جدار الفصل العنصري”نسيم قزاز يفصل الجدار بينه وبين والديه”

الضفة المحتلة : أنس القاضي
لم يكن يخطر في باله يومًا أن ثمة شيء سيحول بينه وبين والديه، لا سيما أنهما يقطنان في ذات القرية، لم يتوقع لحظة أن تحول القربة الصغيرة إلى قريتين وتصبح العائلة عائلتين والتواصل بين أبناء الحي الواحد سيكون بحاجة إلى تنسيق وتصريح!
في عرف المحتل هذا ما حصل تمامًا عائلة فلسطينية مكونة من 15 شخصًا في قرية سلمان أحدى القرى التي جزئها وقسمها الجدار العنصري في القرن الحادي والعشرين!
عائلة قزاز إحدى العوائل الفلسطينية القاطنة بالقرية، أضطر العديد من ابناءها للإيجار على اطرافها، بفعل ضيق الحال وضراوة الواقع الاقتصادي، غير ان الاحتلال أحال حياتهم إلى جحيم وقسّم القرية إلى قسمين في شطرها الأول يقطن الحاج أبو نسيم وزوجته وعدد من أبناءه الصغار وفي قسمها الآخر يمكث عدد من ابناءه وبناته المتزوجين.
واقع مأساوي
لم يتمالك نسيم عبراته في التعبير عن معاناته وأشقاءه، معاناة خلفها قرار الاحتلال العنصري، وأحال حياته وأشقاؤه إلى جحيم بعدما فرق بين العائلة الواحدة في جدار سلب الكثير من أراضيهم عدا عن تدمير بعض من مزارعهم الخاصة.
يقول نسيم، إن زيارته الدائمة لوالديه بغرض الاطمئنان عليهم والعمل كمزارع في أراضي عمه، لم يعد ذلك سهلًا في ضوء محتل فرض كل شيء على الفلسطينيين من ظلم وعدوان، واصبحت زيارة الأبناء لوالديهم بحاجة إلى ترخيص من الشئون العسكرية.
نسيم يروى لـ”الثريا”، بعضًا من معاناة عائلته، مستذكرًا شقيقته الحامل ببكرها، حينما أضطرت للمشاركة في جنازة جده متسلقة الجدران الشاهقة، وسقطت على إثره على الأرض، لتفقد طفلها بعد ست شهور من الحمل.
لم تكن هنا الفاجعة، بل ربما كان المشهد الأشد مأساة، حينما اطلق الاحتلال على بعض النسوة في القرية كلابه البوليسيه، ليصيبهم بشكل مفجع، حينما حاولن الوصول إلى الشطر الآخر من القرية.
يتساءل نسيم بصوت خانق بالعبرات، بأي ذنب يعيش الفلسطينيون في ظل حصار مظلم ومطبق يفصل بينهما جدار عنصري بات بمنزلة ورم سرطان ينهش من أرضهم وديارهم.
أين العرب وأين المسلمون وأين احرار العالم؟ سميفونية موسيقية لم يمل لسان الفلسطينيين على ذكرها منذ سنوات وعقود، على أمل بجيل عروبي ثائر ينهض من ثباته ويعيد للأوطان عزتها وكرامتها.
ليست هذه القرية فحسب هي ما أقدم الاحتلال على تدميرها وتقسيمها، مسحة وسنيرية وبيت أمرين وعزون عتمة وبديا والقرى المجاورة في محافظتي سلفيت وقلقيلية، مهدددة بأزمات اقتصادية ومادية خانقة، إضافة إلى صعوبات ومخاطر جمة في التنقل نتيجة تنفيذ جدار الفصل العنصري.
الباحث وليد أبو محسن من مركز جمعية الدراسات العربية بالضفة يؤكد أن إسرائيل تسعى من خلال الجدار إلى تشكيل حدود الضفة الغربية، والذي يقدر طوله بحوالي 400 كم وأما الجزء الشمالي منه فيمتد من قرية سالم شمالاً إلى حدود قلقيلية جنوباً ويقدر طول هذا الجزء بحوالي 115 كم.
وأضاف الباحث محسن “الجدار سيأتي على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية وهي من أخصب الأراضي وأكثرها استخداماً واستغلالاً وخاصة منطقة الشعراوية ومنطقة قلقيلية والتي أتى الجدار على معظم أراضيها وحولها إلى “كنتون” ذات مخرج واحد هو الطريق الواصل بمدينة نابلس”.
وبين أن أحد عشر تجمعاً فلسطينياً في الناحية الغربية من الجدار قد حوصر، في وقت يقدر عدد سكانها بحوالي 13 ألف نسمة ومن أكثرها كثافة سكانية قرية باقة الشرقية قرب طولكرم، مشيرًا إلى ما خلّفه الجدار في قرية نزلة عيسى التي تم تدمير أكثر من 60 محلاً تجارياً في حدود منطقة الجدار.
وأكد الباحث محسن، أن القرى المتضررة كثيرة، وخاصة أن معظم القرى الحدودية للخط الأخضر كان لها نصيب من ذلك، ويقدر عدد القرى المتضررة مباشر بحوالي 40 قرية وتجمعاً سكانياً وأكثر من 35 ألف نسمة، هذا فقط في الجزء الأول من الجدار، إضافة إلى التغييرات التي طرأت على تغيير مسار هذا الجدار في منطقتي قلقيلية وطولكرم.