دين ودنيا

التَّسَوُّلُ آفةٌ اجتماعِيَّةٌ خَطيرةٌ

 إعداد: عبد الرحمن الشيخ

يجيب عن الاستشارة د. إحسان عاشورالتسول

انتشرتْ في مجتمعِنا ظاهرةُ التسوُّلِ بشكلٍ ملحوظ، فما حُكمُ الشرعِ في هذه الظاهرةِ؟  وكيف يكونُ التعامُلُ معها؟

الحمدُ للهِ وحدَه ، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نبيَّ بعدَه ، وبعد:

فإنَّ للإسلامِ من هذه الظاهرةِ موقفاً صريحاً واضحاً، أُسَجِّلُه في النقاطِ الستِّ التالية:

أولاً: إنَّ العملَ شرفٌ لصاحبِه، وهو فرضٌ على كلِّ قادرٍ عليه،  وقد حثَّ الإسلامُ على العملِ،  وكَسْبِ الرزقِ ؛ فقال تعالى: ( فَامْشُوا في مناكبِها وكُلوا من رزقِه وإليهِ النشور) سورة الملك 15، وعن رفاعةَ بن رافعٍ رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلي الله عليه وسلم سُئل: أيُّ الكَسبِ أطيبُ؟ فقال : ” عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ ، وكُلُ بَيعٍ مَبْرُورٍ” رواه الحاكمُ وصحّحه.

ثانياً: إنّ القعودَ عن طلبِ الرزقِ ، والاستجداءَ،  ومدَّ اليدِ للناسِ، والرِّضا بأوساخِ أموالِهم ، مرفوضٌ في دينِنا الحنيفِ ؛ لأنه مرضٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ، وآفَةٌ تفتِكُ بالأُمّةِ، وقد حاربَ الإسلامُ الخمولَ والكسلَ،  ومَقتَ البطالَةَ والتسوُّلَ ؛ فقال صلي الله عليه وسلم: “لَأن يأخُذَ أحَدُكُم حَبْلَهُ، فيَأتِيَ الجَبَلَ، فيَجيءَ بِحِزمَةِ الحَطَبِ على ظهرِه، فيبيعَها، فَيَكُفَّ اللهُ بها وَجهَهُ- أي عن سؤالِ الناس- خيرٌ مِنْ أنْ يَسألَ الناسَ ؛ أعطَوْه ، أو مَنَعُوه” أخرجه البخاري عن الزبير بن العوام رضي الله عنه.

كما شدّدَ الإسلامُ النَّكيرَ على الذين يقعُدونَ عن طلبِ الرزقِ ،  ويَمُدُّون أيديَهم للناسِ بِذِلّةٍ وانكسارٍ ؛ حيثُ صوَّرَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم اليدَ الآخِذةَ باليدِ السفلَى ، واليدَ المُعطيةَ باليدِ العُليا ؛ فقالَ رسولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: ” اليَدُ العُليا خيرٌ من اليَدِ السُّفلى، واليَدُ العُليا هي المُنفِقَةُ، واليَدُ السُّفلى هي السَّائلةُ” أخرجه الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه ، كما حثَّ النبيُّ صلي الله عليه وسلم الناسَ أن يُرَوِّضوُا أنفُسَهم على الاستعفافِ فيُعِفَّهم اللهُ ، وعلى الاستغناءِ عن الغيرِ فيُغنيَهم اللهُ ؛ فقالَ عليه الصلاةُ والسلام: ” اليَدُ العُليا خيرٌ من اليَدِ السُّفلَى، وابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ ،  وخيرُ الصَّدَقةِ ما كان عن ظَهرِ غِنَيً ، ومَن يستَغْنِ يُغنِه اللهُ ،  ومَنْ يَستَعفِفْ يُعِفَّهُ الله” أخرجه البخاري عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.

وكلُّ إعانةٍ ماديةٍ تُعطَى لقويٍّ قادرٍ على الكَسبِ؛ ليستْ في الواقعِ إلاّ تشجيعاً للكُسَالَى على كسَلِهم وخمولِهم من جانبٍ ، ومُزاحَمةً للفقراءِ ، والضعفاءِ والزَّمنَى ، وسائرِ العاجزينَ عن الكَسبِ في حقوقِهم من جانبٍ آخَرَ.

ثالثا: لا تحِلُّ الصدقةُ إلاّ لفقيرٍ عاجزٍ عن الكَسبِ ؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم: ” لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ ،  ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ” أخرجه الترمذي وأبو داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه وذو المِرَّةِ السَّوِيّ: هو القويُّ المستوي الخَلْقةُ ، السليمُ الأعضاءُ ،  والقادرُ على الكَسبِ.

لذا فإنه يجبُ على المتصدِّقينَ ، أو الأغنياءِ الذين يريدونَ أنْ يُخرجوا زكاةَ أموالِهم ، أنْ يبحثوا عمّن يستحقُّ الصدقةَ أو الزكاةَ؛ وقد حصَرَ اللهُ تعالى أصنافَ المستحِقِّينَ للزكاةِ في ثمانيةِ ، ليس المتسوِّلُ واحداً منها؛ فقال تعالي: ( إنما الصدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليها والمؤلَّفةِ قلوبُهم وفي الرقابِ والغارمينَ وفي سبيلِ اللهِ وابنِ السبيلِ فريضةً من اللهِ، واللهُ عليمٌ حكيمٌ) سورة التوبة 60.

رابعا : إنّ التسوُّلَ حرامٌ، و لا يجوزُ احترافُه، لقولِ النبيِّ صلّى اللهُ عليه و سلّم:”مَن سألَ الناسَ أموالَهم تَكَثُّرًا؛ فإنما يسألُ جمْرَ جهنَّمَ، فلْيستقِلْ أو لِيستَكثِرْ ” أخرجه مُسلم عن أبي هريرة.

خامسا:” لقد أصبحَ التسوُّلُ  وسيلةً للحصولِ على المالِ، دُونَ كَدٍّ أو تعبٍ، و بات مرضًا نفسيًا و بَلادةً في الشعورِ و الإحساسِ، أَفقدَ صاحبَه عِزّةَ النفسِ، و خلَعَ عليه ثوبَ المَذلَّةِ و الهوانِ، فلا يجوزُ للناسِ التعاطي مع هذه الظاهرةِ، بِبَذْلِ المالِ للمتسوِّلينَ؛ لأنَّ إعطاءَهم يشجِّعُهم على التمادِي في التسوُّلِ، و استمراءِ خِسةِ مَدِّ اليدِ للناسِ، و لأنّ المتسوِّلينَ ليسوا هم أهلُ الحاجةِ و استحقاقِ الصدقةِ، لقولِ رسولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم :” ليس المسكينُ الذي يطوفُ على الناسِ، فتردُّه الُّلقمةُ والُّلقمتانِ، والتمرةُ والتمرتانِ؛ و لكنّ المسكينَ الذي لا يجدُ غِنىً يُغْنيهِ، و لا يُفطَنُ له فيُتصدَّقُ عليه، ولا يقومُ فيَسألُ الناسَ شيئاً” أخرجه الشيخان عن أبي هريرة.

سادسا: ولا يفوتُني في هذا المقامِ؛ أنْ أُحذِّرَ من بعضِ المتسوِّلينَ الذين يؤُمُّون البيوتَ و المجالسَ العامةَ، و يَطوفونَ على المساجدِ طالبينَ المساعدةَ من الناسِ بِدَعاوَى كاذبةٍ و قصصٍ مُحزنةٍ أو زاعمينَ هدْمَ بيوتِهم، أو مرضَ أولادِهم و نسائهم، و هم في الحقيقةِ ليسوا كذلكَ، و إنما هم من مُدمِني المُخدِّراتِ، يَكذِبونَ على الناسِ، و يحتالونَ عليهم، و يستدِرُّونَ عطفَهم، من أجلِ الحصولِ على المالِ، و إنفاقِه في تعاطي المخدِّراتِ، فحَذارِ حَذارِ من هذه الطائفةِ المجرِمةِ من المتسوِّلينَ، و لا تُصدِّقوا ما تَسمعونَه؛ حيثُ لا يجوزُ دَفعُ الزكاةِ لمجهولِ الحالِ؛ الذي يبدو في حالِه أنه طوَّافٌ على الناسِ، مَهما أَبدَى من ضِيقِ الحالِ و الإلحاحِ في السؤالِ.

وأخيرًا فإنني أَحُثُّ الناسَ جميعًا على الامتناعِ من إعطاءِ المتسوِّلينَ الطوّافينَ، إسْهاماً مِنّا في القضاءِ على هذه الآفَةِ الخطيرةِ، وهو الأَجْدَى لِقطْعِ دابرِها، وتلاشِي وجودِها ، كما أُطالِبُ الجهاتِ المسئولةَ ؛أنْ تقومَ بواجبِها في ملاحقتِهم والزَّجِّ بهِم في السجونِ؛ حتى يتعهَّدوا بِعدَمِ العودةِ للتسوُّلِ و الكذبِ و التدليسِ.

ولعلَّ في تفعيلِ قانونِ الزكاةِ؛ الذي سَنَّهُ المجلسُ التشريعيُّ مؤخَّرًا ما يوفِّرُ لُقمةَ العيشِ الكريمِ للمحتاجينَ، ويقضي على ظاهرةِ التسوُّلِ في المجتمعِ، آمِلينَ أنْ يكونَ ذلك قريبًا و أنْ نرَى آثارَه الطيبةَ بإذنِ اللهِ تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى