أسرانا

مهنة الظلم .. !!

بقلم: محمد قاعود

الحرية للأسرىهي مهنةٌ غيرُ موجودةٍ في قوائمِ الوظائفِ الحكومية؛ لكنها تنالُ حضوراً رهيباً، وتحظَى بتأييدٍ واسعٍ من الشرعيةِ الدوليةِ والأممِ المتحدة, تمتهِنُها دولةُ الاحتلالِ، بل تحترِفُها وتتفنَّنُ في إذلالِ وقهرِ وظُلمِ الأسرَى الفلسطينيين من خلالِها بِشتَّى الوسائلِ المحرَّمةِ وغيرِ الإنسانية.

حرمانٌ من الزيارةِ، وعزلٌ انفراديٌّ؛ هذا ما تهدفُ إليه سلطاتُ الاحتلالِ؛ لتدميرِ الأسيرِ وإذلالِه، محاوِلةً كسْرَ إرادتِه وتحطيمَ نفسيتِه، فتترُكُه يعيشُ معزولاً عن العالمِ الخارجيّ، لا يستطيعُ الاتصالَ مع أيِّ إنسانٍ كان؛ سِوى ذلك السجَّانِ صاحبِ الوجهِ القبيح.

أمّا عن التفتيشِ العاري، وهو سياسةٌ ظالمةٌ تُجاوِزُ حدودَ الحياءِ,حيثُ يُجبَرُ الأسيرُ بالقوةِ على خلعِ ملابسِه عند نقلِه من سجنٍ إلى آخَرَ، أو حتى عند ذهابِه وعودتِه من المحكمةِ أو المستشفى، واستنكاراً من الأسرَى على هذا الفعلِ المُشينِ بحقِّهم؛ جعلَهم يتَّجِهونَ لإضراباتٍ مفتوحةٍ عن الطعامِ؛ وصلَ منها لعشرينَ يوماً متتالياً، وحدثتْ خلالَها مواجَهاتٌ بالأيدي؛ كلَّفتْ الأسرى عقوباتٍ وعزلٍ إنفراديٍّ، وحرمانٍ من الزياراتِ والتعليم .

كذلك الإهمالُ الطبيُّ المتعمَّدُ لأكثرَ من ألفِ أسيرٍ مريضٍ، من بينِهم خمسةٌ وعشرونَ مُصابونَ بالسرطانِ، حيثُ يُعالجونهم بالمُسكِّناتِ فقط ,بالإضافةِ إلى استشهادِ أكثرَ من مائتينِ وخمسةٍ من الأسرى منذُ عامِ 1967, إضافةً إلى عشراتِ جُثثِ الشهداءِ التي تحتجِزُها في ما يُسمَّى بـ”مقابرِ الأموات”.

التفتيش العاريكلُّ هذا الذي يواجِهُه الأسرَى في سجونِ الاحتلالِ؛ يُعَدُّ قمّةَ الظلمِ حتى للأمواتِ؛ وِفقاً لِما وَردَ في القانونِ الدوليّ الإنسانيّ في اتفاقيةِ “جينيف” الأولى، والذي نصَّ على أنَّ”احتجازَ جثامينِ الشهداءِ؛ يُعَدُّ جريمةً من جرائمِ الحرب”, بالإضافةِ لِما نصَّ عليه الإعلانُ العالميُّ للأُممِ المتحدةِ حولَ الاختفاءِ القَسرِيِّ، والذي  يخُصُّ تكريمَ الموتَى حسَبَ تقاليدِهم الدينيةِ.

كلُّ تلك العذاباتِ النفسيةِ تأتي بجانبِ الاستفزازِ والملاحَقةِ داخلَ الزنازينِ؛ التي يقبَعونَ فيها طيلةَ النهارِ والليلِ؛ سِوَى بعضِ السوَيعاتِ القليلةِ التي يسمُّونها “الفُورة” والتي هي مُتنفَسُهم الوحيدُ في الأَسر، بعيداً عن كلِّ المنغِّصاتِ التي يتعرَّضونَ لها في أوقاتِ زيارةِ ذَوِيهم، وِفقاً للمعايرِ الظالمةِ التي لا تسمَحُ للأسيرِ بمُلامَسةِ يدِ أُمِّه أو حتى تقبيلِ جبينِها،  مُكتَفينَ بلقائهم بالصورةِ فقط من خلفِ لوحٍ زجاجيٍّ حاجبٍ للصوتِ؛ ليتسلَّلَ الصوتُ من خلالِ السمّاعةِ المخصَّصةِ للحديثِ بين الأسرَى وذَوِيهم.

وتبقَى الكلماتُ بحقِّ أسرانا قليلةً، فمَهما تحدَّثنا عن مظاهرِ ظُلمِ الاحتلالِ للأسيرِ، ووصَفنا تلك العذاباتِ؛ فإننا لن نستطيعَ أنْ نصِفَ سِوى نقطةٍ من بحرٍ في عالَمٍ حَكمَ فيه الرُّوَيبِضةُ، وزأرَ فيه الثعلبُ، وأَمَّ المنافقُ بالناسِ جماعةً.

ومِثلَ العادةِ من المؤلِمِ لنا أنْ نقولَ أنَّ دولةَ الاحتلالِ تعلَّمتْ دروسَ الظلمِ هذه في مدارسِ الذُّلِّ العربيةِ, التي باعتْ وتنازلتْ عن أسرَى المسلمين, وتركتْ ماضيَ عِزَّتِها لتَبنِيَ حاضرَ تَخاذُلِها، ولتستمرَّ في ضربِ أقوَى مِثالِ الظلمِ لأبناءِ جِلدتِها؛ بالصمتِ المُتعمَّدِ عمّا يَبدُرُ من جرائمِ الاحتلالِ ضدَّ الأَسرى الفلسطينيينَ داخلَ السجونِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى