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم” سابقة الرجل في جهاده يوم بدر جعلت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقبل اعتذاره، فأَنَّ لشبابنا اليوم أن يعوا هذا، والله أعلم .