غير مصنف

أطفال غزة يرون الحكاية

تقرير: هدى فضل نعيم،، 

ينطق أطفال غزة بتفاصيل روايات لا يستطيع تحملها بشر ولا حجر، ليست هي قصة الذئب وليلى أو الثعلب المفترس إنما العالم المفترس والجيش المتغطرس الذي نهش طفولتهم غصبا، فقد مزق إخوانهم أمام أعينهم وهدم المنازل على رؤوسهم.

“الثريا” تنقلت في مستشفى الشفاء والتقت الطفلة فاطمة محمد أبو زور 13 سنة أصيبت بوجهها وقدمها باستهداف منزلهم في حي الزيتون، تقول بكل براءة :”كان في بيتنا نساء يبكون من الخوف فقد هربوا من منزلهم الذي استهدفه العدوان الصهيوني ليحتمو بمنزلنا، وقد جلبت لهم الماء ليطمئنوا”.

وتضيف فاطمة وهي تستعيد شريط ذكريات لم يتمكن عقلها من نسيانها:”فجأة شعرنا بضغط شديد فجدران المنزل سقطت علينا حتى غطتني الحجارة بالكامل ولحظات حتى غبت عن الوعي ووجدت نفسي في مستشفى الشفاء وبجواري باقي أفراد أسرتي وهناك صراخ وبكاء من كل ناحية نظرت لنفسي لأتفقد إصابتي فوجدت قدمي مصابة وشعرت بألم في وجهي فأيقنت أنني مصابة في الوجه”.

تتابع فاطمة وقد بدت عليها علامات الصدمة:”وبعدها بدأت رحلة التشتت أنا في بيت وإخواني في بيت وأمي مع أخي الثاني المصاب وتسأل نفسها لا ادري هل حقا ستعود حياتنا، هل سأذهب للمدرسة ، وهل سيكون لي منزل”، تصمت متألمة وعيناها للسماء متأوهة قائلة:”عمري ما راح أنسى اللي صار “، أنا ما بأعرف كيف ضليت عايشة؟ ثم تصمت فاطمة معلنة عدم قدرتها على الحديث أكثر.

أما شقيقها (محمد 12 عاماً)، فقد كانت ملامح الصدمة تعلو وجهه أكثر من أي شيء فكان ينطق بما حدث معه بصعوبة بالغة فقد وجد أمامه أشلاء أقاربه ووجد أمه نصف جسدها خارج الشرفة ونصفها في الداخل تكاد تسقط من الدور الثاني، لكنه بقي ممسكا بباقي جسدها الموجود داخل البيت، يحاول تثبيتها بيديه الصغيرتين، كي لا تقع، مصراً أن لا تسقط أمه منه وبالفعل بقيت والدته على قيد الحياة”.

أريد ماما

أما ما لفت انتباهنا هو بكاء الطفلة الصغيرة شهد ذات العام الواحد ابنة عم فاطمة و محمد تبحث عن أمها التي ارتقت شهيدة، ووالدها المصاب وطوال فترة مكوثنا بمنزلهم تردد “ماما …. ماما ….ماما “، فلم يستطع أخوالها و خالاتها تعويضها عن حنان والدتها، ولا تزال نداءاتها على والدتها تصدح في الهواء دون مجيب فقد اتقت روح والدتها لتصعد إلى السماء بلا عودة حينما اختصر العدو مساحات لقاءاتها بوالدتها بقصفه لها وستبقى مع أختها الصغيرة التي لم تتجاوز الأربعة أشهر يفتقدون لحضن والدتهم الدافئ، التي غيبتها قذائف الاحتلال”.

[divide style=”2″]وفي رواية أخرى ليست هي من نسج الخيال إنما من واقع عايشه أطفال فلسطين جراء العدوان على غزة، يقول الطفل محمود نعيم 14 سنة والذي استشهد أخيه الصغير ذو العامين وأصيب أخيه الأصغر محمد ذو الستة أعوام:” سمعنا صوت قوي جداً أمام شقتنا وبدأت الشظايا تتطاير وتدخل المنزل ووجدت أمامي الجميع يصرخ ويبكي ودماء متناثرة هنا وهناك، حملت أولاد عمي الأطفال الذين أتوا لمنزلنا ليختبئوا مع ذويهم، وأخرجتهم من الباب وفي لحظات أتي المسعفون أخذوا الجميع وبقيت وحدي في المنزل حينها شعرت بألم في قدمي، واكتشفت أني مصاب بشظية في القدم جلست أصرخ على أحد يسعفني حتى عاد إلي رجل إسعاف أتى ليتفقد المنزل ويتأكد من إخلاء جميع المصابين، وقد وجدت نفسي وحيداً في المشفى دون أي أحد من أهلي، لا أعرف كيف أطمئن عليهم في المشفى التي يوجدون فيها ، وأتساءل من استشهد منهم، فالصاروخ كانت ضربته قوية جداً.[divide style=”2″]

ويضيف محمود:” لم يطل انتظاري لمعرفة أخبار عائلتي فلحظات وتم تحويلي لمستشفى الشفاء حيث أهلي وأقربائي وعلمت بأن أخي الصغير عبد الرحمن استشهد وأن ابن عمي سامي مصاب إصابة بالغة في الرئة كادت تقتله”.

ويتابع محمود قائلاً:” كلما حاولت أن أغمض عيني يتكرر مشهد الشظايا التي تتطاير والدماء المتناثرة، والصراخ..” ويقطع محمود حديثه مترحما على أخيه، وكأن شريط الأحداث عاد به لرؤية جثمان أخيه المسجى”.

وبعد يومين من هذه الواقعة استيقظ الطفل أنس ابن أخت الشهيد عبد الرحمن، يسأل:” أين عبود؟. كيف لا وهو الذي قضى معه طوال أيام العدوان يلعبون سوياً حتى لحظة استشهاد عبد الرحمن بصاروخ حاقد، نزع براءة طفولتهم”.

وفي شهادة جديدة من الطفل محمد أبو زور الذي أصيب إصابة خطيرة في رأسه وجسمه، جعلته يرقد في مستشفى الشفاء لا يستطيع الحديث عن أي شيء فهو مصاب بصدمة نفسية تجعله يعبر بيعينه عن ما يجول في خاطره فشهادته مختلفة باختلاف حالته حيث تنزل دمعة على خديه تحمل أسرار تتفجر داخل قلبه فلا احد يعلم ماذا شاهد؟ ومن ماذا يبكي؟ فقد وجدوه تحت ركام منزله، ورغم كل هذا فاجئني محمد عندما طلبت منه تصويره فرفع علامة النصر ليؤكد للعالم أننا حقا انتصرنا”.هي شهادة من نوع خاص يرسمها الطفل محمد الذي وُجِد تحت أنقاض منزله المدمر، لعلها لعبة جديدة أراد المحتل أن يلعبها مع هؤلاء الأطفال لكنها لعبة حياة أو موت، صيغت بحروف العزة والنصر والتمكين للمقاومة العتيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى