أشواق مكبلة وفرحة سليبة وأمل بالعودة إلى الديار

تقرير/ عبد الرحمن عبد ربه الطهراوي
أتى شهر الخير والمحبة وتبادل الأصحاب والأقارب رسائل التهاني والتبريكات، واجتمع الجميع على مائدة الإفطار يزينها ما لذّ من الطعام وطاب، وأعد كل واحد فينا نفسه لزيارة صلة الأرحام وأصحابه، هذا كله يحدث في عالم الأحياء، أما في عالم القهر فيكون للحديث قواعد أخرى، فلا مائدة واحدة يجتمع عليها الأهل والأحباب، ولا طعام فطور حسب ما يشتهون، ولا مشروبات باردة تروي ظمأ صيامهم، فضلا عن منع أداة صلاة التراويح جماعة في الساحات.
هذه هي لفتات عريضة تمتد على طول حدود ذاك العالم المظلم، والذي يئن في بحر ظلماته، ما يقارب أربعة الآلف أسير فلسطيني حرموا من أبسط حقوقهم في شهر رمضان وغيرها من الشهور.
يصف الأسير المحرر مهدي مشاور والمبعد إلى قطاع غزة، حياة الأسرى في ظل شهر رمضان فيقول: “لا جديد لدى الأسرى في هذا الشهر فهو يمر وينقضي دون سابق إنذار، بل قد يزيد من معاناة الأسرى بتذكرهم لأهاليهم وشوقهم للجلوس مع أبنائهم على مائدة الإفطار، وخاصة الأسرى الجدد”.
ويضيف محررنا المبعد:” تزيد إدارة السجون من تضييقها المتعمد على الأسرى وذويهم في الشهر الفضيل، فتقدم لهم أردى أنواع الطعام عند السحور والفطور، وتزج بمجموعة من الأسرى في الزنازين، بالإضافة إلى عمليات قمع وتفتيش ليلية لغرفة الأسرى، وتنقلات واسع بين السجون”.
وعن كيفية تنظيم حياة الأسرى في رمضان يوضح: “يسير جميع الأسرى وفق جدول ينقسم لقسمين، الأول جماعي: يشتمل على جلسات ذكر جماعية، ومسابقات ثقافية وغيرها، أما الثاني فيضعه الأسير لنفسه ويخيم عليه الشق الروحاني والتسبيح والاستغفار والإبتهال الى الله بالدعاء، فكنا نصلي صلاة التراويح عشرين ركعة، وكثير من الأسرى كان يقيم الليل على مدار الشهر من صلاة التراويح إلى الفجر”.
ويستدرك الأسير المبعد مشاور:” والجو الروحاني داخل السجون أفضل بكثير من خارجه، بجانب إبداع الأسرى في صنع الفرحة فيتألق البعض بصنع الحلويات بما توفر من مواد، وتنظيم جلسات سمر ليلية لتخفيف عن بعضهم البعض” وفق قول مشاور.
وفي رمضان يجتمع الأهل على مائدة الإفطار؛ ولكن في غياب قسري لأحد أفراده خلف القضبان، فماذا تراه يشفع للمسنة أم محمد وهي تبكي على مائدة الإفطار التي يجتمع عليها الأحباب ويغيب فلذة كبدها ليس لسنة واحدة، بل مر تسعة عشر عاما يغيب فيها الأسير المقدسي محمود عيسى عن أجمل اللحظات العائلية”.
وعن أجواء رمضان في عائلة محمود و الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد ثلاث مرات إضافة لأربعين عاما، تخبرنا أم أنس إحدى أقارب الأسير:” يخيم الحزن على الجميع لغياب أحد أركان الأسرة، وتجهش أم محمود بالبكاء دائما على المائدة وفي كل جمعة تجمع العائلة دون ابنها محمود، وكثيرا ما تسأل هل أفطر محمود؟ على ماذا أفطر؟ كيف حاله؟ هل هو مريض؟ ماذا عساه يقول الآن؟”.
وبلسان الواثقة بالله تضيف أم أنس: ” في كل رمضان يمر علينا كنت أنظر للسماء وادعو الله أن لا ينقضي رمضان إلا محمود معنا يشاركنا الافطار ويغدق علينا الحب والسعادة، نشاركه السمر والزيارات، ولكن مر رمضان ولم يخرج، وبقي في عزله يأكل وحده ويدعو ربه وقلوبنا معه تتألم لألمه وتبكي لعزلته وما نملك إلا الدعاء .”
وتختم حديثها بالقول:” فاتحة الأمل تتسع يوما بعد يوم وخاصة بعد صفقة وفاء الأحرار، وانتصار الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية، فقريبا سيصلي محمود في رحاب المسجد الأقصى ويقبل ثراه الذي يشتاق إليه”.
وعن مشاعر الأسرى بعد التحرر في رمضان يقول المحرر محمد القرم: ” رمضان بعد الحرية شيء لا يوصفه، فبحمد لله رأيت هلال رمضان بعد عشرة أعوام، فقد كنا نرى فيهم ظلمة السجن وقبحه، وسمعنا صوت التكبير والتهليل بعدما كنا نسمع صوت الأصفاد”.
ويتابع: ” مع إعلان دخول الشهر اجتاحني خليط من المشاعر، وعاد لي طعم رمضان الخاص بعد غياب قسري داخل السجون، فجلستُ مع الأصدقاء وتبادلت التهاني والتبريكات مع أهلي للمرة الأولى بعد سنوات طوال من المنع، محاولا نقل لهم ما يجول في خاطري من مشاعر والتي لا يعلمها إلا الله”.
ويخبر “الثريا” أن أصعب اللحظات على الأسرى في رمضان هي التي تسبق غروب الشمس، فيرجع كل أسير بذاكرته إلى الوراء لتشرق في عقله حكاية يكون الشوق والحنين إلى الأهل عنوان لها.
للأسرى قصص وحكايات، أشواق وذكريات لا يمكن وصفها بأعمق الكلمات، فتلك أم أسير تشتاق لولدها وأخرى زوجة أسير، تقوم بمقام الأب والأم تنتظر عودة الحاضر الغائب، وتلك طفلة تتوق لتقبيل يد والدها المغيب قسرا، وألف حكاية وحكاية بطلها واحد هو الأسير المغيب خلف القضبان وجلادها واحد هو الاحتلال الغاصب وبين كل ذلك عقول مفكرة لتحرير الأسرى بالساعد، بالبندقية، وستشرق يوما قريبا شمس الحرية.
سوف نبقى هنا .. كي يزول الألم
سوف نحيا هنا .. سوف يحلو النغم
اسرانا حريتكم دين في الاعناق
أشكر لكم حرصكم علي نقل معاناة الاسري و توعية المجتمع الفلسطيني لما يتعرض له الاسري في سجون الاحتلال وبوركتم علي المجهود الطيب والشكر موصول للكاتب