الزراعةُ في غزةَ معاناةٌ وخسائرُ وصمود

تقرير_ إسراء أبو زايدة
مازال الاقتصادُ في قطاعِ غزة؛ يعاني من سياسةِ الحصارِ التي تفرِضُها إسرائيلُ على القطاعِ للعامِ السابعِ على التوالي, بالإضافةِ إلى العدوانِ والهجماتِ العسكريةِ الإسرائيليةِ المتكررةِ على قطاعِ غزة, والتي عمّقتْ من الأزمةِ الاقتصاديةِ؛ نتيجةً للدمارِ الهائلِ الذي تُخلّفُه للبِنيةِ التحتيةِ، و كافةِ القطاعاتِ والأنشطةِ الاقتصاديةِ.
في غزةَ :الوقوفُ على جرائمِ قواتِ الاحتلالِ بحقِّ الأراضي الزراعيةِ؛ لا تُعَدُّ ولا تُحصى, “الثريا” تخصص جزءا مساحتها وتُجريَ لقاءات مع عددٍ من المزارعينَ على الحدودِ الشماليةِ للقطاع؛ لتوصيلِ معاناتِهم إلى العالم, فكانت إيماءاتُ وجوهِهم الشاحبةِ تتحدّثُ قبلَ ألسنتِهم.
تعدُّ الخمسةَ عشرَ دونماً الواقعةُ على المناطقِ الحدوديةِ للمزارعِ “أبو محمد علوان” مصدرَ الدخلِ الوحيدِ لعائلتِه؛ التي تتكونُ من خمسينَ فرداً, فمنذُ اثنتَي عشرةَ سنةً؛ وأرضُه بورٌ لا يستطيعُ الفلاحةَ فيها, نظراً لوقوعِها على الحدودِ الشمالية, يقولُ المزارعُ علوان:” حاولتُ زراعتَها قمحاً؛ فلم تحملْ السنابل, لعدمِ توفُّرِ المياه, وقد منعَنا الاحتلالُ من حفرِ الآبار “, بالإضافةِ إلى عدمِ وقوفِ الجهاتِ الداعمةِ بجانبِهم.
ويضيفُ:” قِلّة البرابيش هي التي تؤخِّرُ عملَ الأرض, بالإضافةِ إلى عدمِ تمكُّنِ المقاولِ من إعادةِ تأهيلِ البئرِ؛ نظراً لإطلاقِ النارِ عليه من قِبلِ القواتِ الصهيونيةِ.
ودعا “علوان” الجهاتِ الدوليةَ , وحقوقَ الإنسانِ؛ إلى الوقوفِ بجانبِ المزارعِ الفلسطيني، ومساعدتِه لإعادةِ تأهيلِ آبارِ المياهِ وهي أكبر المشاكل التي يعانون منها.
في رقبتِه عشرةُ أطفالٍ كما يصف حاله؛ يَلزمُهم احتياجاتٌ لا حصرَ لها , والعائدُ من الأرضِ لا يكفيهِم , المعاناةُ ذاتُها مع المزارعِ “محمود الأدهم” المالكُ لعشرةِ دونماتٍ من الأرض , ولكنّ الاحتلالَ يواصلُ سياستَه الغاشمةَ؛ التي تَحولُ دونَ وصولِ المياهِ إلى ارضه كما باقي أراضي المزارعينَ، فباتت أرضه قاحلةً جافّةً، تشكو قِلّةَ المياهِ، وقِلّة الإنتاجِ، يقول الأدهم “للثريا” لن تحل قضية المزارعين الا بزوال الاحتلال لأن المحتل يمنع جميع مقومات الحياة للمزارعين و لا يأبه بشئ ورغم مناشداتنا الدائمة و المتكررة الا أنها لم تأت بنتيجة على أرض الواقع.
وللمرأةِ الفلسطينيةِ دور في فلاحةِ الأرضِ والتضحيةِ؛ فتقف بجانب زوجها،حيثُ تزرعُ وتَفلَحُ؛ لتحصلِ على لُقمةِ العيشِ التي تسدُّ رمقَ جوعِهم , المزارعةُ “غنيمة عدوان” نصيبُ ميراثِها من عائلتِها ثلاثةُ دونماتٍ ونصف, تتحدث للثريا:” منذُ اثنتَي عشرةَ سنةً؛ كانت أرضي تعجُّ بأشجارِ الزيتون, ولكنْ تمَّ قطعُها من قِبلِ قواتِ الاحتلالِ؛ لعدمِ سماحِهم بزراعةِ الأشجارِ العالية” , ومنذُ ذلكِ الحينِ والأرضُ قاحلةٌ وبورٌ, لا تتمكَّنُ من زراعتِها.
جهاتٌ داعمةٌ:
أصبح الشعبُ الفلسطيني غيرَ قادرٍ على إدارةِ مواردِه الطبيعية, نتيجةً لقيامِ إسرائيل بتدميرِ البنيةِ التحتية, وإقامةِ المستوطنات, وشقِّ الطرُقِ الالتفافية, بالإضافةِ إلى عملياتِ النهبِ المتواصلةِ للمياهِ الفلسطينية. التقتْ “الثريا” عضوَ الإدارةِ العامةِ للتخطيطِ في وزارة الزراعةِ” هدى أبو ندى” التي تُبيِّنُ أنّ المزارعين في المناطقِ الحدوديةِ بحاجةٍ إلى أَيادٍ داعمةٍ تقفُ بجانبهم, وتموِّلُ مشاريعَهم الزراعية. تقول أبو ندى:” نطالبُ الجهاتِ المعنيّةَ بالإسراعِ بتنميةِ المناطقِ الحدوديةِ؛ حتى تَعودَ على المُزارعِ بالنفعِ، من خلالِ تشغيلِ أبنائهم بالزراعة”, وهذا بدَورِه يساهمُ في تقليلِ نسبةِ البطالة ، منوِّهةً على أنّ المزارعَ سيَتَكبّدُ الخسائرَ الفادحةَ؛ نتيجةً لعدمِ استخدامِه للأراضي الزراعيةِ الخصبة , آمِلةً أنْ تقفَ الجهاتُ الداعمةُ، ومنظماتُ حقوقِ الإنسانِ بجانبِ المُزارعِ الفلسطيني؛ لإحياءِ الأرضِ من جديد.
وتضيفُ أبو ندى:” في الأعوامِ الماضيةِ كان المزارعونَ يستغلّونَ مياهَ الأمطارِ لرَيِّ المحاصيل, ولكنْ لعدمِ وَفرةِ مياهِ الأمطارِ في السنةِ الحاليةِ، البذورُ لم تنضُجْ.
و شكرتْ “أبو ندى” وزارةَ الزراعة, ومؤسسةَ قطر, والشُّكرُ الأكبرُ يعودُ إلى دولة “ماليزيا” كونَها أشرفتْ على عملِ أولِ مشروعٍ نُفِّذَ في المنطقةِ الحدوديةِ، وكان عبارةً عن ثلاثةِ آبارٍ , وهذا بدَورِه ساهمَ في مساعدةِ المزارعين, مطالِبةً بضرورةِ الإسراعِ بِمَدِّ شبكاتِ الريِّ.
العراقيلُ:
وتتابع:”وتتمثلُ الموانعُ في قيامِ الاحتلالِ بإطلاقِ النارِ على كلِّ مزارعٍ يزرعُ في أرضِه”.هذا عَدا عن قيامِ قواتِ الاحتلالِ بإطلاقِ نيرانِ رشّاشاتِهم على المقاوِلِ، عند تأهيلِه للبئرِ الثالث, موضِّحةً أنّ البئرَ يخدمُ مئةَ دونمٍ من الأرض.
الخسائرُ الزراعيةُ متعدّدةٌ: منها تجريفُ الأشجارِ والدفيئاتِ، والممارساتُ الوحشيةُ بهدمِ الآبارِ والمنشآتِ الزراعية، فكان تدميرُ القطاعِ الزراعي في حربِ الفرقانِ؛ تدميراً ممنهَجاً ومدروساً، لأنه إحدى ركائزِ الاقتصادِ الوطني الفلسطيني , وأَحدُ مقوّماتِ صموده بالاكتفاءِ الذاتي.
في ظِلِّ الحصارِ الظالمِ على القطاعِ، وتحكُّمِ الاحتلالِ بدَخلِه وفقَ ما يحقِّقُ مصلحتَه , بات من الضروري إتّباعُ استراتيجيةِ الاقتصادِ الزراعي المقاوِم , والاعتمادُ على الذاتِ، من خلال بذْلِ أقصى الجهودِ لتلبيةِ ما يحتاجُه المواطنُ من السوقِ المحلي.
بالرغمِ من الحصارِ المستمر منذُ ستِ سنواتٍ، و الحروبِ و الهجماتِ العسكريةِ المتكرّرةِ على قطاعِ غزة، والأزماتِ الجمّةِ التي يواجِهُها , إلا أنه مازال ينبضُ بالحياةِ و الأملِ نحوَ مستقبلٍ أفضلَ, و ليتحقَّقَ ذلك برفعِ الحصارِ الكاملِ عن قطاع غزة، وفتْحِ المعابرِ التجاريةِ كافة, ودخولِ جميعِ أنواعِ البضائعِ، دونَ قيودٍ أو شروطٍ مُسبّقة, و السماحِ بتصديرِ جميعِ أنواعِ المنتَجاتِ الصناعيةِ و الزراعيةِ من قطاعِ غزةَ إلى أسواقِ الضفةِ الغربية و العالمِ الخارجي.