كريشان: أنا فلسطينيٌ بالوجدانِ وعلى تماسٍّ مباشرٍ مع القضيةِ بكل أبعادِها

حوار: محمد عثمان
هو أحدُ أهمِّ وأبرزِ الصِّحفيينَ العرب، يتميَّزُ بمهنيةٍ عالية, ووُصِفَ بـ “الظاهرةُ الإعلاميةُ الجديدة”؛ لما يتميزُ به من أسلوبٍ خاصٍّ وحكمةٍ بارزةٍ في أدائهِ الإعلامي.. وهو ابنُ “تونس” الدولةِ العربيةِ الأولى التي أشعلتْ ربيعَ الثوراتِ العربيةِ، واقتلعتْ أولَ الطُّغاة.. إنه نجمُ قناةِ الجزيرةِ الفضائيةِ المتألقِ دوماً المذيعُ “محمد كريشان”، الرجلُ الإعلاميُّ الذي رُغمَ انشغالِه كانَ على استعدادٍ تامٍّ لإجراءِ حوارٍ مع “السعادة”، لأنها برمزيتِها تمثلُ فلسطينَ وقطاعَ غزةَ بالتحديد.
على شاشةِ قناةِ الجزيرةِ تظهرُ ملامحُكَ جديةً، وتعليقاتُكَ وأسئلتُك قويةً جداً، وهذه شخصيةٌ إعلاميةٌ يسعى الكثيرُ لامتلاكِها، ولكنْ على الصعيدِ الآخَر، من هو محمد كريشان الإنسان، وكيفَ بدأ مسيرتَهُ الصِّحفية؟
أنا صِحفيٌّ تونسي، ولدتُ في يناير 1959، ومسيرتي الصحفيةُ كانَ لها حظان، أحدهُما في تونس والآخَرُ خارجَها، إذ كانت بدايتي في الصحافةِ المكتوبةِ في تونُس، وكتبتُ في العديدِ من الصحف، وتنقّلتُ بين العديدِ من صحفِ المعارضةِ التونسية، وعملتُ كذلك مراسلاً لصحيفتي “عكاظ” السعوديةِ و”الديار” اللبنانية، ثم انتقلتُ للعملِ الإذاعي، وكانت أولُ تجاربي مع “مونتي كارلو” الفرنسيةِ؛ حيث كنتُ مراسلاً لها ولـ”هولندا العالمية”، وتعاونتُ مع إذاعةِ تونُس في أحدِ البرامجِ؛ دون أنْ يكونَ ضِمنَ وظيفةٍ ثابتة، ثم زحفتُ تُجاهَ العملِ الإخباري المتلفزِ، وكانت البدايةُ من خلالِ عملي بتلفزيون”mbc”، ثم تركتُ تونُسَ ،وانتقلتُ للعملِ في تلفزيونbbc”” العربي في أولِ إنشاءٍ له في عَقدِ التسعينيات، وبعد أنْ أُغلقَ عملتُ مع قناةِ الجزيرةِ الفضائيةِ مذيعاً إخبارياً منذُ، إنشائها بالعام 1996م وحتى هذه اللحظة.
أولُ الأنظمةِ العربيةِ التي سقطتْ؛ هو النظامُ الحاكمُ السابقُ في بلدِكَ تونُس.. كيف كان وقعُ ذلك عليكَ؟، و ما هو موقفُكَ من الثورةِ التونسيةِ منذُ بدايتِها؟
حقيقةً، كنتُ في البدايةِ أعُدُّ مساندتي للثورةِ التونسيةِ التي اشتعلتْ في 17/12 ،واستمرتْ نحوَ شهرٍ تقريباً، واجباً أؤدِّيهِ من خلال عملي بالجزيرةِ كأيِّ صِحفيٍّ عربي، لكنْ ما تعرضْتُ له قبلَ سقوطِ نظامِ “بن علي” بأسبوعينِ من شتائمَ وتشهيرٍ من صُحفِ “الفضائحِ” التونسيةِ، جعلتني أخرجُ من هذا التحفُظِ وأكتبُ مقالينِ في صحيفةِ القدسِ العربيِّ، وأشعرُ بالفخرِ بكليهِما، الأولُ يتحدثُ عن واقعِ الصحافةِ في تونُسَ، والتضييقِ والخناقِ المفروضِ عليها، والثاني تحدثتُ فيه عن الثورةِ قبل انتصارِها باعتبارِها ثورةَ المهمَّشينَ بكلِّ المجالاتِ إعلامياً وسياسياً واقتصادياً ،وكل من ضاقَ ذرعاً من النظامِ وأفعالِه، فهي كانت ثورةَ كرامةٍ، ومساهمتي الفعليةُ كانت على هذا الصعيد، وبعد نجاحِ الثورةِ، كتبتُ تأييداً لها ومساندةً، وتحذيراً من التربُصِ بها؛ خاصةً وأنَّ هناك مَن يحاولُ تدميرَها.
فلسطينُ، وغزةُ ماذا تمثّلانِ لكَ؟
علاقتي بالشأنِ الفلسطينيِّ قديمةٌ، بدأتْ منذُ تخرجتُ من الجامعةِ عام 1981، وعملتُ محرِّراً للشئونِ العربيةِ، ومنها الشأنُ الفلسطيني، واطّلعتُ أكثرَ على وضعِها في أكثرِ الأحداثِ سخونةً، كحصارِ بيروت عام 1982 ،والانتفاضةِ الفلسطينيةِ الأولى عام 1987 ومجيءِ السلطةِ الفلسطينيةِ عام 1994.. وقد زرتُ فلسطينَ “الضفةَ الغربيةَ وقطاعَ غزة” ستَ أو سبعَ مرّاتٍ لتغطيةٍ إعلاميةٍ مختلفة، ولي أصدقاءُ فلسطينيونَ كُثُر، فالقضيةُ الفلسطينيةُ قريبةٌ من قلبي، وكنتُ ولا أزالُ على تماسٍّ مباشرٍ معها، والوضعُ الفلسطيني تغيّرَ قليلاً للأسف، فحالةُ الانقسامِ وما يشهدُهُ قطاعُ غزةَ من حصارٍ صعبٍ، وتراجعِ الاهتمامِ العالميِّ والعربي بالقضيةِ الفلسطينيةِ، يتركُ مرارةً في قلبي، وأنا لا أُنزِّهُ القياداتِ الفلسطينيةَ عن تراجعِ الاهتمامِ بالقضية، فحالةُ الانقسامِ ساهمتْ بشكلٍ كبيرٍ في تشويهِ النضالِ الفلسطيني. أقولُ ذلك بكلِّ حُزن.
هل أنتَ مستعدٌ لزيارةِ غزةَ في المستقبلِ القريب؟
بالطبعِ، وأحسدُ زملائي الذين زاروا القطاعَ في مبادراتٍ سابقةٍ عن طريقِ معبرِ رفح البري ،أو عبرَ السفنِ البحرية، وتسنَّى لهم معرفةُ معاناةِ أهلِه عن قُرب، وأنْ أزورَ القطاعَ، أمرٌ يشرِّفُني بشكلٍّ شخصيٍّ ومهني.
أخيرا، محمد كريشان، الصِّحفي المتميِّز، ما هي رسالتُك الإنسانيةُ والصِّحفيةُ إلى الشعبِ الفلسطيني وأهلِ غزة؟
رسالتي هي رسالةُ أيِّ شخصٍ يرى نفسَه فلسطينياً بوجدانِه وقلبِه، وهي رسالةُ إنسانٍ منكم واليكم، فأنا أؤمنُ أنّ الشعبَ الفلسطينيَّ يستحقُ حياةً سياسيةً أفضلَ بكثيرٍ مما يعيشُها الآن، لا تقتصرُ على التغلُّبِ على الاحتلالِ الإسرائيليِّ البغيض، بل تتجاوزُها لحياةٍ سياسيةٍ جيدة، لأنه من أكثرِ الشعوبِ نُضجاً وتعليماً، وهو جديرٌ بحياةٍ كريمةٍ بعيدةٍ عن الاحتلالِ الإسرائيلي، وبنفسِ الوقتِ بعيدةٌ عن أيِّ استبدادٍ سياسيٍّ تحت شعاراتٍ حزبية، لأنَّ فلسطينَ أكبرُ من كلِّ الفصائلِ ،وأكبرُ من الاحتلالِ الإسرائيليِّ أيضا، وأتمنّى أنْ تسجِّلَ السنواتُ المقبلةُ تأريخاً أفضلَ بكثيرٍ مما سبقَهُ.