الإبداع مع د. طارق سويدان

الثريا: خاص
من درر الكلم التي يصيغها المختصون نستقي جزءا منها فنأتي من كل بستان زهرة تنعش حياتنا العملية و نستمد منها علما جديدا نهتدي به في حياتنا فنأخذ خلاصة التجارب لتكون منارة للمهتمين، وننهل اليوم من بستان معرفة الدكتور طارق سويدان و الذي يتحدث فيه عن الإبداع فيقول:
الإبداعُ من الموضوعاتِ الحبيبةِ إلى قلبي، ومنذُ فترةٍ طويلةٍ وأنا مُهتمٌّ به وبالدراساتِ التي تُجرى حولَه، ولا أريدُ أنْ أتحدّثَ عن الإبداعِ بلُغةٍ أكاديميةٍ، لأنه موضوعٌ طويلٌ، تناولتْهُ في ثلاثةٍ من كُتبي، واثنينِ من ألبوماتي، ولكني أحُبُّ هنا أنْ أُثيرَ الاهتمامَ لدَى الأمّةِ والشبابِ بهذا الموضوعِ.
حتى يقولَ الأستاذُ والداعيةُ المشهورُ الراشدُ (دعوةُ الإسلامِ يطوِّرُها أذكياءُ الدعاةِ، أصحابُ الإبداعِ والاستنباطِ والاستنتاجِ والنقدِ والتحليلِ، وليس أهلُ التقليدِ والنمطيةِ والاستسلامِ للموروثِ، والقناعةِ باليسير ) .
وقد رأينا إبداعَ الشبابِ في الثورةِ التي قامتْ بتونُسَ، ومن بعدِها مصر ،وشاهدْنا نماذجَ مبدِعةً في الطرحِ والطريقةِ والأسلوبِ والتفكيرِ.
ما هو الإبداعُ ( CREATIVITY ) ؟
علَّمتني الحياةُ أنّ الإبداعَ عندي ببساطةٍ هو «عمليةُ الإتيانِ بجديدٍ» وهذا هو التعريفُ الذي اخترعتُه للإبداعِ، وحول هذه الكلماتِ الثلاثِ؛ تدور ُكلُّ التعريفاتِ التي قرأتُها.
ولا يوصَفُ العملُ بالإبداعِ، إذا كان تَكراراً لشيءٍ آخَرَ، بل لا بدّ أنْ يكونَ جديداً، ولا يُشترطُ أنْ يكونَ جديداً بنسبةِ (100%)، بل يكفي أنْ يُجري تعديلاً على شيءٍ موجودٍ.
لذا وضعَ المختصّونَ نسبةً للتفريقِ بين الإبداعِ والتقليدِ، واعتمدوها لِمَنحِ براءاتِ الاختراعِ العالميةِ، فقالوا: إذا كانت نسبةُ الفرقِ (15%) فأكثرَ بينَ الشيءِ الجديدِ، وبين الموجودِ في الواقعِ، أطلِقَ وصفُ الإبداعِ على العملِ الجديدِ، ويمكنُ تسجيلُه كَبراءةِ اختراعٍ جديدةٍ.
نسبةُ المُبدعينَ في البشرِ
نسبةُ الأطفالِ المبدعينَ إبداعاً غيرَ عاديّ، تبلغُ (90%) في عُمر ِ(5 سنوات)، لكنها تنزلُ بشكلٍ مفاجئٍ إلى نسبةِ (10%)، عندما يبلغونَ عُمر (7 سنوات)، والسؤالُ لماذا هذا الهبوطُ في النسبةِ ؟ وما الذي حدثَ ؟
الجوابُ: لقد التحقوا بالمدرسةِ، وهذه حقيقةٌ مرّةٌ، لا بدّ أنْ نصارحَ بها أنفسَنا: إنَّ مناهجَنا وطرُقَ تعليمِنا؛ تقتلُ الإبداعَ عند الأطفالِ، فالطفلُ مثلاً قبلَ دخولِ المدرسةِ كان يفكِّرُ بِحريةٍ، ويتخيّلُ ما يشاءُ، ويسألُ ما يريدُ، لكنْ بعدَ دخولهِ للمدرسةِ، يتغيّرُ الحالُ، فيجبُ عليه أنْ يجلسَ في مكانٍ محدَّدٍ، وأنْ يرفعَ يدَه إذا أراد السؤالَ، وممنوعٌ أنْ يسألَ عن أمرٍ خارجَ المنهاجِ، وما يقولُه المعلمُ هو الصوابُ، وفي النهايةِ السؤالُ ممنوعٌ، والنقاشُ ممنوعٌ، فينشأُ الطفلُ على محدوديةِ التفكيرِ.
الإبداعُ يحتاجُ إلى حريةٍ
علّمتني الحياةُ أنْ «لا إبداعَ بلا حريةٍ»، وأنَّ مِن أكبرِ عوائقِ الإبداعِ في عالمِنا العربي، انعدام ُالحريةِ، أو تَقلُّصُ مساحتِها، لأنّ الإبداعَ أشبهُ ما يكونُ بالنسر ِالذي لا تنطلقُ قواهُ إلا في سماءِ الحرية.
ولستُ أعني الحريةَ السياسةَ فقط، بل الحريةَ في كلِّ مكانٍ يتواجدُ فيه الإنسانُ، بِدءاً بالبيتِ، ومروراً بالمدرسةِ والجامعةِ، وانتهاءً بالشركةِ والمؤسسةِ والمنظمةِ، فالمديرُ أو المعلمُ أو الدكتورُ الذي لا يسمحُ لمن حولَه بالتفكيرِ الإبداعيّ، يُعَدُّ من قاتلي الإبداعِ، ومن معوّقاتِه الرئيسةِ.
الإبداعُ والقيادةُ
علّمتني الحياةُ أَنْ ليس كلُّ مبدِعٍ قيادياً، وكذلك ليس كلُّ قائدٍ مُبدِعاً، فالقيادةُ شيءٌ، والإبداعُ شيءٌ آخَرُ، هناك مبدعونَ قادةٌ، وهناك مبدعونَ ليسوا بقادةٍ.
“القائدُ هو الذي يحرّكُ الناسَ نحوَ الهدفِ المنشودِ”، أمّا “المبدعُ فهو الذي يأتي بجديدٍ»، وليس بالضرورةِ أنْ يكونَ المبدعُ قادراً على قيادةِ الآخَرينَ، كما أنه ليس بالضرورةِ أنْ يأتيَ القائدُ بالجديدِ والفريدِ، بل إنّ الإبداعَ والقيادةَ يكمّلانِ بعضَهما البعض، وهما ضروريانِ لنجاحِ أيِّ عملٍ، لكنْ في النهايةِ القائدُ يديرُ المبدعينَ، وليس العكسُ، فإذا ما أردْنا النهوضَ بأمَّتِنا فلا بدّ أنْ نرعَى أهلَ الموهبةِ والإبداعِ، ونصنعَ القادةَ الذين يُحسنونَ التعاملَ مع المبدعينَ، ثُم نعلّمَ القادةَ صفاتِ المبدعينَ؛ ليكتشِفوهم ويعرِفوا كيفيةَ التعاملِ معهم.