حوارات

“أبو شنب”.. الأمُّ المثاليةُ على”17″ دولةً عربيةً

أعدته-  إسراء سعيد أبو زايدة

ام حسن ابو شنبصالةُ استقبالٍ مهيَّأةٌ للضيافةِ, زُيّنتْ جدرانُها بمجموعةِ صورٍ للشهيدِ المهندس “إسماعيل أبو شنب ” وعلى الجانبِ الآخَر باقاتٌ من الورد ، ومن الخلفِ مكتبةٌ تحتوي على كتبٍ طالَما رافقَها الدكتورُ الشهيدُ في بعضِ أوقاتِه, في استقبالِنا كانت تجلسُ “أم حسن” بهدوءِ المرأةِ المثالية, وفي مكانٍ من زاويةِ البيتِ وُضعَ دِرعُ المرأةِ المثاليةِ؛ التي توِّجتْ به خلالَ فوزِها بلقبِ المرأةِ المثاليةِ على مستوى الوطنِ العربي.

(عائشة محمود أبو شنب” تُكَنَّى ب” أم حسن” , من مواليد 1958, درستْ الابتدائيةَ والإعداديةَ بمدارسِ الغوثِ بمخيمِ الشاطئ

وآخِرُ مراحلِها الدراسيةِ الثانويةُ العامةُ بمدرسةِ الشهيد مصطفى حافظ, وهي أمٌّ لثلاثةٍ من الذكور, وخمسٍ من الإناثِ, وجَدّةٌ

لخمسةَ عشرَ حفيداً, تزوَّجها المهندسُ “إسماعيل أبو شنب” عام  1977, وأنجبا الابنَ الأكبرَ وهو الشهيدُ “حسن” عام1982).

حديثٌ متَّزِنٌ, وروحٌ حاملةٌ همَّ القضية, ووجهٌ نورانيٌّ مبتسِم, وبشاشةٌ في مُحياها، المرأةُ المثاليةُ كان لقبُها الذي لُقبتْ به بعدَ اختيارِها على مستوى الوطنِ العربي، وجدْنا ذلك سلوكًا لا لَقباً، فبعدَ اغتيالِ زوجِها د. “إسماعيل أبو شنب” عامَ 2003 ،واستشهادِ بِكرِها “حسن” لم تَهُنْ عزيمتَها ولم تفتُرْ، بل واصلتْ الدربَ، وحملتْ أمانةَ تربيةِ أبنائها التي لم تَكِلّ منها ولم تمَلّ.

على دربِ زوجِها الشهيدِ “إسماعيل أبو شنب” سارتْ، تُربّي أبناءَها بيدٍ، وتبني المجتمعَ باليدِ الأخرى، فِراقُ زوجِها لم يوقِفْ حياتَها ،بل كان دافعًا لِتُواصِلَ ما بدأهُ، لا تزالُ كلماتُه تصدحُ في ذاكرتِها ،ومشاهدُ العزّةِ تلوحُ في مخيّلتِها.

المرأةُ المثالية

ام حسن ابو شنبالمرأةُ المثاليةُ على مستوى 17 دولةً عربيةً؛لقبٌ حازتْ عليه زوجةُ الشهيدِ “إسماعيل أبو شنب” حيثُ تمَّ ترشيحُها من قِبلِ الاتحادِ  العربيّ للمحاربينَ القدماءِ وضحايا الحرب, التابعِ لجامعةِ الدولِ العربية, وتُعَدُّ هذه المرّةَ الأولى التي تتِمُّ فيها مسابقةٌ لاختيارِ الأمِّ المثاليةِ على مستوى الوطنِ العربي.

حيثُ كانت شروطُ المسابقةِ أنْ تكونَ زوجةَ وأمَّ شهيد, والأبناءَ جامعيين وفاعلين بالنشاطاتِ الاجتماعية, موضِّحةً أنه تمَّ الاتصالُ بها في شهرِ ينابر الماضي؛ لإبلاغِها بحصولِها على لقبِ “الأم المثالية”,  وتمَّ الإعلانُ عنه في أواخرِ فبراير الماضي, وتمَّ التكريمُ من قِبلِ الحكومةِ بغزة.

لم تحصلْ “أم حسن” على  تلك الجائزةِ وذلك اللقبِ من الفراغِ، بل استحقتْها بجدارةٍ، فقد كانت أُمّاً وداعيةً ومربيةً أقوالاً وأفعالاً، وقد رأتْ ثمرةَ صبرِها في أبنائها الذين تخرّجوا من الجامعاتِ، و أصبح أبناؤها رجالاً وأمهاتٍ يحملونَ همَّ الوطنِ، و يسيرونَ على دربِها ودربِ زوجِها، و كما تقول:”هذه وصيةُ زوجي؛ وهي أمانةٌ حملتُها على عاتقي، و أسالُ اللهَ أنْ يقدِّرَني على تأديتِها كاملةً”.

وتُبيّنُ “أم حسن” للثريا أنّ عبءَ كونِها أماً وأباً في نفسِ الوقتِ؛ ليس بالجديدِ عليها, حيثُ أنها كانت تحملُ ذاتَ العبءِ حينما أُسرَ زوجُها ثمانِ سنواتٍ عند الاحتلالِ، فجعلَها ذلك تتحملُ المسئوليةَ من إدارةِ شئونِ البيتِ لأنه أمانةٌ برقبتِها, موضّحةً أنّ الأمانةَ بعدَ استشهادِه كانت  مضاعَفةً ،والمسئوليةَ أكبرُ, مؤكِّدةً على فرحتِها في استكمالِ مشوارِ زوجِها بما يُرضي الله.

وتتمنى “أم حسن” أنْ يتمَّ تكريمُ جميعِ النساءِ الفلسطينياتِ؛ لأنهنَّ مثالياتٌ في تضحياتهِنَّ الجسامِِ، و عطائهِنَّ وصمودِهنَّ في وجهِ الاحتلالِ والحصارِ، حيث تقول:” المرأةُ الفلسطينيةُ إمّا زوجةٌ أو أمُّ أسيرٍ أو شهيدٍ أو جريحٍ، ومنهنّ من دُمّرَ بيتُها و أُسِرَ زوجُها و استُشهدَ ابنُها، فما تتحمّلُه المرأةُ الفلسطينيةُ يصعُبُ على الجبالِ، فجميعُ نساءِ فلسطين تستحِقُّ لقبَ المرأةِ المثالية “.وتقدِّمُ “أبو شنب” تكريمَها لجميعِ نساءِ فلسطين, والشهداءِ, والأسرى والجرحى و أبناءِ الأسرى و الجرحى.

وتشيرُ “أم حسن” حول برنامجِها للموازَنةِ ما بين البيتِ ومستلزماتِه، والمسئوليةِ خارجَ البيتِ  حيثُ تقول:” أستيقظُ فجرًا وأصلي ثُم أقرأ الأذكارَ, وأُجهِزَ أبنائي للمدرسةِ, وما إنْ أنتهي من عملي المنزلي,حتى أذهبَ إلى  مؤسسةِ الشموعِ المضيئةِ الخاصةِ بتقديمِ الدعمِ والمساندةِ لعوائلِ الشهداء، وأنخرطُ  في مشاغلِها, وقد كانت الراحلةُ أمُّ “نضال فرحات”  تُعَدُّ من أولِ مؤسِّسي جمعيةِ الشموعِ المضيئة.

وتضيفُ: التنظيمُ و الترتيبُ شيءٌ أساسٌ في حياةِ الإنسان، فإذا ما نظّمَ المرءُ وقتَه، و حافظَ على صلواتهِ في ميعادِها، فيبارِكُ اللهُ له في وقتهِ وحياتِه، وأنا أستشعرُ البركةَ رغمَ الأعباءِ الملقاةِ على عاتقي، ويجبُ علينا كلٌّ في مكانهِ أنْ يؤدّي أمانتَه تُجاهَ الوطنِ والدينِ، وتستشهدُ بحديثِ رسولِ الله “صلى الله عليه وسلم:” أنتَ على ثغرةٍ من ثغرِ الإسلامِ, فلا يؤتَيَنَّ من قِبَلِكَ”.

