غير مصنف

فصول الفقد

حوار : سمية وادي

“الشاعر هذا التيرمومتر الحسي الذي ينبض بحال مجتمعه ويعرفه قبل أن يعرف نفسه ، لديه الكثير ليقوله في وطنه وفي كافة قضاياه وثوابته، التقينا مع نموذجٍ مميزٍ لأحد شعراء غزة الشباب نعقد معه صفقة انثيالٍ شعوري يعبر بها عن موقفه تجاه الأسرى . نجمة حوارنا لهذا اليوم الشاعرة أمل أبو عاصي .. “

•بين قوسين أريدك أن تضعي عنواناً لأطروحةٍ بكائية تتحدث عن معاناة أسير في السجن ( تصفي معاناة أسير بكلمتين ) ؟
(فصول الفقد)..هو  نزف لا يقبل الاختزال وإنني لأجد اللغة العربية على توسعها وكثرة معاجمها لتقف عاجزة أمام هذه المعاناة النازفة).

•بم توحي معاناة الأسرى دوماً للشعراء ؟

(لو علمنا ذلك السرَّ الجامعَ بين الشاعر والحياة سيتسنى لنا أن نعلم ما توحيه معاناة الأسير  للشاعر، إن الشاعر موكلٌّ بالضمائر الحية التي تنبض بحثاً عن الحرية والعدل تماما كما هو موكل بالجمال ،جمال الطبيعة والكون ،جمال القيم والأفكار، ومن هنا كان الشاعر ناطقاً بلسان الأسير تارة وبلسان أهله تارة، وبلسان السجن نفسه تارة أخرى ، يقلب الوجع بين جنبيه فيحياه كأنه منه الأصل والمولد، وإليه المآل والمحتد، يتحدى بلسانه ويصمد بقلبه ويعاتب بقلمه ولا يجد إلى القهر والاستسلام سبيلا، ينبش عن  ثقب ضوءٍ وسط أكوام العتمة المتساقطة على كاهله من كل حدب، يحاور الأبجدية ويخلق الحالة التي يخلقها الحدث، يسأل كالفيلسوف، ويحكم كالقاضي، يزيل الطلاسم عن ملامح الطريق، ويمد جسوراً من الأمل فوق محيط الألم المتمدد.)

ميلاد الشاعر  يشبه ميلاد الأنبياء

•برأيك ، هل يمكن للسجون أن تجعل من أسيرها شاعراً وكيف تؤثر السجون بنفسية الإنسان ؟
(ميلاد شاعر في زمن الانحلال يشبه ميلاد الأنبياء في زمن الجاهلية، وفي السجن فكل شيء مختلف ،فإذا نكأت شوقك شعرت وكأن قضبان السجن ستطبق فكيها ليس قسوة وإنما كمداً عليك، ترى كل ما حولك صامتاً ينظر إليك، يحدثك بقلبه ، فتجيبه بقلبك، وبين خيالك هذا وواقعك المرير يتقوقع الشعر، ينشأ وينمو ، صمت يشبه الصراخ، ونزف كلما حاولت تضميده ازداد نزفا، وخرق كلما رقعته ازداد عرضا، حينها لن تجد لك ملجأً بعد الله إلا القلم، فتشق رحلتك معه خليلين لا ينفصلان ، لتكون أنت السائل والمجيب ، المشتاق والأهل والصحب ، القاضي وليس المتهم ..)

•أين تكمن معاناة السجين ، الفراق والبعد أم الذل أم الوحدة أم ضيق المكان أم ماذا ؟
مزيج من هذا وذاك وإن كان آخرها ضيق المكان ، وما أكثر السجون الواسعة التي لسع الشوق والفراق قلوب أهلِها وكأنه جمر في مراجله.

•ماذا يعني الأسير للشاعرة أمل ؟ وقد عشت مرارة الاشتياق لوالدك عندما كان أسيرا ..
(هو الأب والأخ والابن، هو الجرح الذي لم يجف، والنزف الذي لم ينضب ، غير أن المعضلة ليست فيما يعني لي وإنما فيما أعني أنا له ، حملت هذه الأمانة على عاتقي منذ صغري وحتى بعد خروج والدي ، قررت أن أكون ناطقة باسمه، باسم معاناته، باسم أهله وذويه ، أن أسخر القلم الذي وهبني الله إياه من أجله:

لا زلتَ يا أبتي هناك ونزفُ دهرِكَ لم يزلْ ..
أخراه تعبث في البداية والأواخر كالأوَل..
لو جف نبعُ رجولةٍ فلأنت سيد من نهل..
تِعبٌ زمانُكَ من زمانِكَ
وانتظارٍ كم مهل..    
البدر مثلك في اكتمالٍ غير أنك لم تفلْ..
لم يدرِ هذا الغيمُ لو يدري لأخفض كفَّهُ ولنام ملء القلبِ عن خفقِ المقلْ..
أنت الطليقُ وكلهم سجناءُ يا ويح العروبةِ
نزف دهرك لم يزَلْ..

•لو كنتِ في لحظةٍ سجينة – لا سمح الله – ماذا ستقولين في تلك التجربة
أعيش هذه اللحظة كل يوم ، أستشعر تفاصيل حياتهم الدقيقة ، حتى وكأن والدي نسي روحي هناك بعد خروجه ،إنهم شامة العز ، وأهل الفخار و الكبرياء، وأفضل ما يقال:

ليلي طويلٌ وحرفي ما لـــه سطـــــــرُ
قلبي عليلٌ وأضنى مهجتي السَّـــهـــرُ
والظِّلُّ يهربُ من ظــــــــلي وأتبعُــهُ
والغيمُ يرحلُ من حضني فلا مطـــــرُ
شمسي تغيبُ كأن الأفقَ مأتـــــــــــمُها
ما عدت أبصــــــرُها واحدودب القمـرُ
إني كسرتُ جدارَ الصَّمتِ قـــــاطبة
واغرَورَقَ الْقَلْبُ أَحلامــاَ سـتزدهــرُ
مهما استبدَّ سوادُ الليلِ ،حُلكـــــتُــــهُ
ما بين يومي وليلي فـــــجرُنا حـــذِرُ
لا بد لِلّيلِ أن يفنى بـــآخـــــــــــــــرِهِ
بعد الظلامِ وهذي الشمسُ تفــــتــــخرُ
عذراً أيا ضاد إن  آلمتُ  ســــــــكنتَنا
إني كأنتِ وإن غيضتْ بنا النُّـــــــــذرُ

ليس استهواء بل أمانة

•كيف تجدين تفاعل الرأي العام والمجتمع الدولي والإنساني تجاه قضية الأسير؟
صمت مطبق و ليس بالمبرر ، إنسان يُمتهن وآخر يسحق، نحن في زمن بات فيه الإنسان وللأسف هو السلعة الأرخص والأشد مهانة، ولو أردت أن أكون دقيقة فسأقول : الإنسان المسلم تحديداً ، إنني ممن يرون وبشدة أهمية ماكنة الإعلام في الوقوف على القضايا المتنوعة ودورها الفعال والكبير في التأثير على الرأي العام  غير أن ماكنة الإعلام العربي والعالمي اختارت إما أن تكون عمياء ،صماء،بكماء، أو أن تتخذ القالب السطحي الخبري فحسب ، أما على  صعيد إعلامنا الفلسطيني فقد بدأ النشاط يزداد اتساعا ويتسم بطابع الجدية والاستمرارية والمتابعة والتحليل المستمر.

•ربما كانت قضية الأسر الأكثر بروزاً في كتاباتك لماذا يستهويك الحديث عن ذاك العذاب ؟
ليس الأمر استهواءً بل هو أمانة أحملها وهمٌّ أعمل عليه، ربما يظن البعض للوهلة الأولى أن كوني ابنة أسير هو السبب الوحيد لحملي لهذه القضبة ، وإنني لا أنكر أن هذا أثر بشكل كبير على كتابتي غير أنكِ لو تأملت لوجدتِ أنه لا تكاد تخلو عائلة من أسير أباً كان أو أخا أو عما أو خالا،  قريبا أو حتى جارا ، فالقضية كادت أن تكون عامة ومنتشرة، وبما أنني إنسانة ويجب أن أكون إنسانة قبل أن أكون كاتبة أو شاعرة أو إعلامية فهذا يحتم عليّ أن أقف عند مسئولياتي كإنسانة ، وترى كيف سيكون الأمر مع إنسان جمعني به  الوطن و القضية و المعاناة معاً .

•كلمة تقولينها للأسير سامر العيساوي وأهله

للأسير أقول :

من موطن الرمضاء يُخلق ملك يمناه الإرادةْ
جوع البرية كافرٌ ولجوعه أسمى عبادة
فلئِن توسّدتم حصير السجن تبت ما تكون لنا الوسادة.

أما لذويهم فأقول:

أنتم يا أهلنا الصمود والصبر بعينه، وإن موعدكم لقريب قريب..

ولأمه تلك الشامخة:

سيعود لك لتحتضنيه كما فعلتِ عندما كان صغيرا تهدهديه وتلفي جسده بجسدك خشية البرد، سيعود لكِ لتكوني له الدنيا كما كان لك الدنيا ، ستقبلين جبهته التي ما سجدت إلا لله، وستقولين له خذ بزتك العسكرية التي لا يقلّ شوقها عن شوقي لك ، تابع مسيرتك فإني بك أفخر وإن هذا السجن لم ولن يثنينا عن الجهاد في سبيل الله الذي جمعني بك اليوم والذي سألقاك عنده غداً).

•أجمل مقطع برأيك كتبته عن الأسر
أقول متجاوزة النقاد جميعا : أجمل مقطع هو ما سيختاره الأسير حسن سلامة عند خروجه ، من بين عشرات القصائد التي سالت لأجلهم من شراييني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى