غير مصنف

المراهق المستبد … احترم شخصيته ينكسر تمرده

تحقيق : أنوار هنية

تذمر، وتمرد، وصراخ، جميعها ظواهر ترافق المراهق المتمرد داخل البيت وأمام  ذلك يقف الوالدين في حيرة عاجزين عن التصرف بعد فقدان الحوار الذي بات مرفوضا من قِبل المراهق، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابات واقعية، كيف يوظِّف الأهل طاقات المراهق لصالحه ولصالح أهله وبلده والمجتمع ككل؟ وهل نقتدي بالصحابة رضوان الله عليهم، فقد أُمِّر أسامة ابن زيد على جيش من خيرة الرجال وهو بين يدي سن الحلم، وكذا مصعب ابن عمير الذي انتدبه رسول الله داعية إلى المدينة ولم يبلغ الثامنة عشر، وما كان ذلك إلا لترعرعهم تحت مظلة الإسلام ، فكيف يتصرف الأهل مع أبنائهم ليسيروا على ذات النهج وما الأساليب التي يمكن إتباعها في ذلك؟

تعالت أصواتهم من بعيد وخرجت كلمات الابن لوالده كالصاعقة لينهي النقاش ويخرج من البيت:” لن أدخل الجامعة، وإذا أجبرتموني على ذلك سأترك البيت”، وقف الوالد مشدوها فلم يصدق ما تسمعه أذنيه بينما حاولت الزوجة الاقتراب من زوجها لتخفف وطأة الموقف، جلس الوالد على أقرب مقعد، ليستعيد ثباته وكلمات ابنه ما زالت تردد في أذنيه:” لماذا تجبروني على ما لا أريد، لا أرغب في الجامعة أريد أن أدخل الشرطة فهي ما أحلم به ولا أريد الجامعة ولا الدراسة”، ورغم محاولات الإقناع المتكررة من والديه وشرح الكثير من النماذج له إلا أنه حسم قراره بآخر عبارة التقطتها أذن والديه، صمت وحيرة أطبقا على المكان، فلم يعد الأب يعرف ماذا يفعل فهل يستخدم معه الشدة بينما لم ينفع معه الحوار واللين؟ وما الأسلوب الذي يتبعه معه؟

سؤال فتح الباب على مصراعيه لنقاش آليات التعامل مع المراهقين، يعقب عليه د. درداح الشاعر بالقول :”المراهقة احدى مراحل العمر العادية وإما إن تمر بشكل اعتيادي وتكون خفيفة أو تمر بشكل استثنائي وتكون عنيفة يتوقف ذلك على الأساليب المستخدمة في التعامل مع المراهقين فإذا اقتربنا منه اقتربت المسافة النفسية بحيث بتعرف الأهل على رغباته وحاجاته ومخاوفه وأحلامه ومستقبله، وأصدقاؤه ومعرفة ما يحب وما يكره ، وكذلك يشاركونه في كل شيء، الزيارات والعبادة، وعدم تهميشه فينشأ على قدر من الوعي، وتكون الفجوة قصيرة بينه وبين أهله”.

وذلك ما يؤكده د. جميل الطهراوي الذي يرى أن الفترات الانتقالية في حياة الإنسان مربكة، فالمراهقة ما بين الطفولة والرجولة وتحدث فيها تغيرات بيولوجية تؤثر على الإنسان، ومن الصعب أن تفصل الناحية الجسدية عن العقلية فيحدث ارتباك وبعض الرعونة في التصرفات، وجزء من الأفكار اللاعقلانية”.

ويضيف د. الطهراوي :”التربية عملية صعبة جدا ومعقدة تحتاج إلى صفات النبوة وحسن التصرف والذكاء، فيجب أن ننهج نهج رسولنا الكريم الذي ترك لنا من سننه ما يرشدنا به إلى التربية السليمة فلو طبقنا قول علي بن أبي طالب المستمد من نهج النبوة” (لاعب ابنك لسبع وأدبه لسبع وصاحبه لسبع)، لعملنا كيف نتعامل مع أبنائنا”.
ويؤكد كلا من د. الشاعر ود. الطهراوي أنه في حالة إرغام المراهق وعدم استخدام المنطق السليم وقهره ورفض أصدقائه بطريقة عنيفة وإشعاره أنه قليل الحيلة والخبرة ستنشأ فجوة نفسية ينتج عنها العناد والتمرد ومخالفة الرأي، فيجب مصادقة الابن منذ البداية وليس عند موقف معين مع استخدام أسلوب الإقناع والمحاورة  والمتابعة المستمرة.

عجزت عن الحل

كثيرا ما طرقت آذاننا شكاوى المراهقين من سياسات القمع الأسري المفروضة عليهم والتي تحرمهم من حق التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم، ولكننا في هذه السطور ننقل صرخات أخرى غير تلك التي عهدناها، هي صرخات الآباء والأمهات من أبنائهم المراهقين،  فلم يكن التهديد الذي ألقى به (ن، س) كلاما عابرا فقد كان يهدد والديه أنه لن يذاكر حتى يحصل على سيارة، وبالفعل نفذ تهديده ولم ينجح في الجامعة في فصله الثاني منها، فهو يريد من أهله أن يشتروا له سيارة ليعمل عليها، ورغم أحاديث والديه المتكررة معه إلا أنه نفذ تهديده ليضع والديه تحت الأمر الواقع كما تقول والدته والتي تساءلت باستنكار:”يقولون لنا حاوروا أبناءكم ولم نألُ جهدا من محاورته لكنه نفذ في النهاية ما يريد، عجزنا عن التصرف معه أنا ووالده، فقد أصبح متمردا على كل من حوله حتى إخوته الصغار وكل ذلك لنرضخ لطلبه”.

ويعقب د. الشاعر على محاورة الأبناء بالقول:” علينا إن نحاورهم بالحوار الكلامي والسلوكي وليس فقط الحوار الكلامي، بحيث لا ينفذ الأهل أمر متعلق به دون العودة إليه وسؤاله بطريقة تعطي لديه الاختيار مثال(ما رأيك في هذا الموضوع؟ ما الذي يرضيك؟ ولا اسأله مثلا هل ستدرس بل أبادر بسؤاله ما الطريقة التي ترغب في إتباعها في الدراسة؟ هل أساعدك في وضع جدول وهكذا..)، بمعنى أن يكون الحوار حقيقيا وقائما منذ بداية التنشئة وليس فقط حينما تحدث مشكلة معينة بل يكون عرض دائم للأمور ومناقشتها يوميا، ويكون الحوار في ظروف نفسية راضية و مُرضِية وليس في أوقات الشد العصبي وفي أوقات اتخاذ القرار فقط، فيمكن فتح باب الحوار ومنحه ثقة سلوكية بحيث يتم تكليفه بالقيام ببعض المهام وإشراكه في تحمل المسئولية وتبصيره في قضايا الأسرة وإشراكه في هموم إخوته حتى يتحمل جزءاً من المسئولية مع الوالدين.
ويستدرك د. الشاعر :”وعلى الوالدين فهم قاعدة التعامل مع أبنائهم وهي تسمى، المعاملة الوالدية وهي تقوم على أساس يسمى (المعاملة النقية) التي تعني الحب الكبير للآخر والخوف القليل منه، فيحتضن الأب ابنه منذ صغره وليس في مرحلة ما (احتضان نفسي وفكري)، فيكون منبع الحب وله، وكذلك الخوف القليل من الوالد، حتى لا تُدَمر صورة الأب الوالدية العظيمة”.

 أسس سليمة

وفي لقاء آخر من أحد الآباء (م،ع) 45 عاماً، يقول للسعادة :”لم يعد الأمر متعلقا باحتياجات صغيرة لنتفاهم مع ابني عليها لكنها تعدت ذلك فهو يربط طاعته لنا بشرط الحصول على دراجة نارية رغم أنه لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره وأنا ارفض ذلك رفضا قاطعا وحينما جلسنا معه وشرحنا له خطورة قيادتها لم يقتنع بما نقوله له وأصر على موقفه، وأصبح أكثر عنادا ولم يعد يستمع لأحد ولم أجد أمامي سوى الشدة، وما زال السجال دائراً”.

استشارت السعادة الأخصائي النفسي والاجتماعي نور الدين محيسن الذي بادر بالقول:”إن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ قد سبق الجميع بقوله: “علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”، فالمراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية)، ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة، داخلية وخارجية.

ويشير محيسن :”أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثم يحجم الأبناء، عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها.
وقد أجمعت الاتجاهات الحديثة في دراسة طب النفس أن الأذن المصغية في تلك السن هي الحل لمشكلاتها، كما أن إيجاد التوازن بين الاعتماد على النفس والخروج من زي النصح والتوجيه بالأمر، إلى زي الصداقة والتواصي وتبادل الخواطر، و بناء جسر من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق والأخ لا بلغة ولي الأمر، هو السبيل الأمثل لتكوين علاقة حميمة بين الآباء وأبنائهم في سن المراهقة”.

ويحذر محيسن في ذات الوقت من المبالغة والاهتمام الزائد في هذه السن حتى لا لما له من آثار سلبية على نفسيتهم فلا بد من بناء جسر من الصداقة والمحبة في تلك الفترة بين المراهق والأهل، كما حذر محيسن من استخدام الشدة مع الأبناء مهما كانت الظروف لأن المراهق من الممكن أن يتحول جراء هذه الضغوط الأسرية إلى شخصية عدوانية تضر نفسها والآخرين حيث تتولد لدى المراهق فيما بعد مشاعر العداوة لذاته ولغيره.

ونبَّه محيسن  إلى أثر هذا الصدام، قائلاً “ينبغي على الأهل احتواء المراهق والتعامل معه بتفهم أكبر وبتوسط، بعيداً عن الشدة أو الليونة، فالأسلوب الاستبدادي في التعامل قد يجعله يفهم أن الحياة بمجملها مجموعة من الأوامر التي هو ملزم بتنفيذها بعيداً عن التفكير والعواطف، مما يترك أثاراً سلبية مستقبلية على شخصيته وسلوكه».

كيف نتعامل معهم؟

وعن كيفية تصرف الأهل مع أبنائهم المراهقين الذين يرفضون الحديث معهم يعقب محيسن :” الطريقة المثلى في التعامل مع أبنائنا نستقيها من ديننا الحنيف، فقد اهتم الإسلام بالصحة النفسية والروحية والذهنية، وفي قصص القرآن الكريم ما يوجه إلى مراهقة منضبطة تمام الانضباط مع وحي الله عز وجل، ومن المعالم الرشيدة التي تهدى إلى الانضباط في مرحلة المراهقة في ضوء القرآن والسنة، الاقتداء بالصالحين : وعلى رأس من يقتدى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاقتداء به وإتباع سنته من أصول ديننا الحنيف، وقراءة سيرته صلى الله عليه و سلم و قراءة سير الصحابة والتابعين للاقتداء بهم، و سلوك مسلكهم، كذلك منها التعاون والتراحم والتكافل؛ وهذا يجعل الفرد في خدمة المجتمع ، ويجعل المجتمع أيضاً في  خدمة الفرد ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمن كمثل الجسد إذا اشتكى الرجل رأسه تداعى له سائر جسده ) صورة شديدة التعبير عن العلاقة الحميمة الوثيقة التي تربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض، وتبين حرص بعضهم على بعض.

ولتحقيق الآباء لعملية الموزانة  بين اللين والشدة مع أبنائهم المراهقين يقول محيسن في ديننا الإسلامي  ما نستنبط منه أسس التربية السليمة لإنشاء التوازن وهي أسس أربعة تتمثل في( تربية الجسم، وتربية الروح، وتربية النفس، وتربية العقل)، وهي تحافظ على الفطرة التي فطر الله الناس عليها بلا تبديل ولا تحريف، فمع التربية الجسمية تبدأ التربية الروحية الإيمانية منذ نعومة الأظفار. وقد اتفق خبراء الاجتماع وعلماء النفس والتربية على أهمية إشراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها مع الكبار في ثقة وصراحة، وكذا إحاطته علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي، حتى لا يقع فريسة للجهل والضياع أو الإغراء

ختاما فإن أبناءنا فلذات الأكباد الذين يجب إحاطتهم بالرعاية لأن بصلاحهم يصلح المجتمع و بفسادهم يفسد، وكما يقولون :”فإن نعم الإله كثيرة وأجلهن نجابة الأبناء”، يجب على الأهل استثمار هذه المرحلة إيجابياً، وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه، ولصالح مجتمعه حتى لا يستبد بنفسه وبمن حوله ويتمرد، وهذا لن يتأتى دون منح المراهق الدعم العاطفي، والحرية ضمن ضوابط الدين والمجتمع، وتنمية تفكيره الإبداعي، وتشجيعه على القراءة والإطلاع، وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة، وتدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات، واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى