التفكير الابداعي وعلاقته بالفقه الإسلامي

بقلم: د. صادق قنديل
المقال الأول من سلسلة مقالات من وحي الإبداع
يحلو للبعض أن يعرف الإبداع بأنه:” المبادرة التي يبذلها المرء بقدراته على الخروج والانشقاق من التسلسل العادي في التفكير بتفكير مخالف كلية”.
والبعض يراه من نظرة التفكير الابتكاري بأنه : “القدرة على ابتكار وإنتاج أكبر عدد من الأفكار التي لها قيمة بحيث تؤثر تأثيراً إيجابياً في حياة الإنسان العملية والفكرية” .
وظني أن الإبداع شيء عملي يحتاج إلى إبداع نظري وهو التفكير الابتكاري، ليتمكن العقل من تكوين علاقات جديدة تحدث تغييراً في الواقع لديه، وبهذا يكون قد تجاوز الحفظ والاستظهار إلى التفكير والبحث والتحليل والاستنتاج، ومن ثمَّ الابتكار المحرك للآلة العملية الإبداع، وليس من الصواب أن نعرف التفكير الابداعي من نظرة الابداع فقط أو التفكير فقط ؛ لأنه بهذا غير متصور معرفته وفهمه وعليه يمكن أن نستقر بعد الملاحظة السابقة على مجمل التعريفات التي ذكرتها والتي قرأتها ولم أذكرها بالتعريف الأكمل من حيث المضامين والأشمل من حيث الاجراءات والخطوات العملية والأقوى تأثيراً من حيث النتيجة وهو تعريف الدكتور: طارق سويدان ” النظر للمألوف بطريقة أو من زاوية غير مألوفة ثم تطوير هذا النظر ليتحول إلى فكرة ثم إلى تصميم ثم إلى إبداع قابل للتطبيق والاستعمال”
وتكمن أهمية التفكير الإبداعي في مجموعة من النقاط وإن كان التفكير الإبداعي في حق من هم ليسوا من الشباب القيادي ذات المؤهلات فرض كفاية ولا فرض عين إلا أنه في حق الشباب الذين يمتلكون القدرات والطاقات فرض كفاية بالمجموع لأنه لما عجز غيرهم عن القيام به وبالتدرب عليه وخدمة الدين من خلاله انحصر فيهم فأصبح فرض كفاية عليهم جميعاً يسقط الإثم عنهم جميعاً إن قام به بعضهم، ولكن لو أخذنا الموضوع من نظرة أخرى ندرك أن علماء الأصول لما قالوا عما هو يجري عليه فرض كفاية ما حددوا الحد الذي يعفي الجميع من الاثم لأنه ليس من الحكمة من وجهة نظري فمن الأعمال من ربما يقوم بها فرد واحد بغض النظر عن مؤهلاته وامكاناته كصلاة الجنازة مثلاً ومن الأعمال من لا يمكن أن تتم إلا بقيام مجموعة وهذا الذي قصدته من فرض كفاية بالمجموع ودليل ذلك قوله تعالى: “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ “.
والآية تدل على وجوب تعميم العلم والتفقه في الدين والاستعداد لتعليمه في مواطن الإقامة وتفقيه الناس فيه على الوجه الذي يصلح به حالهم ، ويكونون به هداة لغيرهم ، وأن المتخصصين لهذا التفقه بهذه النية ، لا يقلون في الدرجة عند الله عن المجاهدين بالمال والنفس لإعلاء كلمة الله والدفاع عن الملة والأمة . بل هم أفضل منهم في غير الحال التي يكون فيها الدفاع فرضاً عينياً .
ولو نظرنا للتفكير الإبداعي من زاوية الفقه الإسلامي نجده : “القدرة على النظر في الأدلة، والتعرف على أصول الاستنباط ووسائل الاجتهاد من خلال معرفة أسس الاجتهاد والإحاطة التامة بمقاصد الشريعة”.
وبهذا ندرك العلاقة القوية بين التفكير الابداعي والفقه الاسلامي من حيث الفقه الاصطلاحي والاجتهاد والنظر في الأدلة وكيفية الاستدلال مع الاحاطة بمقاصد الشريعة وجوانب المصلحة ومستويات الضرر والمفسدة وكل ذلك يلزمه عقلية ناضجة بشروطها الشكلية والموضوعية ومعرفة بالواقع ومتغيرات العصر ومتطلباته الحياتية والسياسية والاقتصادية وليس معنى هذا أن يسمح لكل من زعم أنه من أهل الحفظ أن يجتهد في أحكام الدين ولكن المعنى أن الفقه الاسلامي بأدواته يحتاج إلى التفكير الابداعي في التعاطي مع الأحكام وتنزيلها على الوقائع والحوادث، وهذا ما أكد عليه فضيلة العلامة الفلسطيني مازن هنية – حفظه الله تعالى- في كل محاضراته أنه ينبغي على من يشتغل في مجال الفتوى والاجتهاد وبيان أحكام الشرع أن يضم مع حفظه للمتون والنصوص ملكة النظر فيها، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تفعيل أدوات التفكير الابداعي وصقل الشخصية بها، وأزعم بكل فخر أن الفقه الإسلامي يفجر الابداع ويحيي الطاقات وليس كما يقولون يبلد التفكير والإحساس.