كتاب الثريا

لا تتكلّمْ عن نفسِك

بقلم :د.فتحية اللولو

يبدأُ الزواجُ بحفلةٍ جميلةٍ؛ يشتركُ فيها أهلُ الزوجِ و الزوجةِ؛ ويحاولُ كلُّ الأحبةِ و الأقاربِ المشاركةَ بهذه الفرحةِ بالحضورِ والهدايا، ودعمِ الزوجينِ لتأسيسِ بيتٍ جديدٍ؛ رغمَ إدراكِ الجميعِ  أنّ هناك اختلافاتٍ في طريقةِ التربيةِ والعاداتِ والتقاليدِ، وطريقةِ التفكيرِ لكلٍّ من الزوجين، و لكنّ هذا  يعَدُّ طبيعياً جداً , وبعد أنْ تتمَّ الفرحةُ وتبدأَ الحياةُ الزوجيةُ تأخذُ مسارَها الطبيعيَّ في مواجهةِ متطلَّباتِ الحياةِ ومشكلاتِها؛ يحاولُ كلٌّ من الزوجينِ تفهُّمَ طبيعةِ الآخَر، و الوصولَ  لقلبِه ،ولكنْ هل يستخدمُ الأسلوبَ المناسبَ والصحيحَ لذلك ؟ مثلاً  عندما تقعُ مشكلةٌ معيَّنةٌ عند شراءِ قطعةِ أثاثٍ  أو جهازٍ كهربيّ، ويحدثُ اختلافٌ في وجهاتِ النظرِ على الشكلِ أو النوعيةِ أو جودةِ المنتَج؛ يظنُّ كثيرٌ من الأزواجِ أنّ خيرَ طريقةٍ للإقناعِ بوجهةِ النظرِ؛ هي أنْ يتولوا دفَّةَ الحديثِ دون  السماحِ بالمقاطعةِ، مع وجوبِ الإنصاتِ من الزوجةِ وطأطأةِ الرأسِ بالإيجابِ، وإظهارِ الإعجابِ برأيِّه وقدْراتِه في تقييمِ الأمورِ، وتستمرُّ الحياةُ على هذه الوتيرة.

ممّا لا شكَّ فيه أنّ كلاً منا يحبُّ الحديثَ عن نفسِه وعن انجازاتِه، والمواقفِ التي مرَّ بها ،ويعتقدُ أنه يتصرَّف دائماً التصرُّفَ الصحيح، ويريدُ من الآخَرينَ  أنْ يتّخذوهُ قدوةً في ذلك، ويستفيدوا من خبراتِه السابقة , وبالتالي هو يزيدُ الخلافاتِ في حياتِه، ويزيدُ عددَ الحاسدينَ والحاقدينَ الذين قد لا يُسرُّوا بما يقولُ عن نفسِه، وقد يزيدُ حقدُهم لاعتزازِه الشديدِ بنفسِه ،وعدمِ إعطاءِ الفرصةِ لهم بالمناقشةِ أو المقاطعةِ، أو الحديثِ عن أنفسِهم.

وعندما يتحدّثُ الزوجُ عن نفسِه؛ فإنهُ يشكِّلُ نموذجاً لزوجٍ تنتفِخُ نفسُه بالغرور، و الأنانيةِ؛  ممّا يجعلُ زوجتَه تنكمشُ داخلَ نفسِها و أحزانِها ،وتختبئُ داخلَ حيِّزٍ ضيِّقٍ من مشاعرِها, لأنّ زوجَها لا يسمعُ إلا نفسَه ،ويجبُ أن ترى زوجتُه كلَّ شيءٍ بمنظارهِ، فهو يلغيها ويلغى مشاعرَها وقدْراتِها؛ مما يساعدُ في وصولِها إلى لحظةِ انفجارٍ شديدةٍ تحاولُ فيها التحرُّرَ من سلطتِه، والتعبيرَ عن ذاتِها وعن كيانِها، وتعلنُ للجميعِ أنها إنسانٌ ولها وجودٌ، ويجبُ أنْ يكونَ هناك من يستمعُ لها، ويقدِّرُ حديثَها، ويعطيها  الفرصةَ للتعبيرِ عن ذاتِها.

لذلك من الأفضلِ تغييرُ دفّةِ الحديثِ،  فإذا أرادَ أحدُ الزوجينِ إقناعَ الآخَرِ بوجهةِ نظرِه ؛يجبُ استدراجُه بالحديثِ وبالأسئلةِ، ومساعدتُه على إفضاءِ مكنوناتِ نفسِه؛ بحيث يتولّى معظمَ الحديثِ، وإعطاؤه الشعورَ بالاهتمامِ لما يقولُ، وتقديرُ وجهةِ نظرِه مع أهميةِ لفتِ النظرِ للنقاطِ الإيجابيةِ والمميَّزةِ بحديثِه؛ مما ينبِّهُ الكثيرَ من المشاعرِ الجميلةِ التي تساعدُ على التنازلِ عن بعضِ نقاطِ الخلافِ، وتساعدُ في تقريبِ وجهاتِ النظرِ، مما يسُدُّ الكثيرَ من الفجواتِ بين الزوجين، ويساعدُ في الوصولِ لنظامِ التفاهمِ عندما يحتدمُ الخلافُ، ولا تخرجُ المشاكلُ خارجَ حدودِ بيتِ الزوجية، مما يجعلُ حياتَهم ونظامَها  مشاعاً للآراءِ ووجهاتِ النظر، وتعطي مجالاً أكثرَ لكلِّ المتطفلينَ للحديثِ عن أنفسِهم وخبراتِهم ونجاحاتِهم في إدارةِ مشكلاتِهم، لذلك عندما نساعدُ الآخَرينَ للحديثِ  والتعبيرِ عن أنفسِهم، ونستمعُ لهم ؛هذا يعطيهِم إحساساً بالسعادةِ والحبِّ، لذلك سوفَ يساعدونا للحديثِ عن أنفسِنا، ولكنْ دون غرورٍ أوتسلُّط، وسوف نستمتعُ جداً بتبادلِ الخبراتِ؛ مما يشعِرُنا أننا أكثرُ حُباًّ وسعادة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى