“المُعتز” يثأرُ للقدسِ بدمائه الطاهرة

الثريا: ولاء الرنتيسي
ساحةٌ مقدّسةٌ، وأضواءٌ خافتةٌ، وأنينٌ يأكلُ جدرانَ سقفٍ؛ حملَ قُبّةً منها صعدَ نبيُّنا إلى سابعِ سماءٍ… أرضٌ ومسجدٌ نالَ من التقديسِ و التعظيمِ؛ حتى سطَّرَ ربُّ العزّةِ حروفَ اسمِه بأعظمِ كتابٍ سماويٍّ، أرضٌ ارتوتْ من الدماءِ، ما يفوقُ ألفَ قرنٍ!! أرضٌ أنبتتْ من دماءِ الشهداءِ ألفَ نُطفةٍ من (مُعتز ورائد صلاح) من “صلاح” ألفُ حارسٍ للقدسِ، ومن “مُعتز” مئةُ مقاومٍ، لم يسمعْ “معتز” سِوى صوتِ “طلْقةٍ” وسْطَ صمتٍ عربيٍّ إسلاميٍّ و دَولي!!. “الثريا” تسلّطُ الضوءَ على أحداثِ القدسِ الأخيرةِ، ومَشاهدِ عملياتِ الشبانِ المَقدسيّين في رحابِ المدينةِ المقدّسةِ.
شبابٌ فلسطينيونَ دفعتْهم الحَميّةُ للدفاعِ عن المسجدِ الأقصى من محتلٍّ غاصبٍ؛ لم يُراعِ حُرمةَ مسجدٍ أو مكانٍ مقدّسٍ، و مزيدٌ من الانتهاكاتِ والحفرياتِ، وتَعَدٍّ متواصلٍ على حُرماتِ المَقدسيّين، وفي سابقةٍ هي الأولى؛ تُغلَقُ أبوابُ المسجدِ الأقصى بأصفادِ الصهاينةِ المُهترئةِ، ففجّرَ “المعتز” بدمائهِ الزكيةِ ثورةً من أجلِ القدسِ، وارتقَى شهيداً يهتفُ العالمُ الحرُّ باسمِه، ماتَ البطلُ من أجلِ مَسراهُ.
كلُّ ذلك يَحدثُ في ظِلِّ عالمٍ يشاهدُ تدنيسَ الأقصى بصمتٍ مُطبقٍ!! بل ومُصفِقاً لهيكلٍ مزعومٍ من أجلِه استبُيح مَسرانا، ولم نرَ غَيرةَ “المعتصم” وحرقةَ “صلاح الدين” في عيونِ العربِ! ولم نشاهدْ إلا مباركةً لإسرائيلَ! ودعماً كثيراً من أجلِ نيلِ رِضى محتلٍّ ملعونٍ!
حياةُ “معتز”
من القدسِ أشرقتْ شمسُ “معتز إبراهيم حجازي”، وكان العامُ (1982 )شاهدٌ على ميلادِ البطولةِ، في بلدةِ “سلوان” ترعرعَ “معتز” و ترعرعتْ معه شجاعةُ الفرسانِ، التي استقاها من حليبِ والدتِه، حالُه كحالِ كلِّ فلسطينيٍّ يأبَى العيشَ في ذُلِّ الاحتلالِ، كان “لمعتز” من اسمِه نصيبٌ، فهو لا يَقبلُ العيشَ إلاّ بعِزّةٍ و كرامةٍ، و يأبى لغةَ الضعفِ و الخنوعِ مَهما كلّفَه الثمنُ، غيرَ آبِهٍ بسجنٍ أو طلقةٍ تخترقُ جسدَه، فالكرامةُ ثمنُها غالٍ، ودفعَ “معتز” ثمنَ كرامةِ الوطنِ.
تشرّفتْ سجونُ الاحتلالِ بحلولِه ضيفاً عليها، أحدَ عشرَ عاماً ونصف’ لم تُفتِرْ من عزيمتِه أو تأكلُ شيئاً من مبادئهِ، بل زادتْه إصراراً على مناهضةِ الاحتلالِ، عشرُ سنواتٍ انفرادي قضّاها في سجونِ الاحتلالِ؛ كانت مدرسةً جديدةً بالنسبةِ له؛ في الصبرِ و التحمُّلِ و صُنعِ الحياةِ من العدمِ، لم تُوهِنْ من عزيمتِه لحظةً؛ بل كانت دافعاً جديدًا لقولِ ” لن يعيشَ المحتلُّ هانئاً على ثرَى وطنِنا”.
اعتُقلَ “معتز” عام (2000) لمشاركتِه بتظاهراتِ التنديدِ بالانتهاكاتِ الصهيونيةِ للقدسِ الشريفِ.
في مقابلةٍ عبرَ الهاتفِ أجرتْها “الثريا” يحدِّثُنا والدُ الشهيد معتز:” لم أتوقعْ أنْ يكونَ “معتز” صاحبَ هذه المبادرةِ _ليس لشيءٍ_ فقد عُرفَ عنه بالبسالةِ و الشجاعةِ منذُ صغرِه، لكنني لم أكنْ أعلمُ أنه أحدُ أفرادِ المقاومةِ، فقد أخفَى علينا ذلك؛ كي لا يُقلِقَنا عليه، لكنه لا يعلمُ أنه وضعَ على صدورِنا وسامَ العِزِّ “.
وكان “معتز” كما يصِفُه والدُه صائماً قائماً، متهجّداً بالليلِ، مُقيماً للفروضِ، معروفاً بابتسامتِه، الودودةِ التي تبعثُ الراحةَ في نفسِ كلِّ مَن حولَه، ولا يهابُ في الحقِّ لومَ لائمٍ.
ويبيِّنُ والدُ الشهيدِ “معتز” أنّ ابنَه _منذُ نعومةِ أظافرِه” قلبُه متعلّقٌ بالمسجدِ الأقصى، و يتوقُ لحريةِ وطنِه، و دَحرِ الاحتلال عن ثرَى الوطنِ، موضّحاً أنّ “معتز” كان يتألمُ كثيرًا كلّما رأى مَشاهدَ الاقتحاماتِ المتكرّرةِ للمسجدِ الأقصى، و كانت تثورُ به الحَميّةُ من الحفرياتِ التي طالتْ أجزاءً كبيرةً من المسجدِ الأقصى .
وأكملَ حديثَه باكياً :” أنا فخورٌ بما أقدمَ عليه فِلذةُ كبدي، وسعيدٌ باختيارِ اللهِ لروحِه الشريفةِ، و هذا الطريقُ هو طريقُ التحريرِ والنصرِ”.
وتَحدّثَ أصدقاءُ الشهيدِ المَقدسي عن هدوئهِ المُنسجمِ مع قلّةِ كلامِه، وكلُّ من يعرِفُه يرَى تَعلُّقَه بالمسجدِ الأقصى، فكان لا يُظهِرُ غضبَه إلا عندما يُدنّسُ المسجدُ الأقصى.
ولأُمِّ الشهيدِ “معتز” نصيبٌ في الصبرِ والجلَدِ والتحدي، تتحلَّى بثوبِ الصبرِ والاحتسابِ، زفّتْ ابنَها شهيداً بزغاريدِ الفرحِ والرضى!! لسانُها يلهجُ بكلماتِ الشكرِ والرضى على ابنِها، وتشكو إلى اللهِ صمتَ العربِ وتضييعَهم الأمانةَ .
وتبقَى قدسُنا نبراسَ حضارتِنا، وأعرقَ مكانٍ أكرمنا اللهُ به، وكلُّ أرواحِنا رخيصةٌ من أجلِ الدفاعِ عن مَسرانا، وهو طريقُ العزّةِ والنصرِ والتحريرِ. فسلامٌ على مآذنِ القدسِ.. على بواباتِها.. على بائع الكعكِ فيها.. وعلى كلِّ شبرٍ فيها وسماها