فلسطين تجمعنا

مشاهد عز يصيغها شباب فلسطين

بقلم: أنوار هنية

فلسطين“ربنا يحفظك ويسلمك ويرجعك إلنا سالم يارب”، كلمات خرجت من فيه أمٍّ فلسطينية تحكي تجاعيد وجهها حكاية شعب بأكمله.

تُودع ولدها الذي قبَّل يدها قبل خروجِه إلى الرباط، مذكراً إياها بكتبه الجامعية التي أوصاها بإرسالها إلى ابن جيرانه الذي ينوي دراسة نفس تخصصه”هندسة”، في حال قدر الله له الاستشهاد.

يخرج من بيته باسماً ثغره، ليصل إلى باقي المجموعة ويرابط على أحد ثغور الوطن، يؤدي مهمته، ويعود ساعات الفجر الأولى بعد مقاومة شرسة مع العدو، حيث كانت عملية اجتياح، استطاع المقاومون صدها ومنع قواتهم من التقدم، فيعود لبيته، وينام بضع ساعات، حتى يأتي موعد محاضراته، التي يخرج مسرعاً لها، ويذكر والدته بموعد زيارتهم لبيت أخته عصراً.

بينما قبَّل المجاهد الآخر رأس طفليه الذين اطمأنا على وجود والدهم في البيت و لم يعلما انه في وقت نومهم و راحتهم سيخلع عباءة الراحة لينتفض و يقف على ثغر من ثغور الوطن لحمايتهم و حماية الشعب كله من غدر المحتل الذي سلب الأرض والوطن بغير حق، ودع الرجل زوجته و أوصاها كما كل مرة:

احفظي “عيني في غيابي، أبنائي الاثنين”، و حدثيهم عن درب التحرير و النصر الذي ندفع ضريبته من دمائنا و أرواحنا، و راحتنا وأموالنا، حدثيهم أن النصر لا يأتي بالراحة و الخنوع و الذل و الانكسار، قولي لهم أن والدكم يريد أن يراكم رجال تحمون حمى الوطن، تتعلمون بيد و تقاومون بالأخرى”، ربتت زوجته على كتفه وعيونها تغرق بدموع العزة و الخوف على حبيبها الذي سيرحل عنها و لا تعرف هل سيعود لها أم سيفارق الدنيا بعز المقاوم،و بعينيها تحدثت له “سأنتظرك دائما وسيكمل أبناؤنا المشوار”.

ليس ذلك مشهد تلفزيوني، إنما هو مشهد يومي للشباب الفلسطيني، صاغته خصوصية القضية الفلسطينية، التي فرضت واقع الجهاد والمقاومة مع استمرار الحياة بشكلها الاعتيادي، نموذج لنسق خلقته الحالة الفلسطينية استطاع الشباب الفلسطيني تطويعه، والتعامل معه بطريقة أدهشت العالم أجمع، فقد عَلِمُوا أن حربنا مع العدو امتداد لثقافة القتال والمقاومة التي أقرها الإسلام، حيث تعلموا من سيرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلَّم أنها ليست حرب لمجرد حرب، والقتال إنما لإقامة دولة إسلامية تعمل على سمو الروح وتكافل المجتمع، وتحفظ كرامة المسلمين، و ترتقي بالمسلم عن طريق الخير و تمنع انحداره عن طريق الشر، فأية غاية إنسانية أنبل من هذه الغاية التي شُرِعَ من أجلها القتال في الإسلام.

و أي غاية أنبل من الدفاع عن ثرى الوطن من عدو غاصب استباح خيراتها، لينعم بها و شرد أهلها في بقاع شتى من الأرض، وحرمهم رؤية ذويهم وأحبائهم،  عدو قتل الأطفال و حرق قلوب الأمهات على أطفالهم و أبنائهن و أزواجهن وكذلك آبائهن، عدو لم يعرف قوانين بشرية أو انسانية أو أخلاقية أو دينية وضرب بها عرض الحائط يقتل و يدمر و يسفك الدماء فلم يرحم بشر و لا حجر و لا شجر.

فأية غاية أنبل من مقاومة هذا العدو، لدحره عن أرض فلسطين كاملة و تحرير كل البلاد من دنسهم و تحرير الأقصى و فك قيد الأسرى، وعودة المهجرين إلى ديارهم، أي غاية أنبل من تلك الغايات التي لا تتحقق إلا بلغة المقاومة الصمود وليس بلغة الخذلان و التنازلات التفاوضية، لا تتحقق إلا بالتضحيات الجسام و بذل الروح و المال .وكان شباب فلسطين ورجالاتها خير أمين لحفظ هذه الأمانة و سطروا أروع صور البطولة و الفداء و لا يزالوا يقاومون في وقت المقاومة و يستريحون استراحة المجاهد التي لا راحة فيها فيعدون لمراحل جديدة تحمل بشريات النصر الآت .

لقد أثبت شباب فلسطين ورجالاتها أنهم خير نماذج لمن يحمل هم قضيته فيقدم روحه و دمه، و يضحي بأغلى ما يملك، بكم تأتي بشائر النصر و بعزيمتكم تنهض الأمة و تستعيد أمجادها، بأفعالكم وسواعدكم و ليست بكلماتكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى