قرية المصدر…ارث تاريخي يجمع بين الأصالة والمعاصرة

الثريا:خاص
رائحة من قلب فلسطين، تتنشق منها عبق الأصالة والمعاصرة ، هي رائحة تلك البلدة التي لا تكتمل خارطة فلسطين بدونها، قرية المصدر الكائنة وسط قطاع غزة ، جمال مشهدها من جمال أهلها، حيث يغادر الطلبة بيوتهم طلبا للعلم، ويستقبل الفلاحون والعمال يومهم باشراقة جميلة تحكي حكاية صمود الشعب الفلسطيني، و أشجار الزيتون فيها تحمل رسالة حبها لكل من عشق تراب هذه الأرض.
هي صورة من العمران الريفي في قطاع غزة؛ تبلغ مساحتها 4160 دونم ومساحتها الزراعية2041دونم، والسكانية1400دونم، والتجارية205دونم.
من الشمال يحدها مخيم المغازي ومن الجنوب امتداد بلدية دير البلح، ومن الغرب شارع صلاح الدين، ومن الشرق الحد الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام1948؛ الأمر الذي نتج عنه الاجتياحات العديدة، وإلحاق الأذى بالمنشآت والبنية التحتية، وإزهاق أرواح العديد من الضحايا الأبرياء بفعل اعتداءات الآليات الإسرائيلية.
سبب التسمية
في لقاء “الثريا” مع أيمن المصدر الرئيس السابق والمؤسس لبلدية المصدر يقول:” سُمّيت القرية بهذا الاسم نسبة لعائلة المصدر التي تنتمي لعشيرة النصيرات التي سكنت المكان منذ 400 سنة عند هجرتها إبان الفتوحات الإسلامية من الجزيرة العربية وتحديداً من المدينة المنورة “.
ويضيف المصدر: “استقر جزء من عشيرة النصيرات في غور الأردن ولازالوا، واستقر جزء آخر في كفر قدوم، وجزء ثالث على ساحل غزة امتداداً لشرقها. وهم الآن مايعرفوا بعائلة المصدر وأبو زايد وأبومزيد وأبو غليبة وغيرها”.
ويضيف المصدر: “تميزت القرية بموقعها الجغرافي الذي يقع على طريق الجيوش المتجهة من مصر إلى الشام، وشهدت أحداث موقعة داثن (634م) التي وقعت بين المسلمين بقيادة الصحابي أبي أمامة الباهلي، والرومان بقيادة سرجيوس وانتصر فيها المسلمون، وقد سميت تلك المنطقة في السابق بداثن ثم الدميثاء وحاليا تسمى بالمصدر”.
و يستكمل المصدر:” ومن المعالم كذلك المغازاة وهو موقع أثري يقع في منتصف القرية وهو عبارة عن ضريح أو مقام يسمى بالمغازاة”.
بين الماضي والحاضر
ويتابع المصدر: “يبلغ عدد سكان قرية المصدر من3500-4000 نسمة يمتهنون الزراعة التي تتمثل في الأشجار المثمرة مثل الحمضيات واللوزيات والزيتون وغيرها، إضافة إلى الدفيئات الزراعية التي تزرع فيها الخضروات، ثم الحقل المفتوح والذي يزرع فيه نباتات الموسم مثل البطاطس والبامية والملوخية..إلخ”.
أما عن الزرارعة فيبين المصدر أن الوضع الحالي للزراعة في القرية يزداد سوءاً بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ أعوام؛ والذي أضر بكافة المجالات الزراعية والصحية والبيئية وغيرها، خصوصاً بعد الدخل الذي وفرته الزراعة فيما مضى؛ بعد إنشاء البلدية للسوق المركزي للخضار؛ والمبالغ التي كان يوفرها وأبرزها 60 ألف دولار، وذلك في السنة الأولى الذي يدخل فيها السوق المزاد ونفس السنة التي رسا عليه المزاد فيها إضافة إلى مشاركته في العديد من المزادات الأخرى”.
وينوه المصدر أن جزء من سكان القرية يعملون في القطاع الوظيفي سواء الحكومي أو الخاص.
من أفواه المعاصرين
لكل مدينة من مدن فلسطين أو قراها تراثها الخاص بها سواء بلهجتها الخاصة أو عاداتها وتقاليدها أو أزيائها الشعبية أو أناشيدها المبتكرة. ولقرية المصدر نصيبها من هذا الفلكلور الذي يتجسد في عادات وتقاليد راقية مارسها الأجداد قديماً ويبقي عليها أبنائهم اليوم.
الحاج حسن المصدر وهو على أبواب العقد الثامن من العمر، ومن القلة المسنين الذين يتمتعون بذاكرة قوية؛ يتحدث لـ”الثريا” عن العادات والتقاليد وعن مراسم الأفراح والأتراح.
عن الزواج في مدينة المصدر يحدثنا الحاج حسن فيقول:” يذهب والد وأعمام العريس والمقربين منه ويسمون بـ “الجاهة” لبيت الفتاة ويتقدمون لخطبتها من والدها، ويتم تحديد المهر وموعد حفلة الزفاف هذا الأمر يحدث في جميع المدن الفلسطينية”.
ويضيف :” قبل حفلة الزفاف سواء بيوم أو اثنين أو ثلاثة، يأتي رجال القرية وصغارها لبيت العريس لمشاركة العريس ووالده وأشقائه في الاحتفال، وأبرز مظاهر الاحتفال هي”السامر” أو “الدحية”، وهي أن يقف الأفراد بجانب بعضهم في صف واحد؛ ويقابلهم شخص واحد ينشد الأغاني الشعبية وهم يرددون من ورائه ما يُسمى بـ”البدَيع”، إضافة إلى “الدبكة” وهي أن يقف الرجال بجانب بعضهم ويؤدون حركات الدبكة المعروفة اليوم”.
ويتابع: “أما يوم الزفاف فيلبس أهل العروسة العباءة والثوب، ويأتي زوجها ليأخذها لبيت الشعر، والذي يسمى بـ “البرزه”، فتركب الهودج وتكون محاطة بالنساء الفرحات من قريباتها ومعارفها، وفي أجواء من الزغاريد والأغاني تزف العروسة لبيتها الجديد، وهناك تجلس النساء حول العروس وتغني لها احتفالا بها”.
ويواصل الحاج حسن :” في اليوم التالي يقدم الغداء عند أهل العريس بعد أن يذبحوا الذبائح لاستقبال المهنئين بالزفاف، ويحضر العريس الغداء ويستقبل مهنئيه، ويترك زوجته مع أهلها وقريباتها اللاتي جئن لتهنئتها ، ويحضروا لهن الغداء في بيت العروس”.
كانت تلك عادات أهل قرية المصدر في الأفراح والأتراح وعند وفاة أحد ما يقول الحاج حسن: ” فيتم استدعاء الرجل –عند وفاة رجل- أو المرأة – عند وفاة السيدة- المختص أو المختصة بغسيل الأموات، ليغسلوا الميت ويحضروه للدفن، وفي تلك الأثناء يتم ذبح الذبيحة وتحضير الغداء وهو مايسمى بـ”الرحمة” عن روح الميت، ثم يأخذوه ليصلوا عليه ومن ثم يدفنوه، ويستقبل العزاء في ديوان العائلة، ويستمر ثلاثة أيام يرافقها تقديم الغداء أو “الرحمة””. ويتابع :”أبرز طباع القرية والباقية حتى الآن الطيبة والشهامة والهبة لنجدة الآخرين والتسامح والوحدة والألفة”.
ويتابع المصدر:” القرية الآن تعج بمنازل المواطنين المبنية على الطريقة الحديثة ويوجد بها مدرسة ” ابن زيدون الأساسية” التي يلتحق بها أبناء القرية بالإضافة لأبناء بعض القرى المجاورة، ونادي وطرقها عُبِّدت، وكانت أول شبكة صرف صحي في المحافظة الوسطى في قرية المصدر، ومشاريع بنية تحتية أخرى، تم إنجازها بالتنسيق مع دائرة المشاريع في وزارة الحكم المحلي”.
و أخيرا فإن قرى فلسطين و مدنها كل منها يحمل عبقا من رائحة الثبات و التحدي ، و يحفر نقش الصمود الذي استمدته الأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل يحملون في يد مفتاح عودتهم و في الأخرى قلم التحرير و السلاح النصر.