التغيُراتُ الجلديةُ عند السيداتِ الحوامل

أعده: عبد الرحمن الطهراوي
دكتور “وهيب سعيد شحادة” -استشاري الأمراض الجلدية والعناية بالبشرة- بمستشفى الشفاء الطبي
تعاني الغالبيةُ العظمى من النساءِ في فترة الحملِ من مشاكلَ وتغيُراتٍ، تحدُثُ على الجلدِ، تؤثِّرُ على المظهرِ الجمالي الخارجي للسيداتِ، فتفقِدُ السيداتُ بعضاً من جمالهِنَّ، ما يؤدّي إلى دخولهِنَّ في حالةٍ نفسية سيئةٍ وخاصةٍ، في حالةِ عدمِ استجابتهِنَّ للعلاجِ، أو عند استخدامهنَّ لبعضِ الوصفاتِ الشعبيةِ غيرِ الطبيةِ، أو التي لا تستندُ على أساسٍ علمي.
إنّ التغيُراتِ الجلديةَ عند السيداتِ الحواملِ؛ تنقسمُ إلى نوعينِ؛ هما تغيُراتٌ فسيولوجيةٌ، أي يكونُ التغيرُ في الشكلِ الجمالي للجلدِ فقط، وسرعانَ ما تختفي بعد الولادةِ مباشرةً، أو يمكنُ أنْ تأخذَ بعضَ الوقت, والنوعُ الآخَرُ؛هي التغيراتُ المرَضيةُ، أي مع تغيُرِ شكلِ الجلدِ تكونُ هناك أعراضٌ مرَضية أخرى، مِثلَ الحكّةِ والألمِ، وظهورِ بثورٍ على سطحِ الجلد.
التغيراتُ الفسيولوجية:
1- التغيرُ في لونِ الجلدِ ( الكلف)melasma:
إنّ الغالبيةَ العُظمى من السيداتِ الحواملِ؛ يُعانينَ من ظهورِ الكلفِ، ولكنْ بنسَبٍ متفاوتة،وعادةً تكونُ هذه الزيادةُ في لونِ الجلدِ في بعضِ المناطقِ التي تتميزُ بلونٍ داكنٍ، مِثلَ الحلمتينِ والإبطينِ والفخِذينِ والأعضاءِ التناسلية.
وتحدثُ زيادةُ اللونِ في الأشهر الأولى الثلاثِ من الحملِ، وتمتدُ مع زيادةٍ في شدّةِ لونِ الجلدِ خلالَ الأشهرِ التاليةِ، حتى نهايةِ الحملِ والولادة،ومن ثَم يبدأ هذا اللونُ بالاختفاءِ تدريجاً.
وظهورُ الكلفِ في فترة الحملِ، يرجعُ إلى عدّةِ أسبابٍ منها ؛الاستعدادُ الوراثي، وكذلك فإنّ الخلايا الملوّنةَ للجلدِ؛ تكونُ خاضعةً لتأثيرِ هرمون الغُدّةِ النخاميةِ؛ الذي يزدادُ نشاطُه في فترةِ الحمل،وبعد الولادةِ يرجعُ هذا الهرمونُ تدريجاً إلى معدّلاتِه الطبيعيةِ، ويرجعُ لونُ الجلدِ إلى حالتِه السابقة .
ويتميّزُ كلفُ الحمل بظهورِ بُقعٍ بنيَّةٍ فاتحةٍ محدَّدةِ الشكلِ في الوجهِ، وخاصة الجبهةَ والوجنتين والأنفَ ،وأحياناً زيادةُ لونِ الجلدِ في منطقةِ الإبطين والصدرِ وأعلى الفخذين, وإذا كان جلدُ السيدةِ الحاملِ يحتوي على النمشِ، أو بعض الوحمات بُنيَّة اللون، فإننا نلاحظُ تحوّلَ هذه الوحماتِ إلى اللونِ البُنيّ الغامقِ أو الأسود.
إنّ معظمَ حالاتِ الكلف، تبدأ بالاختفاءِ تدريجاً،وينصحُ بعدم التعرُضِ للشمسِ، مع استخدامِ كريماتٍ مضادةٍ لأشعةِ الشمس، ذاتِ عاملِ حمايةٍ عالٍ،وعدمِ وضعِ المكياج أوالكريمات التي تحتوي على موادٍّ عطريةٍ، قد تؤدّي إلى زيادةِ أثرِ أشعةِ الشمسِ على خلايا التلوينِ في الجلدِ، وفي أغلبِ الحالاتِ؛ فإنّ الكلفَ يحتاجُ إلى علاجٍ عند طبيبِ الأمراضِ الجلديةِ، لإزالتِه بالتقشيرِ الكيميائي أو بالليزر أو ببعضِ الكريمات؛ التي تحتوي على موادٍّ مثبِّطةٍ لنشاطِ الخلايا الملوّنة للجلد.
2- خلَلٌ في نموِّ الشعرhair loss:
تحدثُ بعضُ التغيراتِ في شعر المرأةِ الحامل، فيحدثُ تساقطٌ لشعرِ فروةِ الرأس، في خلال الأشهرِ الأولى، وذلك لارتفاعِ معدّل “البروجسترون”وبعد الأشهر الأولي يرتفعُ معدّلُ “الاستروجين” لدى السيدة الحامل، وهذا الهرمون كما هو معروفٌ علمياً، يمنعُ تساقطَ الشعرِ، حيث أنه يزيدُ من نسبةِ الشعيراتِ، فيطوِّرُ النموَّ، مما يجعلُ شعرَ فروةِ الرأسِ كثيفاً في الشهورِ الستِ الأخيرة من الحمل، ثم يحدثُ تساقطٌ للشعرِ بعد الولادةِ بعدّةِ أشهر، بصورةٍ كثيفةٍ، وذلك لانخفاضِ هرمونِ “الاستروجين” في الدم،ثُم يتمُ تعويضُ هذا التساقطِ بنموِّ شعيراتٍ جديدةٍ بعد بضعةِ شهورٍ، ويرجعُ شعرُ الرأسِ إلى وضعهِ الطبيعيّ قبلَ الحمل .
عند بعضِ السيداتِ الحواملِ، تحدثُ زيادةٌ في شعر الحاجبينِ والرموشِ والوجهِ، وقد يزدادُ هذا الشعرُ بالنموِّ، ويتحولُ بعضُه إلى شعرٍ خشنٍ .
3– تشقُّقاتُ الجلدِ البيضاءُ Striae gravidarum:
إنّ التعرُّجاتِ الجلديةَ المصاحبةَ للحملِ، تشاهَدُ في أغلبِ السيداتِ لحوامل، وتبدأ في الشهرِ السادسِ والسابعِ، وتظهرُ على شكلِ خطوطٍ طوليةٍ غيرِ منتظَمةِ الشكلِ في جدارِ البطنِ، ثم سرعانَ ما تظهرُ في الصدرِ والذراعين، وفي أنحاءَ أخرى بالجسمِ، وتكونُ هذه التعرجاتُ حمراءَ اللونِ في بدايةِ الأمرِ، ثُم يبداُ هذا اللونُ في الاختفاءِ تدريجاً،وتصبحُ هذه الخطوطُ بيضاءَ باهتةَ اللون.
إنّ سببَ هذه التعرجاتِ؛ يرجعُ إلى تمدُّدِ جدارِ البطنِ؛ نتيجةَ الحملِ مع وجودِ استعدادٍ وراثيٍّ؛ الذي له دورٌ كبيرٌ في حدوثِ هذه التعاريج،و يمكنُ أنْ تشاهَدَ هذه التشققاتُ عند السيداتِ ،وكذلك لدى الرجالِ البُدناء ،ويمكنُ أنْ تحدثَ هذه التعرجاتُ في الفخذين، وفي الإليتين، والكتفين.
إنّ تدليكَ هذه التعرجاتِ بزيتِ الزيتونِ؛ يساعد ُعلى التئامِها، وكذلك بعضُ الكريماتِ التي تحتوي على مادةِ “الكولاجين” تساعدُ في علاجِها.
4– تورُمٌ في الجفونِ والشفتين:
إنّ ارتفاعَ نسبةِ هرمون “الاستروجين” أثناء الحملِ؛ يؤدي إلى حدوثِ تمدُدٍ في الأوعيةِ الدمويةِ، وخاصةً الأوعيةَ الدمويةَ السطحيةَ منها لدى السيدةِ الحامل, ونتيجةً لذلك؛ يحدثُ تورُمٌ في الجفونِ والشفتينِ واليدين، ويبدو هذا التورمُ أكثرَ وضوحاً أثناء الصباحِ، ثُم يختفي تدريجاً في نهايةِ النهار.
في الأشهر الأخيرةِ من الحمل، ونتيجةً لكِبرِ حجمِ الرحمِ، وضغطهِ على بعض الأوعيةِ الدمويةِ، ما ينتُجُ عنه ظهورُ دوالي الساقِ، ودوالي الشرجِ.
التغيُراتُ المرَضية:
1– حساسيةُ الجلد urticarea:
تظهرُ “الارتيكاريا” على شكل بُقعٍ حمراءَ مرتفعةٍ عن سطحِ الجلدِ، تظهرُ في بعض مناطقِ الجلدِ، وسرعانَ ما تختفي، لتظهرَ في مناطقَ أخرى، مع حكّةٍ شديدةٍ ومؤلمةٍ، وتحتاجُ السيدةُ المصابةُ “بالارتيكاريا” للعلاجِ بواسطةِ الأقراصِ المضادة “للهيستامين”.
2- الحكّةالجلديةPruritus:
تصيبُ الحكّة حوالي20% من السيدات الحواملِ، وتتميزُ بظهورِ حكّةٍ شديدةٍ في كافة أنحاء الجسمِ، أو في منطقةٍ معيّنةٍ ومحدَّدة ، وتظهرُ بثورٌ مصحوبةٌ بحكّةٍ شديدة،وخاصة في الشهورِ الوسطى والأخيرة من الحمل ،وتكونُ أكثرَ ظهوراً في منطقة البطنِ والفخذينِ، وأحياناً في الصدرِ واليدين ، وقد تستجيبُ كثيرٌ من هذه الحالاتِ إلى مضاداتِ “الهستامين” المسموحِ لبعضِها أثناءَ فترةِ الحمل،مع استخدامِ العلاجاتِ الموضعيةِ المناسبةِ من مرطّباتٍ ومن مشتقاتِ “الكورتيزون” الموضِعي.
3- الفِطرياتُ fungal and candidial infection:
أثناء فترةِ الحملِ، وذلك نتيجةً لزيادةِ الإفرازاتِ المهبلية، “فانتينيا ومونيليا الفخذين” تحدثُ بكثرةٍ في الشهور الأخيرةِ من الحمل،وتسبّبُ حكّة شديدةً في الأعضاء التناسليةِ، ويجبُ علاجُ هذه الفطرياتِ و”مونيليا” المهبلِ قبل الولادةِ؛ حتى لا يتعرضَ المولودُ للإصابةِ “بالمونيليا” أثناء الولادة .
4– الحكّة الشرويةُ الحطاطيةُ الصفيحية للحمل PUPPP:
تحدُثُ في الأشهر الأخيرة من الحمل، وتكونُ على شكلِ حكّةٍ شديدةٍ، مع ظهورِ بثورٍ وحطاطاتٍ مختلفةِ الحجمِ والشكلِ، تتمركزُ في منطقةِ البطنِ والأردافِ، وأسفلِ الظهر، ويعالَجُ هذا المرضُ بتناولِ أقراص “الريدنيزلون” وحبوبٍ مضادةٍ للحكّةِ، بالإضافةِ إلى الدهاناتِ الموضعيةِ الملطِّفةِ، أو التي تحتوي على “الكورتيزون” متوسطِ التركيز.
5– فقاعُ الحمل pemphigoid gestationis:
يظهرُ في الشهر الرابعِ من الحمل، وأحياناً في بدايتِه، ويكونُ على شكلِ احمرارِ الجلدِ، ثُم تظهرُ حويصلاتٌ وفقاعاتٌ متعدِّدةُ الأحجامِ، مع حكّةٍ شديدةٍ، وتتمركزُ في منطقة البطنِ، وحول السُّرةِ، ولا تصيبُ الأغشيةَ المخاطيةض، وفي بعض الأحيانِ يصابُ الجنينُ بهذا المرض، ولكنْ سرعانَ ما يتعافَى منه بعد عدّةِ أسابيع من الولادة، وتحتاجُ السيدة المصابةُ بالمرضِ للعلاجِ بواسطةِ أقراص “الكورتيزون” ومضاداتِ الحكّةِ، وكريماتٍ تحتوي على “الكورتيزون”.
وللأمراضِ الجلديةِ المصاحِبة للحملِ؛ تأثيرٌ كبيرٌ على الحالةِ النفسيةِ للسيداتِ الحوامل، سواءٌ في فترة الحملِ أو الرَّضاعةِ، وذلك لأن هذه الأمراضَ تغيِّرُ من الشكلِ الجمالي للسيداتِ، وكذلك تحتاجُ لفتراتٍ علاجيةٍ طويلة، قد تصلُ لأكثرَ من ستةِ أشهر، كما هو في علاجِ كلفِ الحمل, فتصبحُ السيداتُ أكثرَ عصبيةً، مع نزوعٍ إلى الانعزالِ وعدمِ الاختلاطِ بالمجتمعِ، وتبدأ باللجوءِ إلى إخفاءِ كلفِ البثورِ؛ باستخدامِ “المكياج” غيرِ المناسب، والذي قد يزيدُ من صعوبةِ العلاج، وبذلك تصبحُ السيدةُ منطويةً، وقد تدخلُ في مرحلةٍ من الاكتئابِ، وخاصة إذا كانت تعملُ في مكانٍ تواجِهُ فيه الجمهورَ، ومطلوبٌ منها المحافظةُ على مظهرِها الخارجي.
وأخيرًا ننصحُ بعدمِ الاستهانةِ بالجلدِ أثناء فترةِ الحملِ، والتوجُّهِ إلى طبيبِ الأمراضِ الجلديةِ؛ للنصيحةِ والعلاجِ عند ظهورِ أيٍّ من التغيُراتِ الجلديةِ، التي سبقَ التحدُثُ عنها، مع الابتعادِ عن استخدامِ الوصفاتِ غيرِ الطبيةِ، التي قد تفاقِمُ الحالةَ.