كتاب الثريا

الهمسة الأولى من همسات إيمانية لشباب الأمة الإسلامية

 (غزة العزة نموذجاً)

بقلم: د. صادق قنديل أستاذ الشريعة الإسلامية بالجامعة الإسلامية

غزةالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- وعلى صحابته ومن سار على دربه إلى يوم الدين، أما بعد:

للحرب على غزة أبعادها الإيمانية العظيمة، تجلت هذه الأبعاد في ترسيخ المعاني الإيمانية من اليقين، والثقة، والتوكل، والاعتماد، والرضا، والتفويض، ممزوجة هذه المعاني بالحب لله – سبحانه وتعالى-، وما استشعر بهذه المعاني إلا من علم أن من سنن الله في خلقه ” الصراع بين الحق والباطل” وأن الحق بإذن الله منصور، وأن الباطل بإذن الله مقهور مدحور، وما كان هذا إلا بفضل من الله – تبارك وتعالى- ولأهمية هذا الموضوع أقدمه على شكل همسات إيمانية لشباب الأمة الإسلامية وأنتم تتجهزون لحرب التحرير لكل تراب فلسطين بإذن الله تعالى.

أولاً: التقرب إلى الله وتدبر آيات القرآن

المحن والشدائد ظاهرة ملازمة للحرب، وهي تدفع بالمؤمنين من أن يحسنوا صلتهم وعلاقتهم بالله، فله سبحانه ومن أجله يقف الدعاة المواقف التي تُعرِّضهم للمحن، والله وحده المعين والرابط على القلوبِ والمثبت لها، وهذا ما كنا نلحظه في أيام الحرب على غزة، وظني أن هذا بفضل الله لأنه إن أحب عباده جعلهم يأنسون بالقرب منه في وقت الخوف، فيزيد ارتباطهم بالله وإقبالهم على كتاب الله؛ لأن من أراد أن يتحدث مع الله فليقرأ كتابه، وهو بهذا يشعر بالأمان، لأنه حبل الله المتين، ونوره المبين، من تمسك به عصمه الله ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراطٍ مستقيم.

بل استشعر كل مجاهد ومرابط على أرض غزة المباركة أبان الحرب الطاحنة حلاوة ما درسوه في حلقاتهم قيمة التثبيت، وهم يتلون آيات القرآن أناء الليل وأطراف النهار قال تعالى:﴿وقَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ورَتَّلْنَاهُ ترتيلاً ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيرا﴾.

وما الحرب إلا من الدروس العملية التي تجلت فيها هذه القيمة القرآنية العظيمة المباركة، فالقرآن مصدرٌ للتثبيت والعون في المحنة لأنه يزرع الإيمان ويُزكي النفس بالصلة بالله، كما أنَّ تـلـك الآيات تنزل بردًا وسلامًا على قلب المؤمن الذي تعصف به رياح الفتنة، فيطمئن قلبه بذكر الله؛ ولأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يقوِّم الأوضاعَ من حوله، وكذا الموازين التي تُهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه ولا تتناقض أقواله باختلافِ الأحداث والأشخاص، كما أنه يرد على الشبهات التي يُثيرها أعداء الإسلام من الكفارِ والمنافقين في وقت الحرب للنيل من عزائم الناس وإحباطهم والتأثير عليهم، وما وعى أهل النفاق أن للقرآن على أهله من المجاهدين والمرابطين الأثر القوى في نفوسهم وإليك باقة جملية من المواقف القرآنية التي تركت الأثر في نفوس الأتباع ابتداء برسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذي يمثل القدوة والأسوة الحسنة، وانتهاء بأصحاب النبي – رضوان الله عليهم- وإن كان هذه حدث في غير زماننا لكن في الحرب على غزة تجلت هذه المعاني بصمود وثبات من

درس واستخلص العبر والعظات منها، ويمكن أن نجملها في نقطتين مع التعليق عليها:

1- أثر قول الله- عز وجل-: ﴿مَا ودَّعَكَ رَبُّكَ ومَا قَلَى﴾ على نفس رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وما هو أثر قول الله- عز وجل-: ﴿لِّسَانُ الَذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ لما ادَّعى كفار قريش أن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- إنما يعلمه بشر وأنه يأخذ القرآن عن نجارٍ رومي بمكةَ؟!

2- أثر قول الله- عز وجل-: ﴿أَلا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ في نفوس المؤمنين لما قال المنافق ﴿ائْذَن لِّي ولا تَفْتِنِّي﴾

وما هذه المواقف وغيرها إلا تثبيتًا على تثبيت، وربطًا على القلوب المؤمنة، وردًّا على الشبهات وإسكاتًا لأهل الباطل, وهذا ما لمسه الإخوة في أيام الحرب على غزة، ومن هنا يمكن لكل عاقل أن يُدرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوةً وحفظًا وتفسيرًا وتدبرًا؛ منه ينطلقون، وإليه يفيئون، وبين مَن جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل، لذلك خابت ظنونهم يوم أن أعلنت الحرب على غزة العزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى