أنا معاهم..مبادرة شبابية تسعى لنصرة اللاجئين الفلسطينيين

بقلم: الإعلامي تامر الشريف
صُوَرُ مَن تَبقَّى من اللاجئينَ الفلسطينيينَ في سوريا، وأخبارُهم الشحيحةُ التي تَخرجُ بصعوبةٍ من داخلِ المخيمات، وقصصُ الأطفالِ والنساءِ والشيوخِ؛ التي تُدمي قلبَ كلِّ حُرٍّ وإنسانٍ في أجواءِ البردِ والمنخفضاتِ الجويةِ؛كلُّها تستدعي بالضرورةِ عملاً دَءوباً من الجميعِ لإنقاذِهم وتقديمِ يدِ العونِ لهم، والاستجابةِ لنداءاتِ الاستغاثةِ اليوميةِ، وهي تَخرجُ من أفواهِهم، تستصرخُ الضمائرَ الحيّةَ، وما تبَقَّى من إنسانيةٍ ورجولةٍ ونَخوة، وهي تَخرجُ من بطونٍ جائعةٍ لا تجدُ ما يسدُّ رمقَها من كسرةِ خبزٍ يابسةٍ، أو شربةِ ماءٍ تُبقيهِم على قيدَ الحياة، وما توَقّعوا يوماً أنْ يُسجَلَّ على قبورِهم ” ماتَ من شدّةِ الجوع”، فقد عرَفوا الموتَ برصاصِ القنّاصةِ، و براميلِ المتفجّراتِ، و قذائفِ الدباباتِ ،والعبواتِ الناسفة.
وغيرُ مُبرَّرٍ لمسئولٍ أو غيرِه؛ السكوتُ وعدمُ الاكتراثِ بما يجري هناكَ من معاناةٍ،بعدما زُجَّ بلاجئينا في معركةٍ “لا ناقةٌ لهم فيها ولا جملٌ” رغمَ المحاولاتِ الحثيثةِ التي بذلتْ مع بدايةِ الأحداثِ لتجنيبِهم إياها، فهم ضيوفٌ لهم ما يكفيهِم من معاناتِهم المستمرةِ، منذُ نكبتِهم عامَ (1948م) لكنّ الأيديَ العابثةَ؛ أبَتْ إلاّ أنْ تُشعِلَ الحريقَ، وتضعَ اللاجئينَ وسطَ النيرانِ، لتلتهِمَ قلوبَهم، وتزيدَ أوجاعَهم وآلامَهم في غُربتِهم، ولم تفلحْ كلُّ المحاولاتِ _بدايةَ الأحداثِ_ في أخذِ المخيماتِ بعيداً عمّا يحدُثُ، والتعاملِ مع اللاجئينَ بخصوصيةٍ، لخطورةِ قضيتِهم وإقامتِهم وصعوبةِ حياتِهم هناك، قبلَ أنْ يُدخِلَهم البعضُ في أتونِ المعركةِ؛ التي حصدتْ وما زالت تحصدُ أرواحَهم.
لا يحِقُّ لأحدٍ أنْ يصمتَ ويتخاذلَ عن نُصورةِ اللاجئينَ الفلسطينيين في سوريا، لا يملكُ أنْ يغمضَ عينيهِ، ويصُمَّ أذُنيهِ، ويغلقَ لسانَه عنهم؛ معتمِداً على المؤسساتِ الدوليةِ والإغاثيةِ، والمبادراتِ المتقطّعةِ والمتضامنةِ والمُشفِقةِ؛ وهي تقدِّمُ أقلَّ القليلِ من أجلِهم وبصعوبةٍ بالغةٍ، والواجبُ في إغاثتِهم وحمايتِهم أدْعَى من المؤسساتِ الرسميةِ؛ التي تقولُ أنها مسئولةٌ عن الفلسطينيينَ في الخارجِ، أو من أولئكَ المُوالينَ للنظامِ، فهمُ الأقدرُ على تخفيفِ معاناةِ مَن تبقَّى مِن لاجئينَ هناك، تقولُ مؤسّساتٌ تابعةٌ للأممِ المتحدةِ: إنّ عددَهم( 20 )ألفاً؛ محاصَرونَ بلا طعامٍ ولا شرابٍ في مخيماتٍ، تهدّمتْ بيوتُهم فوقَ رؤوسِهم، وينتظرُهم الموتُ من كلِّ جانبٍ، فمَن هربَ من القذائفِ والرصاصِ؛ لن يهربَ من الجوعِ والعطشِ والقهرِ!!
إنّ المسئوليةَ الدينيةَ والوطنيةَ والأخلاقيةَ؛ تستدعي أنْ يهُبَّ الجميعُ لإنقاذِ مَن تبقّى، وأنْ يبذلَ كلَّ ما يملكُ، وما يستطيعُ؛ لإغاثةِ أولئك المنكوبينَ، بعدما تقطّعتْ بهِمُ السُّبلُ، وحالَ بينهم وبينَ البقاءِ والحياةِ واقعٌ مريرٌ؛ اضطُّروا إليه، وهم ينتظرونَ جهوداً مخلِصةً تمنّوها منذُ أنْ بدأتْ فصولُ معاناتِهم المتجدّدة، فلماذا لا نكونُ معهم؟ ولماذا لا نسعى لإغاثتِهم والتخفيفِ عنهم، وتخليصِهم من الموتِ والجوعِ.
رائعةٌ تلك المبادَراتُ التي تَخرجُ بين الفينةِ والأُخرى؛ لتعبّرَ عن ضمائرَ مازالت حيّةً، وقلوبٍ ما زالت تنبضُ بالإنسانيةِ والتراحم،ألَسْنا جسداً واحداً نشكو من وجعٍ واحدٍ؟ ونتألمُ لِما يصيبُ أهلَنا أينما تَواجدوا؟؟ رائعةٌ تلك المبادَراتُ الشبابيةُ التي تَخرجُ من وسطِ القطاعِ المحاصَرِ الفقيرِ، وهي تُعرِّي المسئولينَ القادرينَ العاجزين!! رائعةٌ تلك المبادَراتُ وهي تنطلقُ بأقلِّ الإمكاناتِ، وتَجمعُ القليلَ على القليلِ؛ ليصبحَ كثيراً بإذنِ الله،فيُبرِّئُ الشبابُ المخلصُ نفسَه أمام اللهِ، أنه عمِلَ ما بِوسْعِه، وبذلَ كلَّ ما يستطيعُ؛ لينقذَ أطفالَ فلسطينَ في سوريا؛ من الشتاءِ القارصِ، والجوعِ القاتلِ، ولا يبغي في ذلك إلا دعوةً مخلصةً بالتوفيقِ، ومشاركةً فاعلةً، وتشجيعاً بالمُضيّ قدُماً دونَ تثبيطِ وقتْلِ هذا الجهدِ؛ الذي إنْ تبنَّتْهُ المؤسّساتُ الرسميةُ، ودعمتْهُ فإنّ أثَرَه سيكونُ أكبرَ وأوسعَ.
ورائعةٌ مبادَرةُ “أنا معاهم” الشبابيةُ؛ وهي تَستنفِرُ الطاقاتِ، وتَشحَذُ الهِممَ؛ لنصرةِ فلسطينيٍّ لاجئٍ مازال على قيدِ الحياةِ؛ ينتظرُ من يبادرُ إليهِ ليُنقِذَه، رائعةٌ “أنا معاهم” وما دفعَ أصحابُها لِتَبنِّيها إلا استشعارُهم بالمسئوليةِ الوطنيةِ والإنسانيةِ تُجاهَ أخوتِهم هناك، رائعةٌ “أنا معاهم” وهي تدعو الجميعَ لإنجاحِها، وتشكيلِ رأيٍّ عامٍّ نحوَها، فهي -على تَواضُعِها_ تستحقُ الدعمَ؛ ليكتملَ دورُها، ويتحقَّقَ هدفُها، وتكونَ باكورةَ مبادراتٍ شبابيةٍ متواصلةٍ لا تتوقّفُ، ولا تبدأُ من الصِّفرِ، بل من حيثُ انتهَى الآخَرونَ.
كلُّنا مع لاجئينا في سوريا، وفي كلِّ مكانٍ يحتاجونَ أنْ نقفَ إلى جانبِهم؛ بما نملكُ من مالٍ وجهدٍ، وإنْ قَلَّ، ودعاءٍ ومبادرةٍ؛ حتى لا يُقالَ أنّ الفلسطينيينَ تخاذَلوا عن نصرةِ وإغاثةِ لاجئيهم يومَ أنِ احتاجوهم، مع استشعارِنا بالتقصيرِ نحوَهم، مَهما بذلْنا من جهدٍ، فلْنُعْلِ صوتَنا.. ونهتفْ “أنا معاهم”.