جنبوا أطفالكم آثار الحرب

بقلم: أ. سمية صايمة محاضرة في الجامعة الاسلامية
وضعت الحرب على غزة أوزارها، بعدما خّلفت أكثر من مائة وسبعين شهيداً وأكثر من ألف ومئتين جريح، بالإضافة إلى تدمير العديد من المنشآت الرسمية وغير الرسمية.
ولم يقف المشهد عند هذا الحد، ولم تقتصر تداعيات العدوان على غزة على الدمار البشري والمادي، لأن ذكريات المواقف الأليمة لا تزال ماثلة في ذاكرة الصغار والكبار، كما أن شبح العدوان يطارد أطفالنا في يقظتهم ونومهم، ولعل الكثير من الأمهات في غزة بذلت جهداً كبيراً كي تقنع أطفالها أن الأصوات العالية بعد انتهاء الحرب بأيام هي صوت الرعد وليست انفجارات الصواريخ.
إن الخوف غريزة فطرية، وبالتالي فإن الشعور بالخوف شيء طبيعي يتناسب مع الخصائص الإنسانية، وعندما نتحدث عن أطفال غزة في أيام العدوان الثمانية، فإن الوصف يفوق أكثر مشاهد أفلام العنف إثارة، انفجارات متتالية لا تتوقف على مدار الساعة، تدمير في كل حي، مشاهد قتل وإصابة الكثير من الصغار والكبار تبثها وسائل الإعلام، والمحصلة بعد حرب الأيام الثمانية، ضغوط نفسية هائلة تعرض لها أطفالنا الصغار، ورغم أن أوضاعاً مشابهة قد تحدث في مناطق أخرى من العالم نتيجة التعرض لكوارث طبيعية مثل الزلازل والفيضانات، فإن الأطباء النفسيين يلاحظون أن نوع الأزمات التي هي من صنع الإنسان مثل الحروب تفوق في تأثيرها المدمر تلك التي تنشأ من ظروف طبيعية لا دخل للإنسان فيها.
[divide style=”2″]
إن هذه الضغوط محصلة طبيعية لصدمات الحرب، وتظهر عند جميع أطفال غزة بدرجات متفاوته على شكل حزن وألم نفسي وميل إلى العزلة والانطواء، أو فزع وخوف عند أدني صوت، وقد تكون الاضطرابات على شكل رد فعل، أو فزع وخوف عند أدنى صوت، وقد تكون الاضطرابات على شكل رد فعل عصبي لكل شيء يُذّكر الطفل بمشاهد الصدمة الأليمة، بالإضافة إلى تشتت الانتباه والتركيز.
وهنا يبرز الدور الهام للأسرة.
[divide style=”2″]
وقد أشار علماء النفس بالتحديد إلى أهمية دور الأم في تخفيف حدة الصدمة وتداعيات الضغط النفسي، ويمكن أن نوجز دورها في الخطوات العملية التالية:
-تعزيز الوازع الديني لدى الأطفال بما يتناسب مع مستويات التفكير لديهم، وذلك من خلال تفسير بعض الآيات وشرح بعض المواقف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصص الأنبياء والصحابة الكرام، وذلك بهدف تعميق الايمان بالله والرضى بالقدر واحتساب الصبر والمعاناة في سبيل الله.
اظهار الثبات والإتزان والشجاعة أمام الأطفال وعدم اظهار الخوف والاضطراب أو الجزع الشديد عند استعادة بعض مشاهد الحرب المأساوية.
توفير الهدوء النفسي داخل البيت، وتجنب المشاحنات العائلية قدر الإمكان، والعودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية ومحاولة إتاحة الفرصة للأطفال بالمشاركة في مسئولياتهم المنزلية.
منح الفرصة الكاملة للأطفال كي يتحدثوا ويعبروا عما عاشوه أثناء الحرب من مواقف وانطباعات، وعلى الأم أن تسمع جيداً لطفلها في حديثه عن الحرب أو عن أي موضوع آخر.
الاقتراب من الأبناء نفسياً ومادياً، من خلال قضاء أطول فترة زمنية بصحبته، وذلك من خلال الجلسات العائلية، أو مرافقتهم في زيارات اجتماعية، أو مساعدتهم في دروسهم وحل واجباتهم، مع مواصلة ملاطفتهم وإشعارهم بالاهتمام الواضح.
توفير وسائل ومواد الترفيه للأطفال: مثل مواد الرسم، والألعاب الشيقة، والقصص المسلية لمنحهم فرصة للتفريغ النفسي من خلال الرسم واللعب، بالإضافة إلى تمكينهم من قضاء بعض الوقت بسعادة ومرح.
أما بالنسبة للحالات المرضية التي يُظهر فيها الطفل أعراض غير طبيعية مثل الصراخ الشديد في اليقظة وأثناء النوم، أو حالات مرضية عضوية مثل التبول اللاإرادي، فإننا ننصح بعرض الطفل مباشرة على أخصائي نفسي مع منحه الكثير من العطف والاهتمام.