المجاهدون يودعون ذويهم ويصيغون أروع سيمفونيات العزة والكرامة

الثريا: انوار هنية
في فلسطين كل شيء مختلف، فليست الأمهات كمثيلاتهن، ولا الشباب كغيرهم ولا الأطفال كذلك، أمهات يودعن أبناءهن، بدموع صامتة يأبى كبرياؤهن إظهارها، و أبناء يعدون عدة الرحيل لمواجهة المحتل يقبلون أيادي والديهم و يعلنون الرحيل بمشهد مهيب يعكس معاني للعزة لا يفهمها الكثيرون، فمن تربى على موائد القرآن ليست كمن تربى على أصوات المغنين.
لحظات تلك الفاصلة بين وداع (م،ع) وخروجه لمجابهة المحتل ووصيته لوالدته الصابرة المحتسبة:”ارضي عني وإن سمعت نبا استشهادي فلا تصرخي ولا تجزعي، وارفعي راسك عاليا فإني خارج لأقول للمحتل أرضنا عصية عليكم لا تقبل الغرباء”، دموع صامتة تخرج من المقلتين، فلا يمكن قتل المشاعر وبعزة الأمهات الفلسطينيات تقول لابنها سأزفك يوم استشهادك وسأقول لربي:” ربيت ابني كما علمتني”، وخرج الابن ليعلم المحتل دروس العزة.
مشاهد الوداع في هذه اللحظات الحاسمة كثيرة تختلف باختلاف أبطالها، ففي غزة لا مكان للتخاذل والتكاسل، ووقتما حلت الحرب حل معها “حي على الجهاد”، عقيدة استقاها الفلسطينيون منذ نعومة أظافرهم، يتعلمونها ويترجمونها أفعالا حينما يحين وقتها، فقد ترك (أ،ص) زوجته وأطفاله الخمسة ووصيته لزوجته:”حدثيهم عن المحتل كيف اغتصب أرضنا واستباح خيراتنا، إن لقيت ربي ولم أعد قولي لأبنائي واصلوا درب الجهاد ففيه العزة والكرامة وتحرير البلاد، قولي لأبنائي استشهد والدكم في ساحة الميدان يدافع عن كرامتكم”، لم تقوَ زوجته على الكلام وبعينيها الدامعتين نظرت له نظرة الوداع وقد تشابكت أيديهم قبل أن تحين اللحظة الفاصلة لخروجه، قلبها ينطق باسمه ودعواتها تلفه وتلف المجاهدين، أنفاسها تتصاعد بين الفينة والأخرى كلما سمعت صوت قصف، ويتراقص قلبها فرحا كلما سمعت أنباء عن قصف المحتل”.
وفي مشهد عز، تقابل ثلاثة مجاهدين تلفهم ذات الجدران، ويودعون ذات الأشخاص نظر والدهم إلى ثلاثتهم بنظرات فخر قائلا لهم:”لهذا اليوم أعددتكم، و لهذا اليوم غرست فيكم قيم العزة والجهاد”، ولم تتمالك والدتهم نفسها من البكاء، لكنها من عمق ألمها تدرس دروس العزة وتمسح معان الهوان بجبروتها، فتقول لهم:” انتظرت اليوم الذي أراكم فيه عرسانا تزفون إلى عرائسكم، لكنني سأسعد أكثر حينما تزفون إلى الحور العين دفاعا عن عزة الوطن”.
وحتى الصغار باتوا يعرفون معنى الوداع، فقبل (ع، س) ابنه الثمانية أعوام وقال له:”أنت رجل البيت في غيابي الآن، فكن كما عودتك، وسر على ذات الدرب، إذا لم أعد فكن عونا لوالدتك وأختك، فتسارعت نبضات قلب ذلك الطفل الذي كبر قبل أوانه، واحتضن والده بشدة و بصعوبة بالغة حاول الوالد أن يبعده هوينة هوينة وقد اختلطت دموعهم بعضها بعضا، الكلمة التي استطاع الابن التفوه بها:”سأنتظرك يا أبي و سأسير على دربك”.
نعم كثيرة هي تلك المشاهد التي تهتز لها الجبال ووتنفطر لها القلوب، لكنه قدر الفلسطينيين ان يصيغوا مفاهيم العزة والإباء بمداد الفراق والاسشهاد والحرقة، فيصيغون أروع سيمفونيات العزة والكرامة بلغة الصمود و المقاومة ولا تزال الحكاية مستمرة تتبع بتفاصيل جديدة لشعب لم يكتب لنفسه إلا الحرية والانتصار.