درة فلسطين ياسمين شملاوي: “لو لم أكن فلسطينية لما حققت شيئاً في حياتي”

تقديم : محمد عبد الكريم هنية
ياسمين غسان شملاوي مضى من عمري 19عاما، أبحث عن وطن في ظل شراهة هذا المحتل لابتلاع الأرض والحق فيها، إما عن طريق القتل أو التشريد أو التهويد، آمنت بقضية شعبي العادلة وعشقي الفريد لتراب وطني أسعى بكل ما أملك من إبداع أن أقدم شيئا لفلسطين من خلال قلمي أو أي شيء إعلامي أو أدبي.
نشأت في منطقة تقع بالبلدة القديمة في نابلس، والمعروف عنها أن لها طابعها القديم الذي يسبغ في قلوبنا معنى الحضارة، حيث يقع منزلنا في قلبها، تلك البلدة التي يشهد لها الكثير بأنها منبت للمقاومين والفدائيين مما دفعها لأن تكون هدفا لغارات الاحتلال.
على وقع الانتفاضة وما تخللها من تاريخ حافل بكواكب الشهداء التي حملت معها كل الأجناس من شاب يافع إلى رجل عجوز مرورا بامرأة ثكلى وأخيرا وليس بآخر إلى طفل صغير لم تشفع له براءته من القتل بآلة الاحتلال، نفسه التاريخ الذي ضم في صفحاته أيضا ألوانا أخرى من العذاب الفلسطيني، حيث آلاف الأُسر الفلسطينية التي حرمت من أبنائها الذين يقبعون في زنازين الاحتلال، وآخرون يتجرعون الألم بآلام أبنائهم الجرحى.
أمام كل هذا كان لا بد لي من طرح مبكر لتساؤلات عديدة، أهمها لم يقتلنا اليهود؟؟ ولماذا يأسر اليهود الشباب؟ ولمَ يقتلون الأطفال الأبرياء؟ والتساؤل الأخير الذي طرح في ذهني بعد أن قتلت رصاصات أحد الجنود صديقتي في قصة سأحدثكم عنها لاحقا.
ومن وسط هذه البيئة المحيطة التي يحيطها الألم والمعاناة بدأت رحلتي، والتي ساندتها عوامل عدة منها القراءة المبكرة حيث أنني من أسرة قارئة ساهمت في خلق طابع حياة والتي كونت لي قاموسي الخاص، وبدأت أقرأ للشاعر محمود درويش فكانت قصيدته والتي بعنوان: “على أبواب يافا الحبيبة”، هي أولى القصائد التي حفظتها وبدأت في إلقائها أمام أهلي بصورة لفتت انتباه والدي لموهبتي، ثم اكتمل الدور بأمي التي كانت تحفظني الأشعار وتنمي طريقة إلقائي.
وتوج هذا الاهتمام من الأهل بأن أصبحت ألقي الأشعار وأنا في عمر التاسعة، فقد كنت ألقي القصائد الشعرية في مهرجانات التضامن ورثاء الشهداء والعديد من المناسبات، وإلى أن أتيحت لي فرصة أن أقوم بإعداد وتقديم برنامج تلفزيوني خاص بي حين بلغت من العمر تسعة أعوام مخصص للأطفال في احدى القنوات المحلية في الضفة المحتلة، قدمته لأربع سنوات ولاقى قبول وصدى كبير بفضل الله، وكان هذا أولى خطواتي تجاه العمل الإعلامي.
وللذكرى أقول أن تجربتي في هذا البرنامج أثرت في حياتي وأعطتني بُعد للأمام ودفعة كبيرة في حياتي، وأستذكر هنا مقولة والدي لي: “”تعلمي أن تخاطبي من أمامك بلغة كبيرة حتى يسمعك الكبير والصغير”.
تمضي الأيام، وتمضي معها عجلة التميز على عجل، ففي عام 2007 والتي بلغت حينها من العمر 12 عاما، وبعد أن كونت حصيلة ليست بالقليلة عن معاناة الأطفال وآلامهم، آثرت على القيام بدراسة تحت عنوان “أطفال فلسطين تحت حراب الاحتلال”، أظهرت فيها العدوان البربري على أطفال فلسطين، وكيف أنه لم يكن عبثيا قتل الأطفال، كانت هذه الدراسة والتي بلغت 16 صفحة مختزلة من 58 صفحة، بمثابة أفق جديد لي، ودعامة قوية للاستمرار على خطى سريعة، خصوصا بعد أن لاقت صدى كبير، وكانت سببا في شهرتي بعد خروجي على قنوات عديدة محلية وعربية.
وبعدها بعام تم استدعائي من قبل “المتوكل طه” رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين، حيث منحني عضوية الإتحاد وكانت سابقة لمن هو بعمري، يومها كان شعور كبير جدا بالسعادة والفرح، لكنه انتباني أيضا شعور بالمسؤولية تجاه هذا الانتماء الفريد، وبعدها بقليل تم منح لقبي “أصغر كاتبة فلسطينية” ليزداد شعوري بالمسؤولية التي تكبر يوما بعد يوم.
وفي شهر آب من عام 2008 كنت على موعد مع ثقة كبيرة، كانت من أهم المحطات المفصلية في حياتي، حين حصلت على لقب “أصغر كاتبة عربية”، حيث مثَّل لي نقطة انطلاق قوية نحو العالم ككل وليس فلسطين فحسب.
ثم توالت الألقاب والمسميات، ففي عام2009 أطلقت الصحافة السورية والعربية علي لقب “درة فلسطين”، و تم تبني قلمي من قبل كتاب سوريين ومغاربة، وفي حصيلة لكل ما كتبت تم تتويجي عام(2010 ) ضمن أفضل عشرة كتَّاب في الوطن العربي، وأخيرا وليس بآخر تم اختياري في عام( 2012 ) منسق فلسطين لمركز تأهيل وحماية حريات الصحفي.
وخلال تلك الفترة وبالتزامن مع حصولي على هذه الألقاب، أصبح لدي حصيلة أيضا من الكتابات والإصدارات الأدبية والإعلامية، ففي التفصيل عن الأولى، كتبت مجموعة كبيرة من القصائد في اللغة العربية الفصحى واللغة العامية الفلسطينية، ولدي مجموعة أيضا من القصص والأقصوصات الهادفة والملتزمة نشرت في مواقع فلسطينية وعربية، كما وبرعت في كتابة القصص القصيرة حيث اعتبروني الكتَّاب العرب من رواده، وترجمت بعض كتاباتي لعدة لغات، وتم إعداد كتاب “ياسمينيات” يتعذر طباعته لحتى اللحظة.
أما عن المخزون الإعلامي فكانت البداية ببرنامج الأطفال، ثم برنامج “مشاهد” وهو برنامج تربوي حواري، أما الآن فأقوم على إعداد وتقديم برنامجين أحدهما عن الشهداء والآخر عن الأسرى، وجميعهم في قنوات محلية بالضفة المحتلة.
ولعل المنتبه منكم أعزائي متشوق لان يعرف قصة صديقتي التي حدثتكم عنها في البداية فالحكاية مع صديقتي المقربة ورفيقة دربي “مريم النحلة” التي اقتنصتها رصاصات الاحتلال في يوم قلبت فيه هذه الحادثة مقاييس كثيرة في حياتي، تعود بدايتها حين كنا في الصف السادس، حيث باغتتها رصاصة من احد الجنود وهي واقفة مقابل منزلها وأمام مرأى ومسمع من والديها.
ولا أخفيكم سرا أنني لم استطع الكتابة عن مريم، فأنا ضعيفة أمام أن اكتب لها، والمعروف عند الكتّاب أن الإنسان عندما يصل لمرحلة كتابة ما في بداخله معناها انه يريد أن يفرغ حتى ينتهي كل شيء.
وبالعودة إلى تجربتي، لعل أحدكم يتساءل: بعد هذه التجربة المليئة بالإنجازات التي ربما تفويق سني، هل أنتي راضية عما وصلتي إليه؟ ما هو طموحك في المستقبل؟
أشكر كل من خطر بباله هذا التساؤل وأجيبه، ما وصلت إليه هو بفضل من الله ومنة، ثم بمجهود أسرتي التي ساعدتني كثير من أجل أن تنمية مواهبي وإبداعاتي، وأنا فخورة بما وصلت إليه لكن الإنسان دائما طماع فلا أحد يكتفي من النجاح، وأنا مدركة أن عندي الكثير لأقدمه، وهناك أشياء لم أعملها سأسعى جاهدة بتوفيق من الله على أن أحققها.
أما عن طموحي فأطمح لأن أكون كاتبة إعلامية عالمية، حاملة لاسم بلدي وعروبتي، وسأسخر مقدرتي الإعلامية لأكون حاملة ريشة بهذا السباق الدموي والثقافي مع الاحتلال واسأل الله أن أكون عند حسن ظن شعبي وقضيتي.
وأقول في رسالتي لأخواني وأخواتي من الشباب، هناك من يمتلك ما تمتلك ياسمين وربما أكثر، لكنه لم تعط لهم الفرصة أو ربما تكون أعطيت لهم إلا أنهم توقفوا، وأنا أقول لا تيأس فكل من يمتلك هدف سامي وأمل بان يتحقق سيصل به نحو الواقعية، ومن عنده إبداع يحاول ولا ينتظر شيء من احد، فلا احد سيقول لك تعال أنجح أنا وأنت!، وشعبنا يحتاج إلى طاقاتكم وإبداعاتكم.
وأختم رسالتي بالقول، مبكراً عرفت دربي، وما أريده من الكتابة، رغم تشابك الدروب في مدينتي نابلس واختلاط الجهات في وطني الحبيب، لكن بوصلتي كانت تشير إلى فلسطين، فلسطين فقط لا غير، ولم يكن هذا الخيار خياري فقط بل أيضاً خيار والدي الذي زرع بداخلي حب النضال والتضحية من أجل الوطن، فسخرت كل قدراتي لهذه الغاية ولا زلت بتوفيق من الله عز وجل ثم بجهود من ساعدوني من أهلي ومن الكتاب والأدباء، وأخيرا بدعواتك المحبين أمثالكم لي بأن أواصل طريقي نحو العالمية، وأكون ريشة فلسطين التي تكتب على جدار الزمن الغابر، سوف نبقى هنا كي يزول الألم.