حُكم بيعِ الشيكِ المتأخِّر صرْفُه..

الثريا: خاص
ما حُكم بيعِ الشيك المتأخرِ صرفُه من البنكِ بمبلغٍ أقلَّ من الموجودِ في الشيك نقداً على الفور؟
أولاً: بيعُ الشيك المتأخر صرفُه – أي المؤجّل- الذي لا يستحقّ صرفُه الآنَ من البنك، بل بعد فترةٍ زمنيةٍ قد تطولُ و قد تقصُر- نقول: بيعُ مثلِ هذا الشيك هو بيعٌ باطلٌ سواءٌ أكان بمِثلِ المبلغِ المثبتِ فيه أو أقلَّ أو أكثر، وسواءٌ أكان بعملةٍ أخرى كبيعِ الشواقلِ التي في الشيك بالدنانيرِ أو دولاراتٍ أو غيرِها، أو كان بسلعٍ استهلاكيةٍ كالثيابِ والطعامِ وموادِ البناء ،وذلك لأنّ المبلغَ المؤجّلَ الذي في الشيك يعتبر معدوماً غيرَ موجودٍ، و بيع الشيءِ المعدومِ باطلٌ،
فإنّ المبلغَ الذي في الشيك لا يعتبر دَيناً الآن على البنك، وإنما سيوجدُ هذا الدَّين عند حلولِ أجلِ الشيك، فبيعهُ لا يعتبر بيعَ دَينٍ بغير دين مما أجازه الفقهاء، فقد جاء في كتاب الخطيب الشربيني الشافعي على مَتن الغاية و التقريب حاشية الشيخ سلمان البحيرمي،ج3/20 قوله:”ويصبحُ بيعُ الدين..إلخ”(ويشترك كون المديون مليئاً مقرّاً وأنْ يكونَ الدين حالاً مستقراً)،
وللعلم فإنّ هذه الفتوى هي التي اعتمدتها لجنةُ الإفتاءِ في الجامعةِ الإسلامية بغزة. وأمّا الفتوى التي وردت في الجزء الثاني ص 25 من كتاب فتاوَى شرعية فهي ملغاةٌ، و الصحيح أنّ الشيك المؤجّل صرفُه لا يحلُّ ولا يحل ولا يصحُّ بيعُه.
ثانيا:و أما بيعُ الشيك الذي حلَّ أجلُ صرفِه بمبلغٍ أقلَّ من المبلغ المثبتِ فيه، إنّ مثلَ هذا البيعِ هو بيعُ نقدٍ بنقد، فإن كانا من جنسٍ واحد كذهبٍ بذهب، أو فضةٍ بفضة، أو دنانير بدنانير، أو دولارات بدولارات، اشترط لصحةِ البيعِ أنْ يكونَ المبلّغانِ متماثلَين، كألف دينار بألف دينار، وألف شيكل بألف شيكل، أو مائة درهم بمائة درهم، وأنْ يكونَ العقدُ بهذه الشروطِ الثلاثة كان صحيحاً وحلالاً، و إذا اختلَّ شرطٌ من الشروطِ الثلاثة التقدمةِ؛ كان العقدُ باطلاً، وكان التعاملُ محرّماً، ولكنْ هناك طرُقٌ أخرى غير هذا الطريقِ السابقِ، تجعلُ مثل بيعِ هذا الشيكِ صحيحاً وحلالاً وهي:
1-أنْ يبيعَه بغيرِ جنس المبلغِ المثبت فيه، مثل أنْ يبيعَ هذا الشيك على الشيكلاتِ بعملةٍ أخرى كالدولارات أو الدنانير أو الجنيهات المصرية أو الاسترلينية، فحينئذ يكونُ البيعُ صحيحاً و حلالاً، ولا تتوقفُ صحتُه على المماثَلةِ و المساواةِ بين المبلغين..لكنْ يشترطُ فقط الحلول التقابض في مجلسِ العقد.
2-يجوزُ كذلك لحاملِ الشيك أنْ يُوكِّلَ شخصاً آخَر يصرِفُه من البنك بطريقتِه الخاصة، بأُجرةٍ يتفقانِ عليها، كما هي طريقةُ الحصولِ على الدَّين، أو الحق عن طريقِ المحامين أمام المحاكم، فهذه طريقةٌ صحيحة كذلك، ويجوزُ الحصولُ على الحق بها، إذا خلتْ من الغشِّ و الاحتيالِ و الخداع، لكنْ يجتنبُ ربطُ الأجرةِ بنسبة مئوية من الشيك 1% أو 2% مثلاً لئلا تشتبهُ الأجرةُ بالرِّبا المحرّم.
3-أنْ يبيعَ هذا الشيك بغيرِ النقود، كأنْ يبيعَه، بأي نوعٍ من أنواعِ السلعِ الاستهلاكية، والمشروباتِ و الملبوسات وموادِ البناء وغيره، وهذه طريقةٌ صحيحةٌ وحلال شرعاً.
ويستدلُ لذلك بما قاله الفقهاءُ: وبيع الدين بغير دين- أي نقداً- مع التقابضِ في مجلسِ العقد، أجازه الشافعيةُ والحنابلة والمالكية .انظر الفقه الإسلامي وأدلته، د.وهبة الزحيلي، ج4ص432 وما بعدها، وقال الخطيب الشربيني الشافعي على متن الغاية والتقريب حاشية الشيخ سليمان البجيرمي ح3 ص20:”و يصِحُّ بيعُ الدَّين بغير دين – أي يكونُ الثمنُ مدفوعاً وليس ديناً- لغيرِ من هو عليه، كبيعِه ممن هو عليه، كأنْ يبيعَ بكر لعمر، مائة له على زيد بمائة كبيعِه ممن هو عليه، و يدلُّ كذلك لجواز استبدالِ الدَّين بغير جنسه” حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:”كنتُ أبيعُ الإبل بالدنانير، وآخذ مكانَها الدراهم، وأبيعُ بالدراهم وآخذُ الدنانير، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه و سلم – فسألتُ عن ذلك فقال:”لا بأس إذا تفرقتُما وليس بينكما شيء“. رواه أصحاب السنن الأربعة، وابن حبان، وصححه الحاكم.
وقوله صلى الله عليه وسلم:”لا بأسَ إذا تفرقتما وليس بينكما شيء” يفيدُ وجوبَ قبضِ العوضين – ثمنُ المباع- في مجلسِ العقد، لكي يكون العقدُ صحيحاً وحلالاً، وهذا يدلُّ على جوازِ بيع الشيك المشتملِ على مبلغ الشيكلات، بأيّ عملةٍ أخرى، كالدنانير والدراهمِ والدولارات، أو غيرِها من العملاتِ بشرطِ قبضِ الشيكِ والثمنِ في مجلسٍ واحد. والله أعلم.