غير مصنف

(فاتح وعمرا) شابان تركيان يتركان الرفاهية ليوثقا جرائم الاحتلال

تقرير: هدى فضل نعيم

تركياتركوا حياة الرغد والرفاهية، فلم تُغرِهِم السيارات الفارهة، وأحدث الماركات والجوالات، وتركوا ذلك خلف ظهورهم ليشاركوا أهل غزة قضيتهم ويوثقوا جرائم المحتل فيشاركونهم أفراحهم وأتراحهم، ويتلمسون آلامهم، وما يتعرضون له من عدوان، ويوثقونه بسلاحهم الذي امتشقوه لنقل الحقيقة بالصوت والصورة “سلاح الكاميرا” التي تتحدث بإقناع دون أن تنطق بكلمة.

من تركيا بلد الجمال والأصالة والطبيعة الساحرة، قدِمَ الشابين (عمرا كاربنار ٣٠ عاما) و(فاتح باجكرك ٢٩ عاما)، حاملين معهم هم قضية فلسطين التي يؤمنوا بعدالتها، لينقلوا للعالم معاناة أهلها.

عايش الشابان أيام معركة “حجارة السجيل”، مع أبناء غزة، وشاهدوا القصف والدمار، ووثقوا مشاهد الأشلاء والشهداء والجرحي، سمعوا صراخ الأطفال والأمهات، وسجلوا لحظات الفراق بين الأحبة عند سماع نبأ الشهادة، وسجلوا مشاهد العز والتمكين لضربات المقاومة للعدو، ووثقوا لحظات النصر في كل مكان في غزة، لم يكن (عمرا وفاتح) بمعزل عن حياة الغزيين أثناء العدوان على غزة، فقد عاشوا لحظات مرعبة ومخيفة طيلة حرب الأيام الثمانية التي شنتها إسرائيل على غزة فكانت الكاميرة والقلم والإنترنت سلاحهم ليواجهوا العالم وينقلون الصورة .

ثمانية أيام مكثوها في احد فنادق غزة التي لم يستخدمونها سوى لوضع متاعهم وترتيب عدتهم أما باقي الوقت فكانوا يتجولون بين شوارع وأزقة ومخيمات غزة بحثا عن الأنين والظلم الذي يتعرض له أهل غزة كما وثقوا لحظان النصر ومشاهد العز التي أحرزتها المقاومة.
الشاب (فاتح) الذي ترك ابنه حمزة يتحدث عن سبب زيارته لغزة وتركه تركيا فيقول:” إننا أولا مسلمين، وكلنا أمة واحدة، يجب أن نقف بجوار بعضنا، فإذا المسلم لم يواسِ أخيه المسلم ممن نطلب النصر إذا؟ ثانيا: أن فلسطين قضية الإسلام عامة وليست قضية خاصة ويحب أن ندافع عنها جميعا بكل ما نملك من قوة”.

يشاركه الرأي التركي (عمرا) الذي ترك خطيبته في تركيا ليوثق جرائم الاحتلال على غزة، فيقول:” المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وأنا كمسلم يجب أن أشعر بغيري وأشاطرهم معاناتهم، ونحن كمؤسسة (IHH)  التركية مهمتنا أينما وجد الألم علينا المساهمة في تخفيفه، وتوثيق ما يحدث، وإن تألمت غزة، فنحن نتألم كذلك، وان غزة عاشت بأمان عشنا بأمان كذلك”.

أما عن طبيعة عملهم في غزة فيقول فاتح:” نبحث عن معاناة الناس في غزة، ونصور قصص إنسانية ونوثق الأحداث، ويشاركه الحديث عمرا:” نحن كإعلام، وكسلطة رابعة نحاول أن نظهر للعالم أن بعض الإعلاميين يخدعون العالم بأخبار كاذبة ومضللة، فالإعلام الغربي قوي جداً ويظهر المسلمين على أنهم مجرمين وظالمين على الرغم من أن المسلمين في كل بقاع الأرض يتعرضون لظلم كبير، فنحن نحاول إظهار الحقيقة”.