تقاسُمُ الأدوارِ:

وتَرجعُ “أم حسإسماعيل أبوشنبن أبو شنب” بذاكرتِها إلى ما قبلَ عامِ 2003 ،حيثُ اتفقتْ وزوجَها الشهيدَ القائدَ “أبو حسن” منذُ بدايةِ زواجهِما على تقاسُمِ الأدوار, فالبيتُ ومسئوليتُه تحتَ إشرافِها, وكان الشهيدُ عملُه الدعويّ والخارجيّ له الألويةٌ, ولكنّ هذا لم يمنعْهُ من ممارسةِ الإشرافِ والقوامةِ على البيت, ومعرفةُ كلِّ ما يدورُ فيه من صغيرةٍ وكبيرة, وبالرغم من عدمِ مكوثِه طويلاً بالبيتِ، إلاّ أنّ وجودَه له تأثيرٌ  بملءِ أجواءِ البيتِ بالابتسامةِ والفرح.

وتبيّنُ “أم حسن” ل”الثريا” أنها كانت مع زوجِها خُطوةً بخطوة، وتعلّمتْ منه الكثيرَ في حياتها، فقد تعلمتُ منه الوضوحَ والصراحةَ والإخلاصَ في العمل.

وتضيفُ أم حسن:” كان يسعى زوجي لإسعادِ أبنائنا بكلِّ ما يملكُ، وكذا تلبيةِ رغباتِهم، وكان حريصاً على تنشئتِهم تنشئةً إسلاميةً، تقومُ على الصبرِ وتحمُّلِ المسئوليةِ والمساعدةِ والإيثارِ، مضيفةً: لقد تَشاركْنا في أعباءِ الحياةِ، ومضينا سوياً نبتغي رضا اللهِ، حيثُ تقول:”بنينا البيتَ الذي سكنّا فيه قبلَ استشهادِه بأسبوعٍ “طوبةً طوبة”، وصمَّمنا البيتَ، وكانت تمرُّ علينا أيامٌ كثيرةٌ يعودُ فيها متعباً من الأعباءِ التي كان يحملُها، ويواصلُ متابعةَ بناءِ البيتِ دونَ كلَلٍ”.

وتستدركُ أمُّ حسن:”حياةُ الفلسطينيين صعبةٌ، فهي عملٌ ودعوةٌ وجهادٌ وأبناءٌ ومسئوليةٌ، وجميعُها تحتاجُ إلى الكثيرِ من الجهدِ الدءوبِ والصبرِ والتحمُّلِ، و علينا استكمالُ ما بدأهُ أزواجُنا ومساندتُهم بكلِّ ما نملكُ، بلا مَللٍ ولا كلَلٍ”.

أمانةُ المسئوليةِ

ومن خلالِ معايشةِ “أم حسن” لحياةِ الأسرِ، وفَقدِ سَندِ البيتِ، وكذلك الابنِ البِكر, تنصحُ زوجةُ الشهيدِ “أبو شنب” زوجاتِ الأسرى بأنْ يتحمّلنَ عبءَ القضية, ويسانِدنَ أزواجَهنّ كما تقولُ (بدون تحميل جمايل), مضيفة:” يجبُ ألاّ تُحمِّلَه فوق طاقتِه, فهو عاجزٌ عن تقديمِ العونِ, بل تستشيرُه بالأمورِ لتُشعِرَه بأبوَّتِه ،وتشاركُه تفاصيلَ حياتِهم، ولتصمدَ أمام ضرباتِ الزمن، وتَعُدُّ أنّ ترْكَ الأسيرِ  أبناءَه لزوجتِه أمانةٌ، ويجبُ على الزوجةِ أنْ تشعُرَ بثِقلِها, وعلى قدْرِ الأمانةِ تمشي الحياةُ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى