حين يغيب القمر .. الطفلة ملاك فقدت توأمها الذي رافقها في حياتها.

الثريا- عبير أحمد .
غادر وليد،في رحلة طويلة ليس مع والده هذه المرة؛ بل مع رفاقه من أطفال فلسطين التي اغتالت الصواريخ الهمجية براءتهم، لتصعد أرواحهم الطاهرة إلى الجنة، كانوا يحتضنون ألعابهم ببراءة، وأبى صاروخ حاقد إلا أن يقضي على لحظاتهم الجميلة،هيثم، وليد، وتوأمه ملاك تقساموا لحظات الطفولة وقتاً قصيراً جداً وحين شاءت ارادة الله توقفت الهمسات ليرتقي وليد إلى الله شهيداً ويودعه إخوته.
لا تزال آثار الحرب تدور في المخيلات، فمشاهد القتل والدمار ما غابت عن بيوت قطاع غزة الصامد بل إن كل البيوت الفلسطينية لا تزال تعيش الفقد والوجع، وعائلة العبادلة كما باقي العوائل الفلسطينية التي عاشت الحرب بتفاصيلها فقد فقدت أحد أبنائها “حكاية تخللها الألم والاشتياق لطفل كانت له ضحكاته وحركاته التي لم تغب عن أذهان عائلته”.
كما عادة أطفال فلسطين يلجئون للترويح عن أنفسهم باللعب أمام منازلهم الملاصقة التي تعكس لحمة شعب تذوق أصناف القهر من عدو يأبى الحياة له.
أمام منزل محمود العبادلة وقف الصغار يلهون ببعض ما حملوه من دمى وألعاب مختلفة غير خائفين من القصف ولا الدمار، ثلاثة من الأطفال ملاك، وليد، وهيثم ابن عمهم كانت لهم حكاية مختلفة مع الموت، فقد باغتهم صاروخ أطلقته طائرة استطلاع صهيونية على المكان الذين يتواجدون فيه دون رحمة ولا سابق إنذار، لتكتب قصة جديدة لقتل البراءة في فلسطين.
سقط الصاروخ وأصاب المنطقة التي كانوا يلعبون فيها، ولحسن الحظ فقد نجا الطفلان ملاك وهيثم بأعجوبة، هرع الأهالي إلى منطقة القصف ليروا أبناءهم، لكن ما فاجأ والد الشهيد أن وليد الطفل الصغير ذات الأعوام الثلاثة قد بقي ممدا، وظن في البداية أنه نائم فحمله بكلتا يديه وسارع الى غسل جرح صغير في فمه.
ويقول الوالد المفجوع:”رأيت دماؤه تسيل نتيجة ارتطامه بالأرض ورأيته ممددا، ولم يخطر ببالي بأن ابني قد أصيب بشظايا قضت على حياته الصغيرة، فحاولت والدته الحديث معه لتوقظه ولكن بعد لحظات اكتشفنا أن وليد في حالة خطيرة، فهرعنا إلى المستشفى محاولين انقاذه”.
وفي المستشفى تبدأ محاولات الإنقاظ المستمرة لساعات، قال خلالها الأطباء أن حالة وليد ميئوس منها بسبب خطورة وضعه الصحي، بالإضافة إلى تضخم الرئة وانفجار بعض الشرايين والأوردة داخل جسده،الأمر الذي تسبب بنزيف داخلي بجسده وأنفه.
ويضيف والده:”بعد ثلاث ساعات من المحاولات الدؤوبة التي كانت تجري على قدم وساق ارتقى الطفل شهيدا وفارقت روحه الحياة، وانتهت معه قصة حياته مبكراً”.
تساقطت الدموع على مقلتيه لعله تذكر مشهد من تفاصيل حياة طفله الذي لم يفارق ذاكرته فتجددت أحزانه التي أسكتها قضاء الله وقدره، وأثلج صدره رد المقاومة وانتصارها التي عُبِّدت بدماء الشهداء”.
هيثم، ابن عم الشهيد، الذي كان يلعب معه لحظة سقوط الصاروخ يقول”نزل الصاروخ من فوق وسقط علينا، رأيت وليد ملقى على الأرض، لا أعرف لماذا قتلوه، لم يفعل شيء لأحد”، بينما تسمرت ملاك شقيقة الشهيد وليد، وتوأمه أمام صورته التي علقها أهله وذويه على باب منزله، لم تستوعب ملاك فراق شقيقها وتوأمها الذي عايشت معه تفاصيل حياتها فقد جمعتهم مائدة الطعام، واللعب في الألعاب المشتركة بينهم، وكذا زياراتهم المشتركة لأعمامهم و أخوالهم، وأصدقائهم، فلا يزال صوته يصدح في أرجاء المكان، وحركاته التي لم تعرف السكون يوما، وحينما يشاهدان التلفاز يتصارعان على القناة المفضلة لكل واحد منهم، وتفاصيل كثيرة جمعت بينهم، لم تعتد ملاك أن تجد صورة وليد معلقة على الحائط، بل اعتادت أن تلعب معه لكن بطش صهيوني، أنهى حياة وليد القصيرة التي لم تتجاوز الثلاثة أعوام، بصاروخ غدر همجي اغتال براءته، واختصر حياته بأجل مقدر من الله عز وجل لتكون دماءه طريق الحرية والنصر.