غير مصنف

“بيتُ الأمانِ” يخفي أسرار وحكايات النساء المعنفات

غزة- عبدالرحمن الشيخ

عنف المرأةرغمَ تطوُّرِ العقلِ الإنساني بما يتماشَى مع المَدنيةِ والتحضُّر، إلاّ أننا ما زلنا نشهدُ انتشاراً لمنهجِ العنفِ بين بني البشرِ؛ خصوصاً ضدَّ المرأة،هذا الكائنُ الذي خلقَه اللهُ سبحانه وتعالى من ضِلعِ آدمَ عليه السلام، ثُم جعلَها مأوىً وسكَناً له؛ لتكونَ من بعد هذا أُمّاً تحملُ أرقَّ معاني الدفءِ والحنان، ولكنْ! أيّ مِساسٍ بإنسانيتِها ينذِرُ بكوارثَ نفسيةٍ واجتماعيةٍ، يكونُ مفعولُها فَتّاكاً بالمجتمعِ؛ أقوَى ألفَ مرَّةٍ من أيِّ سلاحِ رَدْعٍ فتّاكٍ.

وسطَ مدينةِ غزة ؛حيثُ ضجيجُ المارّةِ من الطالبات والطلاب المُتجِهينَ إلى جامعاتِهم، ترقدُ ثماني مُضطَّهَداتٍ خلفَ أسوارِ بيتٍ يقابلُ الجامعةَ الإسلاميةَ،هدوؤهُ يتناقضُ مع الخارج، لكنّ مشكلاتِه تكشفُ خَبايا مجتمعٍ لا يزالُ يُعنِّفُ النساءَ، تلك الحالاتُ لجأنَ إلى “بيتِ الأمانِ” لرعايةِ النساءِ؛ إحدى المؤسساتِ الرياديةِ التابعةِ لوزارةِ الشئونِ الاجتماعيةِ، ليَجدْنَ الحلَّ الشافي لمشكلاتِهِنَّ،فلِكُلِّ واحدةٍ منهنَّ حكايةٌ؛ تختلفُ تفاصيلُها عن الأخرى، بَيْدَ أنّ الجُناةَ متشابهونَ.

اتّقوا اللهَ في النساءِ

يقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:”اتّقوا اللهَ في النساءِ، فإنهنَّ عَوانٌ عندَكم”، ويقولُ أيضاً في الحديث الشريف، واصفاً حالَ مَن يُكرِمُ المرأةَ، وذاك الذي يُهينُها:”واللهِ ما أكرمَهُنَّ إلا كريمٌ، وما أهانَهُنَّ إلا لئيمٌ” صدقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،بهذه الكلماتِ البرَّاقةِ، والهَدْيِ المبارَكِ؛ بدأتْ مديرةُ “بيت الأمان” هنادي سكيك حديثَها معَنا.

أثناء الحديثِ داخلَ صالةِ الاستقبال، ذهبتْ الشابة”ت” 21 عاماً تُهدِّئُ رَوعَ طفلتِها الرضيعةِ لعلّها تنامُ، فتارةُ تغنّي لها، وأُخرى تبكي حظَّها الذي دفعَها إلى الزواجِ من شابٍّ جاهلٍ؛ استغلَّ تفكُّكَ عائلتِها؛ ليذيقَها أشدَّ أنواعِ العذابِ، والضربِ المُبرِّحِ، والألفاظِ النابيةِ دونَ أنْ تقترفَ ذنباً.

ومع كلِّ مرّةٍ تلجأُ فيها الضحيةُ إلى ذوِيها تشكو حالَها، يُرجِعونها إلى زوجِها بعدَ توبيخِها أمامه،الأمرُ الذي دفعَه إلى التمادي؛ فاضطُّرتْ إلى اللجوءِ لبيتِ الأمان، فجاءتْ البيتَ مُنهارةً، ترتعشُ من الخوفِ، لِما مرّتْ به من عُنفٍ زائدٍ؛ دفعَ الاختصاصيةَ النفسيةَ إلى تكثيفِ علاجِها من أجلِ إخراجِها من عزلتِها، والتأقلُمِ مع الوضعِ الجديدِ حتى تُحَلَّ مشكلتُها.

بعدَ سماعِ حكايتِها؛ تَبيَّنَ أنه نتيجةٌ للعنفِ الذي تعرّضتْ له؛ كانت تستفِزُّ زوجَها عندما يُهينُها، فهي _كما تقولُ سكيك_ لم تجدْ مخرَجاً للدفاعِ عن نفسِها سِوى أفعالٍ تُشيطُ غضبَه، لِتدُلَّ الحكايةُ على أنّ جهلَ الزوجينِ يؤدّي إلى طريقٍ مسدودٍ.

المشكلاتُ الأُسريةُ وحلُّها

وللحديثِ عن دَورِ “بيت الأمان” أوضحتْ مديرُه “هنادي سكيك” خلالَ جولَةٍ لها في البيتِ للاطمئنانِ على النزيلات:”الفئةُ التي يستهدفُها البيتُ هي السيداتُ والفتياتُ اللواتي يواجِهنَ مشكلاتٍ أُسريَةً”، وتضيف:”تأتينا حالاتٌ كثيرةٌ من طلبةِ الجامعاتِ لأخذِ الاستشاراتِ حولَ كيفيةِ التعاملِ مع ذَويهِنَّ أو أزواجِهنَّ”.

أمّا عن أبرزِ المشكلاتِ التي تعاني منها السيداتُ اللواتي يلتحِقْنَ بالبيتِ، قالت “سكيك” إنها مشكلاتٌ زوجيةٌ، مشيرةً إلى أنّ السيداتِ حين يأتينَ؛ تكونُ آثارُ الضربِ المُبرِّحِ واضحةً على أجسادِهِنَّ.

وعن كيفيةِ معالجتِهِنَّ المشكلاتِ التي تمرُّ عليهِنَّ؛ ذكرتْ أنَّ الحلَّ مرهونٌ بمَدَى عُمقِ المشكلةِ:”يتدخّلُ في بعضِ الأحيانِ المخاتيرُ والوجَهاءُ من المناطقِ، إلى جانبِ مراكزِ حقوقِ الإنسانِ والصحةِ النفسيةِ؛ للتأكُدِ من أنّ الحالةَ لا تعاني من أيِّ أمراض”.

وجديرٌ ذِكرُه أنّ المُدةَ الزمنيةَ التي تمكُثُ فيها المُعنَّفةُ داخلَ البيتِ؛ تتراوحُ من” يومٍ إلى سنةٍ” وِفقاً لوضعِ الحالة،وأضافت:”هناك حالاتٌ لأربعِ فتياتٍ غيرِ متزوّجاتٍ مُعنَّفاتٍ من ذَويهِنَّ، لجأنَ إلى البيتِ وبعدَ مُدّةٍ زُوِّجْنَ”.

ولفتتْ “سكيك” إلى أنّ الفتياتِ غيرَ المتزوجاتِ يشعُرنَ أنهنَّ مظلوماتٍ من أهلِهِنَ حينَ يأتِينَ،”لكنْ في بعضِ الأحيانِ يكونُ لديهِنَّ جهلٌ في التعاملِ، لذا يجري عملُ جلساتٍ لتغييرِ نظرتِهِنَّ إلى الحياة”،موَضِّحةً أنه قبلَ دخولِ الفتاةِ “بيت الأمان” يجري تَحَرِّي روايتَها عبرَ الجهاتِ المختصّة.

إيجادُ الحلولِ المناسِبةِ

وللاختصاصيةِ النفسيةِ “سهاد قنِّيطة” دَورٌ داخلَ “بيت الأمان”، فهي تساعدُ الحالةَ على تخطّي مشكلتِها ،والتعرُّفِ على المعاناةِ التي عاشتها، وتقول:”نستخدمُ أساليبَ علاجيةً متنوعةً مع النساءِ المُعنَّفاتِ؛ من أجلِ تخفيفِ الخوفِ والقلقِ عنهُنَّ”.

وبيَّنتْ “قنّيطة” أنّ كلَّ حالةٍ لها خصوصيتُها ونوعيتُها،”ففي الجلساتِ نَطَمئِنُهُنَّ ونؤكِّدُ لهنَّ السريَّةَ التامةَ في التعاملِ؛ حتى نتمكّنَ من إيجادِ الحلول”،موضِّحةً أنّ بعضَهُنَّ يكتشِفْنَ أنهنَّ سببٌ في المشكلةِ،وأشارتْ إلى التواصلِ مع أهلِ المُعنّفةِ أو زوجِها؛ لتقريبِ وِجهاتِ النظرِ وحلِّها،وذلك بالعلاجِ الأُسَريّ،لافتةً إلى أنّ الزوجَ يحضُرُ إلى البيتِ؛ فنُنصِت إليهِ حتى تُحَلَّ المشكلةُ، وهذا أدّى إلى أنّ نسبةً كبيرةً من الحالاتِ شهِدتْ نجاحاً في حلِّها”.

وزارةُ الشئونِ الاجتماعية

هذا ويُعَدُّ “بيت الأمان” لرعايةِ النساءِ المُعنَّفاتِ واحداً من أبرزِ المؤسَّساتِ التابعة لوزارةِ الشئونِ الاجتماعية؛ التي تقدِّمُ خدماتِها للمجتمعِ الفلسطيني، فللوزارةِ مؤسساتٌ عِدّة؛ تنتشرُ في أنحاءِ قطاعِ غزة، تهدفُ إلى الرُّقيّ بالمجتمع، نذكُرُ منها مراكزَ التدريبِ المهنيّ، ومراكزَ تمكينِ المرأةِ والمجتمع، ومؤسسةَ الربيعِ لرعايةِ الأحداث،ومركزِ تأهيلِ ذَوي الإعاقة،ومركزِ تجليدِ الكتبِ،وغيرها الكثيرُ.

الحكاياتُ السابقةُ عددٌ قليلٌ لِما مرَّ على “بيت الأمان” من قصصٍ، لكنّ حصولَنا على ما وردَ ذِكرُه جاءَ من بابِ النصيحةِ وأخْذِ العِبرةِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى