حبلُ مشنقةٍ جديدٌ يُعلَّقُ؛ ليَحصدَ أرواحَ مرضى غزة

تقرير : محمد قاعود
انقطاعُ التيارِ الكهربائي ، وشُحُّ الأدويةِ ، وإغلاقٌ مستمرٌّ للمعابر …
كلماتٌ تبعثُ الكثيرَ من الوجلِ في قلوبٍ أنهَكها المرضُ؛ ليَعبثَ في رَيعانِها، ويُحيلَها إلى آلامٍ مُشتَّتةِ المعالمِ والأقدارِ ، لتتعلّقَ أرواحُهم ومصيرُ أحوالِهم ما بينَ فتحٍ للمعبرِ، وإغلاقٍ ، هي الأوجاعُ وحدَها سيدةُ الموقفِ للمرضَى في قطاعِ غزة .
يقولُ المواطنُ “رمزي صالحة” المصابُ بمرضِ الفشلِ الكُلويّ :”أُعاني الأَمرَّينِ_ في كلِّ مرةٍ أقومُ بها بغسلِ الكِليةِ_ من العذابِ الذي أشعرُ به خلالَ عمليةِ الغسيلِ؛ التي تستمرُّ ما يقاربُ أربعَ ساعاتٍ ، واليومَ أصبحتُ أتوقّعُ موتي في أيِّ لحظةٍ؛ بسببِ انقطاعِ الكهرباءِ عن الأجهزةِ أثناءَ الغسيلِ، بالإضافةِ إلى الصعوبةِ الكبيرةِ التي أواجِهُها في التنقُلِ إلى المَشفى، بفِعلِ تقلُّصِ السياراتِ نتاجَ أزمةِ الوَقود.
أمّا المواطنُ “رفيق الهور” والذي يعاني من مرضِ السرطانِ، منذُ عدّةِ سنواتٍ فيقولُ :” أقومُ بالسفرِ كلَّ عدّةِ أشهُر، من أجلِ الحصولِ على جرعةِ “الكيماوي الإشعاعي” غيرِ الموجودةِ في غزةَ، واليومَ مع زيادةِ حِدّةِ الحصارِ على غزةَ؛ بِتُّ غيرَ قادرٍ على السفرِ من أجلِ العلاجِ، وهذا ما جعلَ حياتي مُعلَّقةً على شَفا حفرةٍ؛ لينتظرَ أهلي خبرَ وفاتي في أيِّ لحظةٍ .
أزمةٌ حقيقيةٌ..
الناطقُ باسمِ وزارةِ الصحةِ؛ الدكتور “أشرف القدرة” أكّدَ أنّ الحصارَ المفروضَ على غزةَ، منذُ عدّةِ سنواتٍ، والذي زادتْ حِدَّتُه في الفترةِ الحاليةِ؛ أثّرَ بشكلٍ كبيرٍ ومباشرٍ على المرضَى الموجودينَ في المستشفياتِ الفلسطينيةِ، وخاصةً أصحابَ الأمراضِ المزمنةِ والخطيرةِ.
ويضيفُ “القدرة” أنّ وزارةَ الصحةِ تعيشُ في أزمةٍ حقيقيةٍ في ظِلِّ تفاقُمِ نقصِ الأدويةِ والمستهلكاتِ الطبيةِ؛ التي تعاني منها الوزارةُ، حيثُ حُرمتْ من (30% )من الأدويةِ والمستهلَكاتِ ؛التي كانت تأتي من أو عبرَ جمهوريةِ مصرَ العربية، إضافةً إلى الرصيدِ الصفريّ المزمنِ للأدويةِ والمستهلَكاتِ، ما كان له الأثرُ السيئُ على المرضَى، حيثُ حُرمَ الكثيرونَ من إجراءِ عملياتِهم بعدَ تخفيضِ (50% )من عددِ العملياتِ الجراحيةِ غيرِ الطارئةِ، وبالتالي زيادةُ قائمةِ الانتظارِ، وزيادةُ معاناةِ المرضَى، إضافةً إلى تأَخُرِ تحويلِ المرضَى للعلاجِ في جمهوريةِ مصر العربيةِ، وخاصةً مرضَى “السرطانِ والقلبِ والعظامِ والأعصابِ”.
كما أنّ انتشارَ الأوبئةِ والأمراضِ المُعديةِ، وزيادةَ الإعاقاتِ والأمراضِ المُزمنةِ؛ تُعَدُّ أبرَزَ الآثارِ التي خلّفَها الحصارُ، وتشديدُه على غزةِ، بالإضافةِ إلى توقُّفِ وصولِ الوفودِ الطبيةِ، والتي بلغتْ (63 )وفداً خلالَ الشهورِ الستِّ الأُولى للعام( 2013 )وإلغاءِ حضورِ جميعِ الوفودِ خلالَ شهرِ( يوليو أغسطس) الماضي، ما أدّى إلى حرمانِ أعدادٍ كبيرةٍ من المرضَى من خبراتِ أطباءِ العالمِ.
جسدٌ واحدٌ..
المواطنونَ الغزيّونَ يشعرونَ بالأَسى؛ لِما يحدُثُ لإخوانِهم المرضى من الظلمِ و القتلِ البطيءِ المُتعمَّدِ، فيقولُ أبو عبد الرحمن :” ما يتعرّضُ له المرضى الفلسطينيونَ من ظُلمٍ وقهرٍ وحرمانٍ صباحَ مساءَ، وأمام مَرأَى من الجميعِ؛ سيُحاسَبون عليه أمامَ اللهِ؛ عن قتلِهم المباشرِ لهؤلاءِ المرضى؛ الذين لا يَقوُونَ على حملِ سلاحٍ، ولا حتى مقاومةِ ألَمِهم .
أمّا “نور سليم” فَعَدَّتْ أنّ ما يحدُثُ للمرضى في غزةَ؛ يحتاجُ إلى وقفةٍ جادّةٍ وحقيقيةٍ من الجميعِ، سواءٌ أصحابُ القرارِ أو غيرُهم ،من أجلِ العملِ على إيقافِ قتلِ العشراتِ من المرضَى بشكلٍ مستمرٍّ، وحرمانِهم من أعظمِ حقوقِهم.
ما سبقَ ليس سيناريو لفِيلمِ رُعبٍ أو “أكْشن” مُفْعَمٍ بروحِ الانتقامِ، لكنه مَشهدٌ حقيقيٌّ يعيشُه سكانُ غزةَ منذُ أكثرَ من سبعِ سنواتٍ، ما بينَ مدٍّ وجَزرٍ في قسوةِ ظروفِه ومرارتِه.