حوارات

من الغناءِ إلى الإنشادِ تحوُّلاتٌ تَروي حكايةَ الفنانِ “وليد سلطان”

الثريا: ولاء الرنتيسي

بدماءِ شهدائنا خطّتْ أناملُنا كلماتِ أغانينا، ومن آهاتِ أمهاتِنا عزفْنا مقطوعةَ الوطنِ السليبِ، ومن  شجرِ الزيتونِ صنعْنا الكمانَ، وعزفْنا للقدسِ ألفَ أغنيةٍ ، ومن عودِ النخلِ رسمْنا لوحةً من العِزِّ؛ تحكي حكايةَ شعبِنا، على مرِّ الزمانِ والعصورِ، تميّزتْ فلسطينُ بتراثٍ شعبي، تفاخرتْ به، ووَرَّثتْه لمئاتِ الأجيالِ… ففلسطينُ صنعتْ من دماءِ شهدائها لوحةً من الكرامةِ والعِزّةِ، ومن سجونِ الاحتلالِ غنّتْ للقدسِ، وتغزّلتْ بجمالِها. “الثريا” تسلّطُ الضوءَ على الفنِّ الإسلاميّ الفلسطينيّ، و تستضيفُ بطلَ لقائنا الفنانَ الفلسطينيَّ “وليد سلطان” على صفحاتِ موقعِ “الثريا”.

“كانت بدايتي مع الفنِّ منذُ الصغرِ، حيثُ كنتُ في الصفوفِ الابتدائيةِ الأساسيةِ، وكان للمدرسةِ دورٌ كبيرٌ في إظهارِ موهبتي الفنيةِ،  فشاركتُ بالإنشادِ في العديدِ من الفقراتِ الإذاعيةِ المَدرسية”، بتلكَ العبارةِ بادرَنا بالقولِ، وبدَا عليه شغفُ الحديثِ، كما شغفِ الإنشادِ، ويستدركُ سلطان:”شاركتُ بالعديدِ من المسابقاتِ الإنشاديةِ، وكنتُ في البدايةِ أقلِّدُ بعضَ المُنشدينَ في طريقةِ أدائهم، وكنتُ متأثِراً جداً بأصواتِ المُغنِّيينَ القدامَى؛ التي تستشعرُ بقيمةِ الصوتِ و فخامتِه، وكذلك الكلماتِ القيِّمةِ والألحانِ الراقيةِ؛ التي  تنشرُ معها دفءَ الإحساسِ”.

والدتي ناظمُ حياتي

10678822_703979789691485_5360392319082269601_nويتابعُ سلطان:”والدتي كانت محطَّتي الأولى، والأهمَّ في مسيرتي الفنيةِ؛ فهي الدافعُ والمشجِّعُ بالنسبةِ لي، تهتمُّ بكافةِ التفاصيلِ، كانت تنتقي لي بعضَ الأناشيدِ، وتقولُ هذه تليقُ بصوتِك، ورافقتني لحظةً بلحظةٍ في كافةِ التفاصيل”.
ويضيفُ سلطان:” كانت أولُ أنشودةٍ لي أكثرَها رهبةً، لا تزالُ تلك اللحظاتُ عالقةً في ذاكرتي، أولُ تصفيقٍ حارٍّ يرِنُّ بأذُني؛ تلك المَشاهدُ حاضرةٌ أمامي، ولم تتركني والدتي لحظةً، فهي ناظِمُ حياتي”.

يومٌ مفصليٌّ

ويحدِّثُنا سلطان متابعا:” استمرَّ هذا المنوالِ؛ إلى أنْ جاء يومٌ كان مفصلياً في حياتي.. قلبَها رأساً على عقبٍ، في لحظةٍ واحدةٍ كان شغفُ الحياةِ يجري في عروقي، وطيشُ الشبابِ سيطرَ على عقلي بلا استئذانٍ، وسرحتْ بي الحياةُ في لحظةٍ إلى عالمِ الغناءِ، حيثُ أصدرتُ أنشودةً للعيدِ، وقَبِلَها موقعُ  “بانيل”، وتواصلتْ الشرِكةُ معي في الأردن مجدّداً بعدَ هذه الأنشودةِ، وعرضتْ عليَّ أنْ أقدِّمَ ألبوماً عاطفياً بمبلغٍ كبيرٍ، من خلالِ شركةِ “الشوا” وهي الراعي الرسمي، وتابعَ “سلطان” بتنهيدةٍ تحملُ ألمَه :”لن أُنكرَ أنني تردَّدتُ في البدايةِ من العرضِ؛ لكنّ طيشَ الشبابِ، والمبلغَ المُغريَ الذي عرضوهُ عليَّ؛ كانا أكبرَ من رفضي”.

خفتَ صوتُه قليلاً، وتحدّثَ بندمٍ جلي:”لا أعرفُ كيف قبلتُ العرضَ، و لا أعرفُ كيف وقَّعتُ على العقدِ! وكيف انزلقتُ إلى تلكَ الحلقةِ المُفرغةِ! التي يَضحى فيها الجسدُ بلا روحٍ، أنشأتُ خلالَها أولَ ألبومٍ، وسمَّيتُه “يوماتي”، وشاركَ فيه العديدُ من الشعراءِ والمُلحِنينَ، وهو ألبومٌ يتغزّلُ بالمحبوبةِ”.
ويضيفُ متابعاً:” طريقُ الشيطانِ سهلةٌ، ويزيِّنُها للإنسانِ بطريقةٍ غريبةٍ، وتحتاجُ إلى إرادةٍ و عزيمةٍ قويةٍ جداً للابتعادِ عنها، فبعدَ هذا الألبومِ الذي لاقَى رواجاً محلياً وعربياً؛ اتّسعتْ الأنظارُ، وتوالتْ الشلركاتُ التي تعاقدتْ معي على ألبوماتٍ جديدةٍ، منها ” بُكرا ، ميكس، موالي ” وأنتجتْ العديدَ من الأغاني العاطفيةِ الماجنةِ، فالشيطانُ زيّنَ لي الطريقَ بأجملِ صوَرِه… وكنتُ مُسيَّراً بلا أدنَى مقاومةٍ، وحاجتي للمالِ و بريقِ الشهرةِ؛ كانا دافعاً للاستمرارِ.

 ويتابعُ سلطان:” كان من المقرَّرُ أنْ أسافرَ؛ لكنّ قدَرَ اللهِ كان أسرعَ وأحفظَ لي ولنفسي، 10898331_745365945552869_7978717473064498376_nفكان إغلاقُ المعبرِ مانعَ خيرٍ لي؛ حتى لا أستمرَّ في ذاك الاتجاهِ الذي يؤدّي إلى الهاوية”.

غضِبوا عليَّ

سألناهُ عن موقفِ والديهِ من ذلك القرارِ؛ فقالَ بصوتٍ متقطِّعٍ :”لقد غضبتْ عليَّ والدتي، وقاطعَني والدي، وكلُّ من يعرفُني… حتى إخوتي وأصدقائي، وكلُّ مَن حولي، لكنّ قلبي لم يَلِنْ، وواصلتُ السيرَ في ذلك الطريقِ، وكنتُ وقتها وحيداً؛ سِوى الأشخاصِ الذين تعرّفتُ عليهم أثناءَ عملي بذلكَ المجالِ، فكانت علاقتي قويةً مع مُطرِبينَ وفنانينَ من الخارجِ ، لكني بعدَ سنتينِ وجدتُ روحي ضائعةً، وكأني أحيا بدونِ روحٍ، وأينما دارتْ عيناي أكونُ وحيداً… لا صديقاً ولا أخاً ولا أُمّاً تمسحُ دمعتي،غضبَ عليَّ الجميعُ، وعلمتُ وقتَها يقيناً أنّ اللهَ حرَمني من حبِّهم؛ لأني أغضبتُ اللهَ ، إلى أنْ جاءَ اليومُ الذي كنتُ أستعِدُّ فيه لتصويرِ أولِ “فيديو كليب” فكان مفصلاً في حياتي “.

ليلةٌ فاصلةٌ

10915187_745365402219590_5647136281763650550_nيكشفُ المُنشدُ “سلطان” باقي تفاصيلِ حكايتِه، ويضيف:”كنتُ أستعدُّ لتصويرِ أولِ “فيديو كليب” مع فتاةٍ تمثّلُ دورَ الحبيبةِ، وقبلَ موعدِ التصويرِ بيومٍ؛ جاءتْ مجموعةٌ من معارفِ والدي وأصدقائنا، وتحدَّثوا معي… وعن سببِ إصراري على المسيرِ في هذا الطريقِ، فقلتُ لهم حاجتي للمالِ هي الدافعُ، وبعدَ حديثٍ مستمرٍّ ومُعمَّقٍ لساعاتٍ طويلةٍ، تحدّثَ فيها معي أبو “مصعب حماد” ولن أنسى حديثَه لي؛ الذي غيّرَ مسارَ حياتي، وأعادَني إلى رُشدي وإلى حياتي السابقةِ، وقال لي: (إذا كان الدافعُ هو المالُ؛ فسنبحثُ لك عن وظيفةٍ)، وأعادَ لي خارطةَ حياتي من جديدٍ”.
ويستدركُ المنشدُ سلطان :” كان ذلك اللقاءُ كصفعةٍ أعادتْ لي توازُني وروحي؛ التي كانت تائهةً وحائرةً بلا بوصِلةٍ، وبلا رفيقٍ، وبلا دعوةٍ من والداي اللذانِ أغضبَهما طريقي، وأبعدَهما عنّي”.

تلك الليلةُ الفاصلةُ التي اجتمعَ فيها مع مَن أحبُّوه، وأعادوه إلى الطريقِ الصحيحِ، خطّتْ أناملُه رسالةَ توبتِه، وحملتْ معها ندماً وألماً، ورغبةً صادقةً في العودةِ إلى حِضنِ العائلةِ، وقلبِ البيتِ والأصدقاءِ والأحبةِ الذين قاطَعوه في تلكَ الفترةِ.

قرّرَ المنشدُ “سلطان” أنْ يعلنَ براءتَه من جميعِ الأعمالِ السابقةِ، والأغاني التي قدَّمها، ونشرَها عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، ولاقتْ قَبولاً واسعاً، وترحاباً ومحبةً وتشجيعاً من أقاربِه و مُحبِّيه، وكلِّ من يريدُ له الخيرَ، سواءً كان على معرفةٍ شخصيةٍ به أَم لا.

وأنشأ له مِحبُّوه صفحةً خاصةً باسمِ “المعتزِل” ليعلمَ الجميعُ بذلك، وواصلوا تشجيعَهم و دعمَهم لقرارِه الصائبِ؛ الذي كانوا يتمنَّونَه، واقترحوا عليه البدءَ بتسجيلِ أناشيدَ إسلاميةٍ؛ تحملُ اللحنَ الإسلاميّ، والكلماتِ الهادفةَ المعبِّرة.

تركتْ تلك التجربةُ أثرَها على “سلطان” بشكلٍ أو بآخَرَ، يحدِّثُنا عنها سلطان:” عودتي لنفسي و لأهلي كانت فرحةً لا توصَفُ، وتلك التجربةُ القاسيةُ لا أنكرُ أنها أخذتني من نفسي، و من عائلتي، ومن كلِّ مَن أحبُّوني… لكنها زادتني خبرةً في الحياةِ، وقدرةً على الاختيارِ، وزادتني معرفةً بطرُقِ الخيرِ، وطرقِ الشرِّ، ومعرفةً بالأشخاصِ ومعادنِهم، وعرَّفتني أكثرَ بمَن أحبَّني، ومن كرِهني، و زادتني إصراراً على مواصلةِ طريقي في الإنشادِ؛ مَهما حدثَ”.

أحبُّكَ رسولي

ويزيدُ المنشدُ سلطان “للثريا” :”أعددتُ ألبوماً جديداً بعدها؛ يحملُ اسمَ” أُحبُّكَ رسولي” يحملُ في مضمونِه أناشيدَ مختلفةً، إحداها تتحدثُ عن فلسطين، وأخرى عن النجاحِ في التعليمِ، وثالثةٌ أناجي بها “ربَّ العالمين” بالإضافةِ إلى خمسِ أغانٍ خاصةٍ برسولِنا الكريمِ، ولكنّ أكثرَ الأناشيدِ التي اعتنيتُ بها كفِكرةٍ؛ هي أنشودةٌ بعنوانِ “غريبة الحياة” حيثُ تتكلمُ عن قسوةِ الناسِ، بحيثُ أصبحنا في وادٍ مليءٍ بالذئابِ الكلُّ يطعنُ ببعضٍ! ولا أحدَ يرحمُ أحداً! والجميعُ يحسدونَ بعضَهم البعض”.

تحدياتٌ

وذكرَ “سلطان” أنه بطبيعةِ الحالِ؛ يواجهُ الفنانُ العديدَ من الصعوباتِ، خصوصاً في مدينةِ غزةَ المحاصَرةِ، التي تفتقرُ إلى العديدِ من الإمكاناتِ على جميعِ الأصعدةِ، مواصلاً حديثَه :”الحروبُ التي حدثتْ تعيقُ أيَّ عملٍ، وأحياناً كثيرةً نبدأ بإنجازِ بعضِ الأناشيدِ، فلا تكتملُ لظروفٍ مختلفةٍ أهمُّها الحربُ، وقلَّةُ الإمكاناتِ، لكنني أواصلُ الطريقَ، مَهما كانت فيه مشقاتٌ؛ لأنه طريقُ الخيرِ وطريقُ الجنةِ.

الربيعُ العربيُّ

تحدَّثنا حول نظرةِ “سلطان” للربيعِ العربيّ، بعينِ الفنانِ؛ حيثُ عدَّ أنّ الثوراتِ العربيةَ أحدثتْ تغيُّراتٍ جمَّةٍ، بها انتصرَ الحقُّ على الباطلِ، كذلك لها دورٌ كبيرٌ في انتشارِ الطابَعِ الإسلاميّ، وإبقاءِ الكلمةِ العليا له مبيِّنا:”صحيحٌ أنّ الدولَ العظمى لم تُرِدْ لهذا الربيعِ أنْ ينجحَ، وأرادوا قلبَ الموازينِ، و نجحوا في بعضِ الدولِ، لكنّ الحقَّ هو الأبقَى، والشبابُ العربيَّ فهِمَ اللعبةَ، ولن ينحنيَ لأيِّ تأثيرٍ غربيٍّ أو أوروبي”.

ويشيرُ “سلطان” خلالَ حديثِه :” أردتُ إيصالَ رسالتي “كفنانٍ” بلَوني الخاصِّ، فقد طرحتُ فكرةَ عملِ أغنيةٍ أو “أوبريت” يجسّدُ تلكَِ الثوراتِ، وكان ذلك في فترةِ ثورة( 25 )يناير، ولكنْ حصلتْ عدّةُ أعطالٍ فى الاستديو؛ منعتْنا من مواصلةِ العملِ لفترةٍ طويلةٍ، لكنّ الفكرةَ لا تزالُ حيةً، وسنعملُ على استكمالِها بكلِّ جديةٍ.

ويرسلُ المنشدُ “سلطان” رسالتَه للجمهورِ: (كونوا على ثقةٍ أنني سأقدّمُ لكم ما ترغبونَ به، بأقلِّ الإمكاناتِ، وكونوا على يقينٍ أنّ الحقَّ سينتصرُ ولو بعدَ حينٍ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى