كلمة حق يراد بها باطل

بقلم: د. صادق قنديل أستاذ الشريعة الإسلامية
ما أشبه اليوم بالأمس، ظهرت فرقة تسمى بالخوارج في زمان على ومعاوية -رضي الله عنهما- حين تعددت وجهات النظر بسبب المطالبة بدم عثمان- رضي الله عنه- أو تأخيره.
وانقسم الناس من المسلمين إلى مؤيد لعلي -رضي الله عنه- أومؤيد لمعاوية-رضي الله عنه- إلى أن رفع معاوية- رضي الله عنه- وأصحابه المصاحف على أسنة الرماح، يطلبون تحكيم كتاب الله -عز وجل- وما كان لعلي -رضي الله عنه- إلا أن يقبل تحكيم القرآن.
فوقع الاختيار من على – رضي الله عنه- علي أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- ووقع الاختيار من معاوية – رضي الله عنه- على الصحابي الجليل عمرو بن العاص – رضي الله عنه.
ولكن بعضًا ممن كانوا مع على-رضي الله عنه- خرجوا عليه، وقالوا: لقد حكَّم علي- رضي الله عنه- الرجال في كتاب الله! كيف يكون ذلك؟ والله -سبحانه وتعالى- يقول: {إن الحكم إلا لله} ومادام قد فعل ذلك فقد خرج من دين الله- عز وجل-
فسموا بالخوارج لأنهم خرجوا على عليٍّ -رضي الله عنه- ولنا في أمير المؤمنين على – رضي الله عنه- الأسوة الحسنة، في موقفه من الخوارج الذين شقوا صفه، وخرجوا عليه، واتهموه بأشنع الاتهامات، وحرضوا عليه في كل المجالس، وألبوا عليه الناس باسم الإسلام ، وساقوا للناس من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية ما يعضد قولهم، ويصغي أفئدة الناس إليهم، ظاهره الحق وباطنه الخرق.
ومع هذا كله قابلهم -رضي الله عنه- في بادئ الأمر بإنكار باطلهم، وإقامة الحجة عليهم، دون أن يتهمهم بمثل تهمهم، أو يكفرهم بمثل ما كفروه به ، بل استبقاهم في دائرة الإسلام ، ليردهم إليه ردا جميلا، وأرسل إليهم حبر الأمة عبد الله بن عباس – رضي الله عنه- وحاورهم بالحجة والبيان من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- فرجع منهم عن غيه ثلاثة آلاف.
ولا عجب من على – رضي الله عنه- فهو الذي رد على سائله لما قال له: أكفار هم؟ قال : من الكفر فروا، وإنما إخواننا بالأمس بغوا علينا اليوم، فمن بقي على موقفه منهم قاتلهم على أنهم بغاة حتى قضي عليهم والعجيب أنهم أنكروا على علي – رضي الله عنه- تحكيمه الرجال في دم عثمان- رضي الله عنه- .
وقالوا كلمتهم المشهورة : ” لا حكم إلا لله” فرد عليهم على– رضي الله عنه – بكلمته المشهورة ” كلمة حق يراد بها باطل” ومن أمثالهم اليوم من يكفرون الناس والمجتمعات باسم الإسلام، ويحقدون على الدعاة والعلماء بدعوى الحرص على الإسلام ، فلا يسلم من لسانهم أحد، يزعمون أنهم هم العلماء لا غيرهم، همهم فلان فاسق أو مبتدع أو ضال، ولو أنهم شغلوا أنفسهم بما ينفع الأمة ، ويرفع الكلمة، ويعجل النصر، ويوحد الصف، لكان الأفضل والأحسن.
ويا ليتهم فهموا ما قاله عالم العصر، الشيخ ابن باز رحمه الله – لما سئل عن جماعة من المسلمين فقال : يرحمه الله : ” كونوا معهم وعلموهم” ومثله عن الشيخ الألباني – رحمه الله- محدث العصر، لما سئل عن الشهيد سيد قطب – رحمه الله- قال “خذوا من خير علمه” هذا هو العلم ينصف صاحبه، وبما أننا لا نزعم العصمة لأحد من البشر ، لكنه من المؤكد أنه ما من أحد إلا وهو في أقواله وأفعاله بين المصيب والمخطئ.
والحكمة تقتضي أن نأخذ بالصواب من أقواله وأن نرد بالقول الحسن على أخطائه، وأن لا ننكر ما قدمه من خير للناس والمجتمع، ولا أن نجحد جهاد من جهاد، وإنما تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم النصيحة لما رواه الإمام مسلم في الصحيح من حديث تميم الداري- رضي الله عنه- يقول:- صلى الله عليه وسلم-: ( الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم).واعلموا أيها الشباب أن الإسلام يحتاج من يعمل لا من يكسل ويطعن، فاليوم دوركم لأن القدس وفلسطين تنادكم .