ويضيف عمرا:”كنا بعد عودتنا في منتصف الليل وبعد يوم شاق من التصوير نوثق ما نراه عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونترجم ما يحدث إلى تركيا كما أنه لدينا موقع اسمه “طريق القدس” نعمل على توثيق ما نراه وننقله للعالم بشكل عام والأتراك بشكل خاص، وننشر الصور عبر الانترنت لتصل للجميع، ويقاطعه فاتح بالقول:” بعض الصور التي التقطها صديقي عمرا كانت تزعج أناس كثيرين، ويكون لها صدى كبير”.

ويتابع عمرا :”ربما كان من الصعب ترك أهلي وخطيبتي لكن القضية الفلسطينية تستحق بذل التضحيات وعائلتي تدعم قضية فلسطين وشجعوني على الذهاب إلى فلسطين لنقل الحقيقة رغم خوفهم الشديد علي، ولو أنهم يعرفون حقيقة الوضع في فلسطين لربما منعوني من شدة الإجرام الموجود في غزة، فالوضع في غزة ليس كما يسوقه الإعلام فالوضع كان مرعب ومخيف وهناك إجرام لا يمكن أن يشعر به إلا من عاش العدوان ورآه بعينه”.
ويشاركه الرأي فاتح قائلا:” من الطبيعي كل عائلة تتمنى أن يبقى الأب في البيت والزوج، لكن لأنهم يعلمون ما يحدث من ظلم في غزة والدول المظلومة فكانوا يعتبرونني سفيرا لهم، اذهب أوثق الحقيقة وأعود أخبرهم بما حدث، وأتعلم من هذه الدول المظلومة دروس عظيمة تؤثر كثيرا في نفسي وفي عائلتي، وفي مجرى حياتي، فتعلمت كيف أشكر الله على نعمه الجمة وتعلمت معنى الصبر، والصلابة، فرغم الألم والعدوان يخرج الطفل الجريح وهو يرفع علامة النصر، كانت دروس عظيمة تعلمناها من أطفال فلسطين، وعالمها وسأعلمها لأبنائي الذين يتشوقون لعودتي فقط لأخبرهم بما حدث في غزة وأعلمهم ما تعلمت”.

ومن أكثر المواقف التي أثرت في فاتح كما يقول:”أكثر موقف أثر في نفسي كان الصحفية التي حملت ابن عمها وهو شهيد كان موقف مؤثر جداً حتى الشارع التركي تأثر بالموقف جداً، وبكى عليه”.

أما عمرا فيقول:” تعلمت من غزة شئ عظيم وهو التكافل والصلابة، ويجب على العالم أن يأتي إلى هنا ويتعلم من غزة”.
ويضيف عمرا والدهشة لم تفارق عينيه:” يصعب وصف غزة بكلمات، يخرج الطفل الجريح أمام جندي مسلح ويستطيع رفع إشارة النصر وكما رأينا العديد من المشاهد التي يخرج منها الطفل من تحت الأنقاض وهو يرفع إشارة النصر، مشاهد عز كثيرة تعكس صلابة وإرادة لا يمكن وصفها”.

ويستدرك عمرا:” سأعود لأهلي وأحدثهم عن أهل غزة وعزيمتهم التي أذهلتني في مواجهة الاختلال رغم قسوة الضربات”.
لم يقتصر الأم عند هذا الحد بالنسبة لعمرا فهو يفكر بالعيش والاستقرار في غزة فهي كما يقول عمرا:” غزة رائعة جدا رغم مشاهدتي لبلاد كثيرة تجملت بالعمار الجمال لكنها بلا روح، و لكن في غزة كل شيء مختلف، هنا رأيت جمال الروح وروعتها فإشارة النصر التي رفعت من تحت الأنقاض، هي روح غزة، وكذلك الأُخوَّة والصبر، فمعنى الحقيقي للحياة تتعلمه من غزة”.
(عمرا وفاتح)، عايشا تفاصيل العدوان على غزة، ووثقوا جرائمه بالكاميرا التي تحدثت بلا لسان، لن ينسوا تجربتهم في غزة التي غيرت فيهم الكثير وسينقلون ما عايشونه من قيم العزة والكرامة والصبر والشجاعة إلى بلادهم وأبنائهم وعائلاتهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى