الخلافاتُ بين “السِّلفات”.. كيدُ نساءٍ يورِّثُ الحقدَ للأبناء

أعصابٌ مشدودة، مشادّاتٌ كلامية، غَيرةٌ مُفْرِطة، مشاكلُ دائمة، خلافاتٌ لأَتفَهِ الأسباب، هذا ما قد يحدُثُ في كثيرٍ من البيوتِ بين زوجاتِ الإخوةِ “السّلفات”، ممّا يسبّبُ خلافاتٍ بين الإخوةِ وحِقداً وكُرهاً يتوارثُه الأبناءُ؛ فيؤثّرُ بذلك على النسيجِ العائليِّ والاجتماعي.
تحقيق : وسام حسان
فوْرَ عودتِه من العملِ تلقَّفتْهُ زوجتُه “سميرة حسن” صاحبةُ (30 ربيعا)؛ بدلاً من قولِها يعطيكِ العافيةَ، أو حمداً للهِ على السلامةِ ممزوجةً بابتسامةٍ لتقولَ: “شفتْ شو ساوَتْ فيَّ مرتْ أخوك؛ خلّتْني واقفة في المطبخ؛ وصارتْ تلقِّحْ بالكلام وتستفزّني؛ أنا ما رضيتْ أردْ عشانْ خاطْرَك”. فردَّ عليها المسكين: “أنا عارفِكْ عاقلةْ ومُخِّكْ كبير؛ وبتعرَفي تتصرّفي؛ سيبِكْ منها”، إلاّ أنّ تلك الكلماتِ لم تُشْفِ غليلَها؛ فهي تريدُ ردَّ اعتبارِها على حدِّ زعْمِها.
أمّا “سليم ن”. (45 عاما) الذي تذمّرَ من هذه القضيةِ؛ لأنّ الخلافاتِ امتدّتْ إلى علاقتِه مع إخوانِه؛ حيث حصلَ بينه وبين أحدِ إخوانِه قطيعةُ رحِمٍ؛ بسببِ الخلافاتِ بين زوجاتِهم؛ وسُرعانَ ما انتقلَ إلى الإخوةِ؛ ليُحدِثَ بينهم البغضاءَ والقطيعةَ منذُ ثلاثِ سنواتٍ؛ وما زال مستمراً حتى الآن فيقول: “اضطُّرِرتُ لأنْ أتركَ شقتي في منزلِ العائلةِ؛ كي أشتريَ راحةَ البالِ أنا وأُسرتي”.
السبب؟
التقتْ “السعادة” “آيات أبو جيّاب”، اختصاصية العلاجِ الأُسري في برنامجِ غزةَ للصحةِ النفسيةِ؛ التي عزَتْ بدورِها أسبابَ تلكَ الخلافاتِ إلى وجودِ السلفاتِ وأطفالهِنّ في بيتٍ واحد، الأمرُ الذي يولِّدُ بعضَ المشاكلِ؛ سواءٌ بسببِ الأطفالِ، أو تطلُّعِ كلِّ واحدةٍ للأخرى على كلِّ شيء، وأحياناً المقارناتُ بينهنّ من الحماةِ أو أيٍّ من أفرادِ الأُسرة، وقد يحدُث سحْبُ الاهتمامِ من السلفةِ السابقةِ للجديدةِ؛ ممّا يزرعُ بذورَ الغَيرةِ؛ وما يتْبعُها من مشاكلَ، بالإضافةِ إلى اختلافِ البيئاتِ والثقافاتِ بين كلِّ واحدةٍ منهنّ، أو تميُّزُ إحداهُنّ في الجمالِ الخَلقي والخُلقي، ووجودُ فوارقُ في المستوى الثقافي والتعليمي والاجتماعي؛ مما يؤدّي إلى تباعدِ الأفكار، وفي حين توفّرتْ أحدُ هذه الأسبابِ؛ فإنّ السلفةَ ستشعرُ بالنقصِ والامتعاضِ والدونيةِ لأنها أقلُّ من مثيلاتِها.
بينما ترى “ولاء حسّان” المستشارةُ النفسيةُ في مركزِ التدريبِ المجتمعيِّ وإدارةِ الأزماتِ؛ أنّ السلفةَ تغارُ من سلفتِها ؛لأنّ أخا زوجِها رومانسي؛ بينما زوجُها يفتقِرُ إلى هذه الصفةِ، أو الأفضليةُ بين سلفةٍ وأخرى ؛كأنْ تكونُ إحداهُنّ قد أكملتْ تعليمَها الجامعي، أو أنّ اللهَ منَّ على إحداهُنّ بالجمالِ الخُلقي أو الخَلقي، ممّا يتسبّبُ بشعورِ السلفةِ بالغَيرةِ؛ التي تتحوّلُ فيما بعد إلى حقدٍ وحسدٍ؛ وفي كثيرٍ من الأحيانِ تحتدُّ المشاكلُ؛ إذا ما تعلّقَ الأمرُ بالمقارناتِ والمفارقاتِ بين السلفاتِ؛ وإذا كانت هذه المفارقاتُ من الزوجِ؛ فإنّ ذلك سيشعلُ نارَ الغَيرةِ والخلافاتِ أكثر؛ كأنْ يقولُ الرجلُ لزوجتِه لماذا لا تكوني كزوجةِ أخي؟ ذلكَ إذا ما استحسنَ من زوجةِ أخيهِ خُلُقاً؛ ورغِبَ أنْ تتحلّى به زوجتُه.
تداعياتٌ خطيرة
وترى أنّ كثرةَ المشاكلِ والمُشادَّاتِ الكلاميةِ؛ قد تتحولُ إلى مشاكلَ أُسريّةٍ واجتماعيةٍ وتربويةٍ وسلوكيةٍ؛ تؤثّرُ على الأسرةِ بالكامل، و”على الأطفالِ “خاصةً” بشكلٍ سلبيٍّ على شخصياتِهم، لذا يجبُ على الجميعِ وخاصةً الزوجَ أنْ يقومَ بتحجيمِ المشكلاتِ ووأْدِها ،ومنْعِ الحقدِ والكرهِ بين الإخوةِ كي لا يتوارثَ الأبناءَ ويصاحبَهم في الكِبَر”.
مخالفاتٌ شرعية
وعن حُكمِ الشرعِ بهذه الخلافاتِ؛ يقولُ الدكتور “ماهر السوسي” نائبُ عميدِ كليةِ الشريعةِ والقانونِ بالجامعةِ الإسلاميةِ: أنّ الأصلَ في العلاقةِ بين المسلمينِ؛ هو علاقةُ الأخوَّةِ، وعلاقةُ الجسمِ الواحدِ، ويتمثَّلُ ذلكَ في قولِ رسولِ اللهِ “صلى الله عليه وسلم”: مثَلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم؛ كمثَلِ الجسدِ الواحدِ؛ إذا اشتّكى منه عضوٌ؛ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمّى”. فما بالُنا إذا كانت علاقةُ النسَبِ أيضاً تربطُ بين الإخوةِ؛ وهي من أقوى العلاقاتِ التي تربطُ بين البشرِ؛ حيث يجمعُهم وحدةُ النّسَبِ والدمِ والدين، والعلاقةُ فيما بينهم علاقةٌ قويةٌ متينة”.
ويبيِّنُ بأنّ الترابطَ بين الإخوةِ مطلبٌ شرعيٌّ؛ لا يجوزُ ترْكُه بأيِّ حالٍ من الأحوال، وكلُّ إنسانٍ يؤثِّرُ سَلباً فهو آثِمٌ وعاصٍ ومسئولٌ مسئوليةً مباشرةً عن هذه الفُرقةِ وهذا الشَّرْخ، “لذا فلابدّ أنْ تكونَ العلاقةُ بين زوجاتِ الإخوةِ؛ تربطُهم الرابطةُ التي تربطُ أزواجَهم؛ فلولا أزواجُهنّ ما اجتمعن، فلِكلِّ واحدةٍ حقوقُها عند زوجِها التي رتَّبها الشرْع”.
ويؤكدُ بأنّ على المرأةِ المسلمةِ أنْ تتبنّى الأخلاقَ الإسلاميةَ التي حثَّ عليها الإسلامُ؛ وأمَرَنا اللهُ تعالى بها، “حيثُ يجبُ عليها أنْ تجتنِبَ الظنَّ لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظنِّ إنّ بعضَ الظنِّ إثم”.
توجيهاتٌ ربانيّة
قال جلَّ وعلا “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” ، وقولُه جلَّ وعلا: “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ”، وقولُه صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسِه”، تلك هي التوجيهاتُ الربانيّةُ التي خاطَبنا بها اللهُ جلَّ وعَلا، وينبغي أنْ نتحلّى بها لنعيشَ في أمنٍ وأمانٍ وسكينةٍ وسلام.