كادَ أنْ يقتلَ نفسَه بسبب التشجيع الأعمى

بقلم: هدى فضل نعيم
دقّتْ قلوبُ الشبابِ الغزيِّ مع دقّاتِ عقاربِ الساعةِ؛ لتعلنَ بدءَ برنامجِهم الغنائيِّ ( أرب أيدول) على قناةِ MBC ،وامتلأتْ محلاّتُ القهوةِ بالعيونِ الشاخصةِ لشاشاتِ العرْضِ؛ لتُتابعَ مُطرِبَهم الفلسطينيَّ ” محمد عسّاف ” .
المتجوِّلُ في مدينةِ غزةَ بتلكَ اللحظاتِ؛ يشعرُ بأنه حدَثٌ مُهمٌّ؛ سيَهُزُّ الوطنَ العربيَّ، أو أنّ فلسطينَ تكادُ أنْ يصدُرَ قرارُ حريتَها بعد قليلٍ , السائقُ “أبو نعمان” كان متجِهاً لجلبِ عائلتِه من شاطئِ بحرِ النصيراتِ , وفي طريقِه لاحظَ هدوءَ الشوارعِ غيرَ المسبوقِ، واكتظاظَ محلاتِ القهوةِ والنوادي بالشبابِ، أخذَ يفكّرُ في سببِ تلكَ التجمعاتِ والهدوءِ، وأثناءَ شرودِ ذِهنِه خرجَ له بشكلٍ مفاجئٍ شابٌّ يقطعُ الشارعَ سريعاً؛ دونَ أنْ ينتبِهَ لحركةِ السيرِ، وبسببِ عتمةِ الشوارعِ في قطاعِ غزةَ؛ لم يلاحظْ “أبو نعمان” ذلكَ الشابَّ إلاّ في آخِرِ لحظةٍ , بكلِ قوَّتِه ضربَ بقدمِه على فراملِ السيارةِ، واتّجهَ يساراً بمِقوَدِ السيارةِ، لكنّ قدَرَ اللهِ أرادَ أنْ يصطدِمَ رأسُ الشابِّ بزجاجِ السيارةِ، ويسقطَ أرضاً .
هُرِعَ “أبو نعمان” مسرعاً إلى الشابِّ المُلقَى على الأرضِ بلا حراكٍ , وكانت دقّاتُ قلبِ “أبو نعمان” أعلَى من صوتِ مَن تجَمْهَرَ من الشبابِ، فهو متيقنٌ بأنّ الشابَّ قد فارقَ الحياةَ، فالضربةُ كانت قويةً جدًا، وزجاجُ السيارةِ تحطّمَ، ولكنّ المفاجأةَ أنّ الشابَّ ما زالَ يتحرّكُ، وتحدّثَ لهم بأنه ما زال بخيرٍ , حضرَ الإسعافُ، ونُقلَ الشابُّ ( م,أ) إلى مستشفى شهداءِ الأقصى ، وتمَّ علاجُه من إصابةٍ بسيطةٍ في الرأسِ، وبعضِ الرضوضِ , وبعدَ سماعِ الشرطةِ لروايةِ الشابِّ، والتي كانت مُحزِنةً جداً لشابٍّ فلسطينيّ؛ يبلغُ من العمرِ 25 عاماً، كاد أنْ يُقتلَ لسببٍ كهذا، وتمَّ الإفراجُ عن السائقِ.
فكانت حكايتُه أنه كان يقفُ على الجهةِ الأُخرى من الشارعِ؛ يتحدّثُ مع أصدقائهِ، وينتظرونَ فقرةَ المُغنِّي الفلسطينيّ “محمد عسّاف” في البرنامجِ , وهم مندمجونَ بالحديثِ اتّصلَ به صديقُه وأخبرَه بأنّ “عسّاف” صعِدَ على المسرحِ , ومن دونِ أيِّ تفكيرٍ أو انتباهٍ؛ هُرِعَ مسرعاً، وقطعَ الشارعَ ليلحقَ بفقرةِ المغنّي كما قالَ , لكنْ اعترضتْ طريقَه سيارةُ “أبو نعمان” وكأنها رسالةٌ من اللهِ له لتُحذِّرَه من هذا التعلُّقِ الأعمَى .
أغلقتْ الشرطةُ المِلفَ، وبقيتْ التساؤلاتُ: مَنِ المذنبُ؟؟ أهوَ السائقُ ،أمِ الشابُّ، أمْ عتمةُ الشارعِ، أمْ أنه الصديقُ المتّصِلُ؛ ليُخبرَه ببدءِ الفقرةِ، أمْ أنه التعلُّقُ الأعمى !