مافيا الدروسِ الخصوصيةِ تفتِكُ بجُيوبِ الآباءِ..

تقرير_ إسراء سعيد أبو زايدة
غيابُ المساءلةِ القانونيةِ للتدريسِ الخصوصي, انعكسَ على واقعِنا الاجتماعيّ, فأصبح كالإدمانِ يتغلغلُ في جسدِ الطالبِ؛ لتتِمَّ عمليةُ سَكبِ المعلوماتِ في دماغِه, فأصبح عبارةً عن شريطِ “كاسيت” سَهلِ المَسحِ, ما أدّى إلى انعكاسِه على العمليةِ التربويةِ داخلَ أسوارِ المدرسةِ.
“الثريا” تسلِّطُ الضَّوءَ على هذه الظاهرةِ، وتطرَحُ مجموعةً من التساؤلاتِ حولَ حقيقةِ الدرسِ الخصوصي, وأسبابِه وآثارِه.
ظاهرةُ الدرسِ الخصوصي لم تعُدْ تقتصرُ على مرحلةٍ معيّنةٍ, بل تعدّتْ لتعُمَّ المراحلَ كافةً, وكأنّها أمرٌ مفروغٌ منه؛ بل واجبٌ، إذ يُجبَرُ الأهلُ على تلبيةِ متطلباتِ أبنائهم.
“رامز نصار” طالبٌ في الثانويةِ العامة، غَيرَتُه من أصدقائه؛ جعلتْهُ يتوجَّهُ للدروسِ الخصوصيةِ في مبحثِ الرياضيات, نظَراً لتدَنِّي مستواهُ الدراسيّ فيه, وكذلك تشجيعُ أصدقائه له، فهو يَعُدُّ أنّ الدروسَ الخصوصيةَ تزيدُ من نسبةِ استيعابِه للمادة.
قائلاً:” الحِصةُ الدراسيةُ المدرسيةُ لا تتجاوزُ الساعةَ إلا ربُعاً, ولا تكفي لسَكبِ المادةِ في عقلِ كلِّ طالبٍ في الفصلِ، وجعلِها مهضومةً لديهِم”.
ومع أنموذجٍ آخِرَ قابلتْهُ “الثريا” نجِدُ أنّ ضعفَ الثقةِ بالنفسِ؛ جلبتْ التواكُلَ الكاملَ للطالبِ “ضياء مهنا” في الثاني الإعدادي , حيثُ يقول:” أنا أحتاجُ للدرسِ الخصوصي, نتيجةَ انعدامِ تركيزي في الفصلِ, وخارجَ إطارِ المدرسةِ أشعرُ بأني أحظَى باهتمامِ المدرِّسِ الخصوصي أكثرَ، وهو مُجبَرٌ على الإعادةِ أكثرَ من مرّةٍ، على خلافِ المدرّسِ في المدرسة”.
دعمُ الخصوصيّ..
رحلةُ الدرسِ الخصوصي لم تنتهِ بعدُ, “أبو محمد شاهين” لدَيهِ طالبانِ في المرحلةِ الثانويةِ، يوضِّحُ أنّ للدرسِ الخصوصيِّ فائدةً تعودُ على وَلدَيه قائلا:” وجدتُ تحصيلَهما الدراسيَّ في ارتفاعٍ, فأنا مُلزَمٌ أنْ أوفِّرَ لهما حياةً كريمةً، وتعليماً قوياً في ظِلِّ غيابِ ضميرِ بعضِ المدرِّسينَ في المدارس” مُضيفاً:” أهميةُ الدرسِ الخصوصي تفوقُ أهميةَ بعضِ الحاجياتِ المنزلية, فأنا مُضطَّرٌ لأنْ أحرِمَ البيتَ الكثيرَ من بعضِ المستلزَماتِ، مقابلَ توفيرِ الدروسِ الخصوصيةِ لأبنائي”.
مُودِيلُ العصرِ..
“أصبح الدرسُ الخصوصيّ موديلَ العصرِ” أم أمجد السوسي” بدأتْ حديثَها مُلقيةً المسئوليةَ على المدرّسِ الذي لا يهتمُّ كثيراً بتحصيلِ الطلَبةِ، وكذلك على الطلبةِ الذي لا يحرِصونَ كثيراً على مذاكَرةِ دروسِهم، موضِّحةً أنّ ابنتَها في الحاديةَ عشرةَ من عمرها، متوسِطةٌ دراسياً, ولكنّ تَسابُقَ زميلاتِها نحوَ الخصوصيّ؛ دفعَها لملاحقتِهنَّ في الصراعِ الدراسي”, مضيفةً:” هذا عدا عن تباهي الطالباتِ في تلَقِّي الدروسِ الخصوصية”, مُبيِّنةً عدمَ تأييدِها للخصوصي؛ طالَما لدَى الطالبةِ المقدرةُ على الاستيعابِ.
أسبابُه وآثارُه..
المراحلُ الدراسيةُ أصبحتْ كالكابوسِ؛ تعيشُه الأسرةُ منذُ دخولِ أبنائهم حقلَ التعليمِ وحتى تَخَرُّجِهم, فظاهرةُ الخصوصيّ شكّلتْ عائقاً نفسياً واجتماعياً على الطالبِ، وعِبئاً مادياً على أسرتِه.
يوضّحُ “أحمد زعرب” مديرُ عام التعليمِ العام, أنّ الأسبابَ التي تُودِي بالطلابِ نحوَ الدرسِ الخصوصيّ؛ تكمُنُ في عدمِ مقدرةِ الطالبِ على استيعابِ المنهج, وبالمقابلِ يحتاجُ إلى مُساعدٍ لضعفِ ثقتِه بنفسِه, وليتِمَّ إيضاحُ الموادِ المتعسِّرِ فهمُها لديهِ, ويقول:” إنّ ذوي الطالبِ يكونونَ غيرَ مؤَهَّلينَ لمساعدتِه, فيتمُّ توجيهُه نحوَ الخصوصي”.
ويضيفُ “زعرب”:” ومن جانبٍ آخَرَ؛ رغبةُ الأهالي في جَنْيِّ الطالبِ أعلَى رصيدٍ من العلاماتِ، فيتِمُّ توجيهُه نحوَ الخصوصي”, ويتابع:” إضافةّ إلى ذلك المُباهاةُ التي تتِمُ بين الأهالي؛ مُجاراةً للعاداتِ والتقاليدِ في المجتمع”.
ويبيِّنُ مديرُ التعليمِ العام أنّ للدرسِ الخصوصي آثارَه السلبيةَ على الطالبِ في إضعافِ الذاكرةِ لدَيه, فيصبحُ شخصاً متواكِلاً.
مُخالفٌ للقوانينِ..
وفي معرِضِ ردِّهِ حولَ دَورِ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ في مكافحةِ الدرسِ الخصوصي, يُجيبُ:” إنّ الخصوصيَّ مُخالفٌ لقوانينِ الوزارة, وتعملُ وزارتُه بطاقتِها الكاملةِ على الحدِّ من هذه الظاهرة, بالرغمِ من وجودِ تجاوزاتٍ من قِبلِ المدرِّسينَ عبْرَ علاقاتِهم الخاصةِ مع الطلبةِ, لتناوُلِ ما تسمَّى بـ” كبسولة” الدرسِ الخصوصي.
ويذكُرُ “زعرب” أنّ وزارتَه قبل عامينِ؛ فتحتْ مراكزَ تقويةٍ للطلبةِ ضعافِ التحصيل, ولكنّ هذا البرنامجَ لم يحصُلْ على الدعمِ والتشجيعِ من قِبلِ الطلبة, فعملتْ الوزارةُ على إغلاقِه.
ويستطردُ بأنّ وزارتَه تبذُلُ الجهودَ لإيجادِ علاجٍ لظاهرةِ الخصوصي, من خلالِ متابعةِ المعلمينَ داخلَ الفصولِ الدراسيةِ, بإرسالِ مشرِفينَ ميدانيّينَ, بالإضافةِ إلى الاستماعِ إلى شكاوَى الطلبةِ حولَ المنهاج.وينوِّهُ إلى أنّ وزارتَه قادرةٌ على الحدِّ من هذه الظاهرةِ, ولكنْ لا تستطيعُ القضاءَ عليها بشكلٍ جذرِيٍّ.
الواقعُ فرضَ نفسَه شِئنا أَمْ أبَينا, لغيابِ السُّبلِ التربويةِ الصحيحةِ، والتي كان من أبسطِها دروسُ التقويةِ, وتلاشتْ في وقتِنا الحالي, فكانت ذاتَ طابَعٍ تعاوُنيٍّ مع الطالبِ، وتصُبُّ في مصلحتِه بجميعِ الاتجاهات, ولكنّ الضميرَ التعليميَّ أبَى إلاّ أنْ يزرعَ الورودَ في تُربةٍ مالحةٍ.