Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
غير مصنف

{المقصلة}

’’ لا تنسوا المهندسَ في عَتمةِ عُزلتهِ، لقد كان فيكم للحريةِ عنواناً ‘‘

عبد الله البرغوثي

بقلم: أنس سمحان  ناشط شبابي

مقالي هذا أكتبُه وأعلمُ حروفَه لن تحاكي، ولن تختصرَ بعضاً من كتابِ وروايةِ المقصلةِ للأسير “عبد الله راغب البرغوثي” صاحبِ أعلى محكوميةٍ في تاريخِ القضيةِ الفلسطينية، والذي اعتُقلَ عام 2003 م، ومكثَ في العزلِ 6أشهرٍ ،خرجَ منها كما دخلَها صامداً ،كما عرفتْهُ أٌمّتُه وشعبُه قَوياً في وجهِ سجَّانهِ، الذي خضعَ بالأخيرِ، ولم يستطعْ أنْ يعصِرَ منه أيَّ مَعلومةٍ، بعدَ أنْ جعلَه يخوضُ أصعبَ وشتّى أنواعِ العذاب، الذي رُبما شاهدْتَه أنتَ في فيلمِ رُعبٍ على أحدِ قنوات MBC قبلاً، أو أشدَّ وطئاً منه كَثيراً!

بمُجردِ أنْ رأيتُ الكتابَ مع أحدِهم يقرأه، لم يتغيّبْ فضولي، حتى أمسكَ بي من تلابيبِ روحي، وألحَّ عليَّ لأقرأَه، وبالفعلِ لم يمضِ على رؤيتي له يومان؛ حتى طلبتُه من مالكِه الذي لم يُبدِ أيَّ إزعاجٍ، وسرعانَ ما أعطانيهِ لأقرأه. أخذتُه وعُدتُ به إلى البيتِ ،والفضولُ يقتلُني لأفتحَه في الطريق، لكنّ روعتَه منعتْني من أنْ أجعلَه لتسليةِ روحِ الطريقِ، وقلتُ سأجعلُه لقراءةِ الليلةِ العَميقة.

مَضى يومانٍ، دونَ أنْ أُمسكَ بالكتابِ، وبقي على حالتِه، لم أجدْ له حيزاً للتعمُقِ بين ساعاتِ العملِ والدراسة، وكأنه أبَى إلاّ أنْ يكونَ كتاباً يُقرأ في طريقي إلى الجامعة.

صباحُ اليوم السبت 04/05/2013 وضعتُ الكتابَ في الحَقيبةِ، شدَدْتُ الهمّة، وانطلقتُ إلى الجامعة، وحينما ركبتُ السيارةَ؛ فتحتُ الكتابَ لأغوصَ بينَ حروفهِ، وأغرقَ بين سطورهِ التي خطّتْها شخصيةٌ أثنت العدوانْ، وأرهقتْهُ إرهاقاً فاقَ السماءَ السابعة!

طفقتُ من بسم الله الرحمن الرحيم في مقدمةِ الكتاب، ودَلفتُ بعدَها إلى أحداثِ الرواية، التي ما إنْ قرأتُ أولَ صفحتينِ منها، حتى انهملتْ دموعي على خدايَّ من دونِ قصدٍ مني، رُبما كان الإحساسُ في الحروفِ قوياً جداً، أو أنّ قلبي مرهَفٌ حينما قرأ ما يصنعُه أبطالُ المقاومة، فتذكَّرَ أنه لم يقدِّمْ لهم شيئاً،  ولا حتى  مقدارُ أُنمُلةٍ ممّا قدّموا الآنْ فَبكى، أو رُبما كلا السببينِ معاً!

روعةُ الحَديثِ والحوار، وقوةُ الحَبكِ والنسجِ في الحروفِ؛ تشدُّ كيانكَ لتُكملَ الروايةَ إلى آخرِها، التي ما إنْ شرعتُ بها ؛حتى انتقلتُ لعالمٍ آخَرَ، وكأني أنا البطلُ “شهاب” الذي يعيشُ القصةَ بكاملِ تصوُّراتِها، وأحداثِها المُطبِّقةِ للخيالِ الواقعي!، وما فتئتُ قرأتُ ثُلثَي الكتابِ، حتى توقفتْ السيارةُ فجأةً ويقولُ لي السائق: “يا بنيّ، لقد وصلتْ!”.
تبّاً، ما بالُ الطريقِ اليومَ انتهتْ بسرعةٍ، ووصلتُ للجامعةِ كذلك بسرعة؟!

هي الساعاتُ التي نحبُّها، تنقضي بسرعةٍ، ولا نشعرُ بها كما العادةُ تسيرُ بنا!، ولكنْ لا سبيلَ من هذا الموقف.

نزلتُ من السيارة، واستمرَرتُ اقرأ الكتابَ، وأنا أمشي في الطريقِ، وكِدتُ أنْ أتعرّضَ لحادثِ سيرٍ ؛ لعدمِ تركيزي بالطريقِ، ولولا سرعةُ بديهةِ شرطيّ المرورِ؛ لكنتُ الآنَ في عدادَ الموتى، ولم أقدّمْ شيئاً للقضيةِ بعد!

بعدَ هذا الموقفِ، وقفتُ بعيداً عن الطريقِ أمتاراً ألومُ نفسي، وقلتُ لهاَ ساخراً :” وماذا إنْ مِتِّ يا نفسي، ما أنتِ أصلاً؟!”، حقاً بعدما قرأتُ هذه الروايةَ، وجدتُ نفسي  كَحشرةٍ في ميزانِ القضية!.

وما إنْ وصلتُ حينَ إعدامِ العملاءِ، وجاء وقتُ المقصلةِ، حتى انهالتْ دموعي مرّةً أُخرى، فرحةً ونشوةً بهذه اللحظاتِ العَظيمةِ التي عشتُها منذُ بدايةِ القصة، وكأنَّ “مِدحت” الشهيدَ كان أخي، وعلياً كان صَديقي حقاً.

لا أملِكُ يا سيدي إلا أنْ أقفَ وِقفةَ إجلالٍ وتعظيمٍ لِما كتبتَ، فَرغمَ السّجنِ والعزلِ ؛بقيتَ أنتَ النورَ لنا ، ونحن الغارقونَ في عزلتِنا هنا!

الكتابُ يقدّمُ قصةَ بطلٍ أرادَ أنْ يُريحَ أخاه الشهيدَ في قبرِه، بقتلهِ للعميلِ الذي كان السببَ، ليس فقط ثأراً لأخيهِ؛ وإنما ثأراً للوطنِ وعِرضهِ السَليب، ولكلِّ مَن استشهدَ في سبيلِ هذه القضية، وقد أبدَى “شهاب” تفانياً في خدمةِ وطنهِ ومراوَغةِ على العدو، ورجاحةٍ في عقلهِ، وهندسةٍ في حياتِه كتلك، التي عاشَها الأميرُ المهندس . . في كتابهِ ’’ أميرُ الظِّل ‘‘ .

لقد حرَّك هذا الكتابُ فيَّ شيئاً، لقد حرَّك فيَّ روحاً نحوَ الجهادِ؛ تُرفرِفُ، رُبما ليسَ مسلّحاً على أرضِ الواقعْ، ولكنّ هندسةَ الإسقاطِ، وكشفَ العملاء!، رُبما كلُّ سُبلِ المقاومةِ مفتوحةٌ لنا جَميعاً، ولكنْ لن يراها إلاّ من يريدُها، ومن يقولُ أنّ الجهادَ في بلدِنا مُمنهجٌ ومُسَيَّسٌ، أمامَكَ مليونُ طريقةٍ للجهادِ… فَجاهِدْ!

سَيدي . . بمقدارِ كلِّ كلمةٍ كتبتَها ؛قبلَ أنْ أقرأَ.. إليكَ أعتذِرُ!
سَيدي . . بحجمِ ما في الأرضِ من رملٍ، وما في السماءِ من نجومْ، أُحبُّكَ!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى