كيف تتجنب شيب الشعر؟
إعداد: دكتور وهيب سعيد شحادة استشاري الأمراضِ الجلديةِ والعنايةِ بالبشرةِ.
من المعروف أنّ شَعر الإنسان ينمو ويسقطُ ضِمنَ منظومةٍ دقيقةٍ؛ عبارةٌ عن دورةِ حياةٍ تتحولُ فيها بُصيلةُ الشعرِ من مرحلةٍ إلى أخرى، ما بين النمو المستمر والسكونِ، ومن ثم السقوط ،لتنموَ مكانها بصيلةٌ جديدة، تبدأ معها دورة حياةٍ جديدة. و تتأثر دورة حياة الشعرةِ بعواملَ كثيرةٍ، سواءٌ داخليةً مرتبطةً بالتغيراتِ الفسيولوجية والمَرضيةِ داخل جسمِ الإنسانِ، وأخرى خارجيةً مرتبطةً بالأجواءِ الخارجيةِ المحيطة بنا.
هذه العواملُ سواءٌ الداخليةَ أو الخارجية؛ لا تؤَثرُ فقط على دورةِ حياةِ الشَعر, بل أيضاً على نضارتِه وصحته، وكذلك لونُه الذي له أهميةٌ جماليةٌ كبيرة عند الجميعِ, وتحوّلُ أو تغيّرُ لون الشعرِ؛ من اللونِ الطبيعي إلى اللونِ الأبيضِ، أو الرمادي ،والذي يسمّى بالشيبِ،وهذا يُعَدُّ مشكلةً مقلِقةً للكثيرينَ، لِما له من مدلولٍ على تقدّمِ الإنسانِ بالعمر، أو معاناتِه من مشاكلَ نفسيةٍ وجسدية.
والشيبُ هو عمليةٌ تفاعلية ناتجةٌ عن توقُّفِ الخلايا الملوّنة في بصيلةِ الشعرِ، عن تصنيعِ المادةِ الملوّنةِ ( الميلانين).
يصابُ شَعرُ الإنسانِ بنوعَينِ من الشيبِ؛ هما: الشيبُ المبكّرُ، والشيبُ الناتجُ عن التقدمِ بالعمر.
أولاً الشيبُ المبكّر:
يبدأ ظهورُ الشيبِ المبكّرِ على جانبَي الرأس, ومن ثم ينتقلُ الى وسطِه، ونادراً ما يَظهرُ الشيبُ المبكرُ في مؤخِرةِ الرأس.
أولُ ما يبدأ الشيبُ المبكرُ في الظهورِ؛ يكونُ في جذعِ الشعرةِ، و يستمرُ في الانتشارِ حتى يصلَ إلى أطرافِها، ليغطيَ جسمَ الشعرةِ بالكاملِ، و هذه العمليةُ تأخذُ وقتاً طويلاً حتى تكتملَ، ولكنْ في بعضِ الأحيانِ يَحدثُ الشيبُ، وينتشرُ بفترةٍ زمنيةٍ قصيرة]، و بسرعةٍ كبيرةٍ جداً؛ قد تصلُ إلى عدّةِ سويعاتِ، وهذا النوعُ يَحدثُ عند تعرّضِ الإنسانِ لصدمةٍ عصبيةٍ قويةٍ جداً، ونذكرُ هنا القصةَ الشهيرةَ للسيدةِ الفرنسية (ماري انطوانيت) عندما تمَّ اعتقالُها أثناء الثورةِ الفرنسية، وعندما صدرَ بحقِّها حُكمُ الإعدامِ؛ بواسطةِ المقصلةِ؛ عندها تحوّلَ شَعرُها الأصفرُ إلى اللونِ الرمادي الشايبِ، خلالَ ساعاتٍ معدودةٍ؛ نتيجةَ الشدِّ العصبيّ الشديدِ الذي تعرّضتْ له.
إنّ السببَ الأساسُ لظهورِ الشيبِ المبكرِ _كما ذكرْنا سابقاً_ يعودُ إلى توقفِ تصنيعِ المادةِ الملوّنةِ للشعرِ في الخلايا الخاصةِ بذلك، ويَرجعُ ذلك التوقفُ إلى عدّةِ أسبابٍ؛ مِثلَ العاملِ الوراثي، والعاملِ النفسي، والضعفِ البدَني العام والهزالِ، ونقصِ بعضِ المعادنِ و الفيتاميناتِ؛ مِثلَ (الفوليك أسيد، والنحاس ومجموعة فيتامين ب) ويلعبُ كذلك فقرُ الدمِ دوراً مُهماً في ظهورِ الشيبِ، و كذلك أمراضُ الجهازِ الهضمي، وخللُ الغدّةِ الدرقية. ويُعتقدُ أنّ بعضَ الأمراضِ الجلديةِ قد تزيدُ من احتمالِ ظهورِ الشيبِ المبكّر؛ مِثلَ التهابِ الغُدد الزهميةِ، وأمراضِ فروةِ الرأسِ المختلفة.
ثانياً: الشيبُ الناتجُ عن التقدّمِ بالسن:
التغيّراتُ التي تحدُثُ للشعرِ مع التقدمِ بالسنِّ كثيرةٌ، ولكنّ التغيراتِ المتعلقةَ بظهورِ الشيبِ؛ نستطيعُ أنْ نختصرَها بأمرَينِ مُهمّينِ؛ هما قلةُ عددِ الخلايا المصنّعةِ للميلانين، وازديادُ الفراغاتِ والجيوبِ الهوائيةِ بين خلايا الكيراتين المكوّنةِ لجسمِ الشعرِ، وهذا يؤدّي إلى أكسدةِ الميلانين المتواجدِ في الشعرِ، وبالتالي تكوُّنُ اللونِ الرمادي للشعرِ أو الشيبِ.
إنّ الاهتمامَ بالصحةِ العامةِ، وبالتغذيةِ الصحيةِ، وبنظافةِ الشعرِ، و علاجِ الالتهاباتِ الصديديةِ المحتملِ ظهورُها بأيِّ مكانٍ من الجسمِ، وكذلك الحرصُ على عدمِ حدوثِ الإمساكِ، بالإضافةِ إلى الابتعادِ عن التوترِ النفسي والعصبي؛كلّها عواملُ مُهمّة؛ تؤدّي إلى تقليلِ إمكانيةِ ظهورِ الشيبِ.
ليس هناك طرُقٌ علاجية تمنعُ ظهورَ الشيب، أو تزيلُه في حالِ حدوثِه غيرَ صبغاتِ الشعر, وتعدُّ الحِناءُ الطريقةَ المناسبةَ للتخلصِ من الشيبِ؛ لعدمِ احتوائها على موادٍ تضرُّ الشعرَأو فروتَه, وهناك ثلاثةُ أنواعٍ من صبغاتِ الشعرِ، ما بين الصبغاتِ النباتيةِ، والصبغاتِ العضويةِ الصناعيةِ، والصبغاتِ المعدنية.
المقصودُ بالصبغاتِ النباتية؛ هو مسحوقٌ من نباتاتٍ وأزهارٍ محدّدة؛ تحتوي على الشاي الصيني، واللوز، والتينِ، والبابونج، وأشهرُ هذه الصبغاتِ؛ هي الحناءُ والكحل، وهي موادٌ بالإضافةِ إلى أنها تحتوي على ألوانٍ تغيّر لونَ الشعرِ؛ إلا أنها أيضاً تحتوي على موادٍ قابضةٍ؛ تمنعُ تهيّجَ الفروةِ، وتعالجُ الالتهاباتِ، ويبقى تأثيرُ الحناءِ على الشعرِ لعدّةِ أسابيع. والمقصودُ بالصبغاتِ الصناعيةِ؛ هي التي تحتوي على الأمونيا، وموادٍ مؤكسدة، والتي تغيّرُ لونَ الشعرِ، من خلال ترسُّبِها على طبقةِ الكيراتينِ الخارجيةِ، و تتميزُ الصبغاتُ الصناعيةُ بسهولةِ استخدامِها، وبتعدّد ألوانها، من خلال التحكُمِ بدرجاتِ اللونِ المطلوبِ، إلا أنها في كثيرٍ من الأحيانِ تسبّبُ حساسيةً تماسيةً في الجلدِ وفروةِ الرأسِ، فتُحدث حكّة شديدة في فروةِ الرأسِ، مع تهيّجٍ واحمرارٍ في الجلدِ.
وكثرةُ استخدامِ الصبغاتِ الصناعيةِ؛ يجعلُ الشعرَ باهتاً ومتكسّراً ومقصّفاً، وقد تكونُ السببَ في حدوثِ تساقطِ الشعر. والنوعُ الثالث من الصبغاتِ؛ هي الصبغاتُ المعدنيةُ، والتي تتكونُ من أملاحٍ ثقيلة غيرِ عضويةٍ؛ مِثلَ (خلاتِ الرصاصِ، والكبريتِ المرسّب) وهي من أكثرِ الصبغاتِ تغييراً للشعرِ من حيثُ إحداثِها لتساقطِ الشعرِ، عند الإكثارِ من استخدامِها، وقد تناقصتْ صناعتُها بالفترةِ الأخيرة؛ نتيجةَ تأثيراتِها السلبيةِ على الشعر.
يجبُ على الأشخاصِ الذين يعانون من ظهورِ الشيبِ؛ عدمُ الإجحافِ في استخدامِ صبغاتِ الشعرِ؛ حتى لا يجِدوا أنفسَهم في مأزِقٍ كبيرٍ؛ عندما تكونُ هذه الصبغاتُ سبباً في فقدانِهم لكمياتٍ كبيرةٍ من الشعرِ، أو معاناتِهم من حساسيةٍ وحكّةٍ في فروةِ الرأسِ؛ تكونُ مزعجةً ومُحرِجةً لهم, فالوقايةُ دائماً خيرٌ من العلاجِ.