كيف نتعاملُ مع فِلذاتِ أكبادِنا ؟

في ظِلالِ الأُسرةِ السعيدة
الجزء الأول
إعداد: البروفيسور محمد حافظ الشريدة جامعة النجاح الوطنية – نابلس- فلسطين
للهِ دَرُّ القائل :
وإنما أولادُنا بيننا .. أكبادُنا تمشي على الأرض
لو هبَّتْ الريحُ على بعضِهم…لامتنعتْ عيني عن الغَمضِ
من المعلومِ أنَّ مرحلةَ الطفولةِ المبكرة ( السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل)، لها أهميتُها في التنشئةِ السليمة, ولها تأثيرُها العميقُ في مراحل العمرِ المتقدمة فيما بعد، وطالما كانت البذورُ الأولى قويةً وعميقة, وطالما رعيناها حقَّ رعايتها، فإنها ستكون – بإذن الله- الجذورَ القويةَ المتينة, التي تتعهدُ الفردَ بالشخصيةِ السويّة في المستقبل.
لو هبّتْ الريحُ على بعضِهم لامتنعتْ عيني عن الغَمضِ
خصائصُ التربية الإسلاميةِ النموذجية:
تقوم التربيةُ الإسلامية المثاليةُ على الإيمان باللهِ تعالى: فينبغي أنْ ينشأَ الطفلُ في مجتمع غايتُه وهدفُه عبادةُ الله وطلبُ مرضاتِه.
وتقومُ التربيةُ الإسلامية كذلك: على التكاملِ والشمول، فيجبُ أنْ نسعى لتنشئةِ الطفلِ من جميع الجوانبِ التربوية: الروحيةِ والعقلية والجسميةِ والنفسية والإنسانيةِ والاجتماعية.
وهي تربيةٌ عمليةٌ تطبيقية، تقومُ على الممارسةِ الفعلية؛ حيثُ أنها تهدفُ إلى تحويلِ الإيمان والفكرِ والخُلقِ إلى واقعٍ عمليّ حيّ يمارسُه الناسُ جميعاً, وينتفعونَ به في صلاحِ أنفسهِم ومجتمعهم.
وهي تقومُ كذلك: على العلم الصحيحِ النافع, فتربطُ بين العلمِ والإيمان والعملِ والمعرفةِ والسلوك، وتربّي المسلمَ على الرؤيةِ العلمية العمليةِ، والنظرة النافذةِ، والتحليلِ الصائب. إنها تربيةٌ مستمرة تصاحبُ الفردَ طيلةَ رحلةِ حياته في هذه الدنيا ، فتُرسي أخلاقياتِ العمرانِ والتنميةِ في الوعيِّ بقيمةِ الوقت، والدّقةِ في المحافظةِ عليه، وتعميقِ الإحساسِ بالمسئوليةِ الاجتماعية. وتوجِّهُه كذلك إلى البذلِ والعطاءِ ومحاسبةِ النفس، إنها تتّسمُ بالتوازنِ والوسطيةِ والاعتدالِ، فهي توازِنُ بين متطلباتِ الجسمِ والعقل والروحِ دونَ أنْ يطغَى جانبٌ على جانب.
إنَّ التربيةَ الإسلامية المنشودةَ؛ تهدفُ إلى إعدادِ الإنسانِ الصالح الذي يعبدُ الهَ تعالى كأنه يراهُ، ويرتفعُ بالتوحيدِ من العبوديةِ لغيرِ اللهِ، إلى عبادةِ اللهِ وحدَه. وتهدفُ كذلك إلى إعداد الإنسانِ التقيِّ الذي يترجمُ إيمانَه إلى أعمالٍ صالحة.
إنَّ الإنسانَ المؤمن الحقَّ يستشعرُ أهميةَ العملِ الصالح ، ويجدُ حلاوةَ الطاعةِ في قلبه، ويتربَّى على الثباتِ على المبدأ والتمسكِ به،والتواصي بالحقِّ والصبرِ عليه. قال تعالى: “ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكُلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون. ومَثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتُثت من فوق الأرض ما لها من قرار”(سورة إبراهيم:24-26).إنَّ هذا التمثيلَ البديع الرائع _ضربه اللهُ سبحانه وتعالى للكلمةِ الطيبة بالشجرةِ الطيبة، والكلمة الخبيثةِ بالشجرة الخبيثةِ التي سرعانَ ما تتكسَّر وتنتهي_ لهو دليلٌ على أهمية تكوينِ نشءٍ صالحٍ ورعايتهِ منذ اللحظة الأولى.
لقد اهتمَّ ديننا الحنيفُ ببناء الإنسان بناءً متكاملاً متوازنا: جسمياً وعاطفيًا وعقليًا وخُلقيًا وجمالياً وإنسانياً…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفقته في رقبة، ودينار تصدَّقتَ به على مسكين، ودينار أنفقتَه على أهلك، أعظمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلك”. (رواه مسلم).
فعلى المُربِّين وأولياء الأمور أنْ يتَّبعوا منهجَ النبي عليه الصلاة والسلام في جميع شؤونِ الحياة؛ المادية والمعنويةِ ؛من أكلٍ وشرب ولباسٍ ونوم ولعبٍ ورياضة… قال عليه الصلاة والسلام: “المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرِصْ على ما ينفعُك واستعنْ بالله ولا تعجز…” رواه مسلم. وقال تعالى:” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة …” (سورة الأنفال:60). وقال أيضا: :” وكلوا واشربوا ولا تسرِفوا إنه لا يحبُّ المسرفين” ( سورة الأعراف:31).
وليست العنايةُ بجسم الطفل بعد الولادة فحسْب، وإنما قبل ذلك: باختيار الأمِ الصالحة.
قال الشاعر مخاطباً أبناءه:
وأولُ إحساني إليكم تخيُّري لِماجدةِ الأعراقِ بادٍ عفافُها
وقال الشاعر أيضا:
الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددْتَها أعددتَ شعبًا طيبَ الأعراقِ
وقال الشاعر كذلك:
وهل يُرجَى لأطفالٍ كمالاً إذا رضعوا ثديَّ الناقصاتِ