قريةُ “خلّة النخلة” تَقِفُ في وجهِ الاستيطانِ الصهيوني.

بقلم / غسان مصطفى الشامي
الاستيطانُ الصهيوني على أرضِ فلسطينَ؛ يُعَدُّ أحدَ أركانِ وركائزِ المشروعِ الصهيوني لاحتلالِ أرضِنا المباركة، والسيطرةِ عليها كُليّاً، وتهجيرِ أهلِها الأصليّينَ منها، وإحلالِ الصهاينةِ الغُزاةِ على هذه الأرضِ، وقد عاشَ اليهودُ في العصورِ الوُسطَى “عصور الظلمات” في أوروبا عَدائيِّينَ مع الآخَرينَ! ويَسعونَ في أوروبا فساداً وإغواءً!؛ لذلك قرّرتْ أوروبا التخلُصَ من اليهودِ بأيِّ شكلٍ من الأشكال، و عاملتْهم بسوءٍ، ونبذتْهم،وأنزلَ عليهم الأوروبيونَ عقاباً كبيراً إلى حدِّ منْعِ رِبا اليهودِ، وحرمانِهم من حقوقِهم في وراثةِ الأرضِ، وحرمانِهم من وظائفِ الدولةِ.
كما صاحَبَ نشوءُ الرأسماليةِ الصناعيةِ في أوروبا الغربيةِ تدَهوُرَ أوضاعِ اليهودِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ, ما جعلَهم يهاجرونَ إلى دولٍ أُخرى؛ بحثاً عن مكانٍ آخَرَ غيرَ أوروبا، فقرَّروا النزوحَ بجماعاتٍ من دولِ أوروبا الغربيةِ إلى أوروبا الشرقيةِ، واستمرَّ اليهودُ في فسادِهم الكبيرِ في أوروبا! وكان اليهودُ يمارسونَ دَورَ التاجرِ، والمُرابي، والخمّارِ ووكيلِ الإقطاعي في استغلالِ الفلاحينَ تحتَ سياطِهم! وفي القرنِ التاسع عشرَ؛ ظهرتْ الرأسماليةُ الصناعيةُ في (روسيا وبولندا) فتأثّرَ وضْعُ اليهودِ بصورةٍ كبيرةٍ، وبشكلٍ سلبيّ، وواجهتْهم نفسُ المشاكلِ في البحثِ عن مكانٍ آخَرَ يؤوِيهم؛ خاصةً أنّ الأوروبيّينَ أصبحوا يكرهونَهم؛ بسببِ فسادِهم وسوءِ أخلاقِهم، ما أظهرَ على السطحِ مشاكلَ اليهودِ؛ حيثُ تعرّضَ اليهودُ بسببِ هذه المشاكلِ في سائرِ دولِ أوروبا إلى الاضطهادٍ؛ إثْرَ المجازرِ الروسيةِ عامَ( 1882م) .
إضافةً لرغبةِ المُموِّلينَ اليهودِ الغربيّينَ بتوجيهِ هجرةِ يهودِ أوربا الشرقيةِ إلى خارجِ أوروبا؛ وذلك بسببِ الأوضاعِ الصعبةِ السيئةِ التي يعيشُها اليهودُ في أوروبا؛ وليس كما روَّجَ إليها رئيسُ الوزراءِ الصهيوني (نتنياهو) في كتابِه “مكانٌ تحتَ الشمس “، قائلاً:” إنّ اليهودَ هاجروا من أوروبا؛ بحْثاً عن أرضِ الأجدادِ”، فهذا كلامٌ باطلٌ ومخالِفٌ للتاريخِ والحقيقةِ.
وقد بدأتْ أنظارُ الصهاينةِ تتّجِهُ إلى أرضِ فلسطينَ؛ منذُ أواخرِ القرنِ التاسع عشرَ، وأصبحوا يفكّرونَ في مكانٍ آخَرَ، ونظروا إلى أملاكِ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ_ وهي تعيشُ آخِرَ سنواتِها_ وبدأُوا ينسجونَ مخطّطاتِهم الخبيثةَ في التواصلِ مع السلاطينِ العثمانيينَ؛ لمَنحِهم فلسطينَ وطناً لهم؛ مقابلَ سدادِ ديونِ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ، وحلِّ مشاكلِهم، وقد وَجدوا صدوداً كبيراً من سلاطينِ الدولةِ العثمانيةِ، ورغمَ ذلك لم يهدأً لليهودِ الصهاينةِ بالٌ؛ حتى بدأُوا يدقُّون المساميرَ من نعشِ الخلافةِ العثمانيةِ، من خلالِ إثارةِ الخلافاتِ والفِتَنِ بين الأتراكِ والعربِ! وساهَموا بشكلٍ كبيرٍ في إنشاءِ (جمعيةِ الاتحادِ والترَقِّي) التي قامتْ في تمّوز عامَ( 1908م) بتدبيرِ ما سُمِّيَ “بالانقلابِ العثماني” ضدَّ السلطانِ “عبد الحميد الثاني”، وقلْبِ نظامِ الحُكمِ، وبدءِ الثوراتِ ضدّ الخلافةِ العثمانيةِ؛ حتى سقوطِها بعدَ (أربعةِ قرونٍ) من قيامها عامَ (1924)م.
ومنذُ ستينياتِ القرنِ التاسع عشر، والصهاينةُ يدعُونَ اليهودَ إلى الهجرةِ إلى أرضِ فلسطينَ، واحتلالِها من أهلِها وأصحابِها، وقد ظهرتْ هذه الدعواتُ في كتاباتِ الحاخاماتِ الصهاينةِ والمُفكِّرين، حيث دعا الحاخام (يهوذا القلعي) (YahudaAlkalai) (1788-1878م) اليهودَ إلى الهجرةِ إلى أرضِ فلسطين، وتجميعِ اليهودِ فيها؛ باعتبارِها عاملاً قوياً ينفي عنهم صِفةَ التشرُّدِ، وكأنّ هذه الكتاباتِ تُقدِّمُ لليهودِ الحلَّ المناسبَ لهم من أجلِ تكوينِ كُتلةٍ يهوديةٍ في مكانٍ واحدٍ؛ تَجمعُ فيه عاداتِهم وتقاليدَهم البائدةَ، وتغيِّرُ هُويّتَهم من التقوقُعِ والاعتزالِ.
كما نشرَ الصهيوني (يهوذا) كتاباً بعنوان ” اسمعي يا إسرائيل” دَعا فيه إلى ضرورةِ وأهميةِ القيامِ بهجراتٍ جماعيةٍ إلى أرضِ فلسطين، كما قال الحاخامُ الصهيوني ( تسفي هيرشكاليشير) (ZeviHirchKhalischr) (1795-1874م) إنّ الخلاصَ سيَجيءُ عن طريقِ الجهدِ البشري، وإقناعِ العالمِ بتجميعِ (شتاتِ بني إسرائيل) في الأرضِ المقدّسةِ، كما نشرَ كتابِه (السعيُّ إلى صهيون) عام( 1862م) دعا فيه لإنهاءِ اضطهادِ اليهودِ في روسيا، والهجرةِ إلى أرضِ فلسطينَ، والاستيطانِ الدائمِ فيها، فيما نادَى الصهيوني الكبيرُ (موشي هش) (Moses Hess) (1812- 1875م ) في كتابِه (روما والقدس) الذي صدرَ في عام( 1862م) ، بإقامةِ دولةٍ صهيونيةٍ في فلسطين، وذَكرَ في كتابِه الثاني بعُنوان (مشروعُ استعمارِ الأراضي المقدّسة) صدَرَ عامَ( 1868م) فِكرةَ استعمارٍ مركَّزةٍ للأراضي الفلسطينيةِ، يسبِقُها إعدادٌ نفسيٌّ وعسكريٌّ للمستوطِنين ( العائدين إلى أرضِ آبائهم ) حتى يتمكّنوا من التصدّي لأصحابِ البلادِ الأصليِّين.
حديثاً قرّرَ شُبّانٌ فلسطينيون وضْعَ عددٍ من الخيامِ على أراضي قريةِ (خلّة النخلة) الفلسطينيةِ؛ التي تزيدُ مساحتُها عن(500) دونمٍ، ردّاً على اقتحامِ الصهاينةِ المستوطِنينَ للقريةِ، وشروعِهم بتجريفِ الأرضي بواسطةِ أدواتِ حفرٍ يدويةٍ، بهدفِ الاستيلاءِ عليها لأغراضٍ استيطانيةٍ، كما أنّ القريةَ ومحيطَها يتعرّضونَ منذُ فترةٍ إلى هجمةٍ شرسةٍ من سلطاتِ الاحتلالِ والمستوطِنين للاستيلاءِ عليها؛ في محاولاتٍ مستمرّةٍ من مستوطِني “أفرات” للاستيلاءِ عليها، وسرِقةِ آلافِ الدونماتِ الأُخرى جنوبَ وشرقَ بيتَ لحم! في إطارِ مُخطَّطِ القدسِ الكبرى، وتُذكِّرُنا أحداثُ قريةِ (خلّة النخلة) بالدورِ الكبيرِ لحوالي (250) شاباً وشابةً من مختلفِ المناطقِ الفلسطينيةِ؛ لوقْفِ الاستيطانِ ومصادرةِ الأراضي في القدسِ، حيثُ أقامَ النشطاءُ قريةً أطلَقوا عليها اسم” قرية باب الشمس” أقامَها النشطاءُ في( 11/1/2013 )لمواجهةِ الاستيطانِ الإسرائيليّ في القدسِ، فيما أصدرتْ سلطاتُ الاحتلالِ الصهيونيّ قراراً بِهدْمِ القريةِ, وحاصَروها صباحَ اليومِ التالي ودمَّروها!.
إنّ الاستيطانَ الصهيونيّ شبَحٌ كبيرٌ يحيطُ القدسَ والضفةَ المحتلّةَ بغلافٍ كبيرٍ من المستوطناتِ، ويأكلُ أرضَنا رويداً رويدا؛ بحيثُ يَفقدُ الفلسطينيون القدرةَ على إقامةِ دولةٍ على أرضِهم؛ لأنّ اليهودَ يخطِّطونَ لثباتِ المستوطناتِ في مكانِها؛ لتصبحَ أمراً واقعاً مفروضاً على الفلسطينيينَ للقَبولِ به .
كما أنّ الجمعياتِ الاستيطانيةَ الصهيونيةَ، وسلطةَ الآثارِ (الإسرائيلية) يبحثونَ _جادِّينَ_ عن آثارٍ يهوديةٍ في المسجدِ الأقصى داخلَ الترابِ، فقد اقتحمَ مؤخَّراً قطعانُ المستوطنينَ المسجدَ الأقصى المباركَ؛ يقودُهم نائبٌ عن حزبِ الليكودِ الصهيوني، وجمعياتٍ صهيونيةٍ تُخطِّطُ لنَقلِ واستخراجِ أتربةٍ من أسفلِ المسجدِ الأقصى المباركِ، ووضْعِها في أماكنَ مخصَّصةٍ عندَ الصهاينةِ؛ بحُجّةِ البحثِ عن آثارٍ يهوديةٍ في هذا الترابِ، وقد توَقّفَ المقتحِمون الصهاينةُ عند أكوامٍ من الرملٍ موضوعةٍ عندَ المُصلَّى المَروانيّ، تمَّ استخراجُها قبلَ سنواتٍ خلالَ عملياتِ ترميمِ المُصلَّى، وقد منعَ الصهاينةُ المَقدسيِّينَ من التصرُفِ في هذه الأكوامِ، وقرّروا نقْلَ الأكوامِ الترابيةِ للجمعياتِ الصهيونيةِ التراثيةِ؛ بِحُجَّةِ البحثِ عن آثارٍ يهوديةٍ داخلَ أكوامِ الترابِ …
قريةُ باب “خلة النحلة” وقريةُ “باب الشمس” تَكبَرُ فينا كلَّ يومٍ، وحُلمُ العودةِ والبناءِ وعَمارِ أرضِنا؛ نشأَ معنا ونحن صِغارٌ، وسيَبقى إلى أنْ تتحرَّرَ أرضُنا من دَنسِ المُحتلِّ الغاشمِ، وإقامةِ دولتِنا الفلسطينيةِ، وعاصمتُها القدسُ الشريفُ إن شاء الله …