غير مصنف

في استطلاعِ الثريا للأمهاتِ.. الإنترنت والفضائياتُ تتربّعُ على قِمّةِ هرمِ تدميرِ الأبناءِ..

تحقيق: أنوار هنية

الأطفالُ زينةُ الحياةِ الدنيا، يولَدونَ صفحةً بيضاءَ، يملؤها الأهلُ والمُربّونَ؛ إمّا بالعقيدةِ الصحيحةِ، التي تؤَهِلُهم ليَكونوا جيلَ المستقبلِ الناجحَ والفعالَ، وإمّا بالعقائدِ الفاسدةِ التي لا تُنتجُ إلا نَبتاً مُرًّا، وإمّا تَرْكِهم -بلا رقيبٍ ولا حسيبٍ- في الشوارعِ، تختطِفُهم الشرورُ والمفاسدُ.

ولَمّا كانت ثمرةُ تربيةِ الوالدَينِ؛ لا تَظهرُ إلا بعدَ أنْ ينقضيَ قطارُ العُمرِ، فإنّ فسادَ التربيةِ وفشلَها؛ يعني من الناحيةِ العمليةِ فشلَ المشروعِ الذي من أجلِه تكوّنتْ الأُسرةُ، فكيف نُربّي أبناءَنا لضمانِ نجاحِ مشروعِ الحياةِ، وعدمِ انهيارِ البناءِ الذي من أجلِه تكوّنتْ الأُسرة؟ وما هي عواملُ نجاحِ التربية؟

طرَقْنا هذا البابَ، ووجدْنا عندَ كلِّ أمٍّ مِفتاحَه، حيثُ أبدتْ كلُّ واحدةٍ منهنّ اهتمامَها بتربيةِ أبنائها تربيةً صالحةً، وإجابةُ خمسينَ استبيانٍ “بنَعمْ” من بينِ خمسينَ استبيانٍ؛ تمَّ توزيعُها على الأمهاتِ، بمُختلفِ مستوياتِ تعليمهِنَّ، يقيسُ مستوَى وعيِّهِنّ، وإدراكِهنّ لدَورِهنّ في تنشئةِ الأبناءِ، ونتيجةُ هذا السؤالِ تعكسُ مدَى اهتمامِ كلِّ أمٍّ بذلكَ، و مدَى تَحمُّلِها لأمانةِ التربيةِ.

ولأنّ نجاحَ الإنسانِ يقاسُ بأفعالِه، وليس بكلامِه، ولأنّ كلَّ هدفٍ عظيمٍ يحتاجُ إلى جهدٍ حثيثٍ للوصولِ إليهِ؛ سألتْهُنّ “الثريا” عن الخطواتِ العمليةِ التي يتَّبِعنَها لتحقيقِ هذا الأملِ.

وتمثّلتْ معظمُ الإجاباتِ في عدّةِ نقاطٍ؛ اتفقنَ عليها في إجاباتِهِنَّ، تتمثلُ في حثِّ الأبناءِ بكلِّ جدٍّ على القيامِ بأداءِ الصلواتِ الخمسِ في أوقاتِها، ما يعكسُ مستوى الوعيِ الذي وصلتْ إليه الأمهاتُ في الاهتمامِ بهذه الشعيرةِ المُهمّة، وكان الحرصُ على إلحاقِ الأبناءِ بمراكزِ التحفيظِ؛ له النصيبُ الأكبرُ في الاختيارِ بعدَ أداءِ الصلاةِ، ثُم الحرصُ الكبيرُ على اختيارِ رفقةٍ صالحةٍ للأبناءِ، ومعرفةُ رفقائِهم. وكان اصطحابُهم لزيارةِ الأقرباءِ، لتعويدِهم على زيارةِ الأرحامِ الدرجةَ التي تلتْها، وتبِعتْها الإيثارُ والتكافلُ الاجتماعيُّ، والإحسانُ للغيرِ.

عواملُ تؤثّرُ سلباً

وأمّا العواملُ التي تؤثّرُ سلباً على تنشئةِ الأبناءِ؛ فقدْ رصدتْها “الثريا” من إجاباتِ الأمهاتِ من خلالِ الاستبيانِ، فكان الإنترنتُ والفضائياتُ على أعلَى قمّةِ هرمِ الإجاباتِ، أمّا غيابُ الخشيةِ من اللهِ، والرقابةِ الربانيةِ والذاتيةِ، فحصلتْ على الدرجةِ الثانيةِ، وأصدقاءُ السوءِ حصلتْ على الدرجةِ الثالثةِ، بينما تلتْها كثرةُ التوجيهاتِ والأوامرِ من غيرِ إقناعٍ ومحبّةٍ، والإهمالُ وعدمُ المتابعةِ، والفراغُ  وعدمُ الاستمرارِ، والتواصلِ في  العاداتِ الحميدةِ، حصلتْ على نفسِ الدرجةِ.
وذكرتْ العديدُ من الأمهاتِ أسباباً أخرى متعدّدةً؛ تتمثّلُ في القدوةِ السيئةِ، واختلافِ الوالدَين في طريقةِ التربيةِ، وتقليدِ الأبناءِ لأقرانِهم، كذلك نَهيِّ الأبناءِ عن أمورٍ سيئةٍ، وقيامِ الوالدينِ بتطبيقِها، وعدمِ الاستقرارِ الأُسريّ، وإثارةِ المشكلاتِ، ومناقشتِها أمامَ الأبناءِ، ومنها كذلك عدمُ تثقيفِ الأبناءِ بدِينِهم بالشكلِ الصحيحِ، بالإضافةِ إلى عدمِ معرفةِ رغباتِ الأبناءِ، وعدمِ محاولةِ التركيزِ على الجوانبِ الإيجابيةِ فيها وتنمِيَتِها… أمّا دَورُ الآباءِ وأثَرُهم في التنشئةِ؛ فكانت الإجابةُ مُوَحَدةً في جميعِ الاستبياناتِ، بالاتفاقِ التامِّ على دَورِه الكبيرِ في التنشئةِ؛ الذي تَمثَّلَ في دَورِ الرقابةِ، وأنموذَجِ القدوةِ.

موازنةٌ وتَنافُسٌ

ورصدَتْ “الثريا” بعضَ آراءِ الأمهاتِ، وطرُقِهِنَّ لتحقيقِ التربيةِ الصالحةِ والسليمةِ، حيثُ تحرصُ أمُّ نائل الهندي (34 عاماً) ممرضةٌ، على تحقيقِ التنافسِ بين أبنائِها في حِفظِ بعضِ السوَرِ والأدعيةِ، وتشجِّعُهم عندما يقومونَ بتصرُّفٍ حَسنٍ؛ ليستمروا عليه، واقتناءِ بعضِ الأشرطةِ التي تعلِّمُهم الآدابَ الإسلاميةَ، وتحكي لهم قصصًا هادفةً مفيدةً، و تجلسُ معهم في جلساتِ حوارٍ؛ يختارونَ معاً أوقاتَها، وعنوانَ الموضوعِ الذي سيتحدّثونَ فيه، بل وتجعلُ في كلِّ يومٍ واحداً منهم يتحدّثُ عن موضوعٍ مُعيّنٍ؛ لِكسْرِ حاجزِ الخجلِ والخوفِ لديهِم، ولتنميةِ القدرةِ على المخاطَبةِ والمواجَهةِ.
وتقولُ بسمة حمدان (35 عاماً): “لا بدّ أنْ أكونَ صديقةً لابنتي؛ قبلَ أنْ أكونَ والدتَها؛ حتى يكونَ لي تأثيرٌ عليها، وأبدأُ بإصلاحِ نفسي؛ لأكونَ قدوةً حسنةً لها، حتى لا ترَى مني أيَّ خطأٍ يهِزُّ ثِقتَها بي، وحتى يكونَ لنصيحتي الصدَى الأقوى عليها، وأُحبِّبَها بأماكنِ الخيرِ، وأصطحَِبها معي حينما أؤدّي الصدَقةَ، وأحادثَها في الطريقِ عن فضلِ ذلك”.

فيما قرّرتْ وفاء أبو صبع، (مدرّسة) منذُ البدايةِ أنْ تربّيَ أبناءَها تربيةً صالحةً، ولا تكونُ أمّاً فقط، فكانت -كما تقولُ- حريصةً على تعليمِهم جميعَ الفروضِ الأساسيةِ، من صلاةٍ وصيامٍ وقيامٍ، وكيفيةِ التعاملِ مع المواقفِ الحياتيةِ من مُنطلقِ الدِّينِ، بأسلوبٍ بسيطٍ ترَى ثمرةَ نجاحِه الآنَ، فأرشدتْهم لذلك بأساليبَ متنوّعةٍ منها التعلّمُ بالملاحظةِ، والتعلّمُ من خلالِ القدوةِ أو النموذجِ، ومن خلالِ جلساتِنا العائليةِ في أجواءٍ من الدفءِ العائلي، والحواراتِ المطوَّلة”، وهي ترى الآن -كما تُبيّنُ- ثمرةَ ما زرعتْه طوالَ تلك السنين: “فلدَيَّ ابنٌ وبنتٌ يدرسانِ الشريعةَ، وجميعُ جلساتِنا هي عبارةٌ عن مناقشاتٍ في قضيةٍ فقهيةٍ ، أو تساؤلٍ…  يشاركُ الجميعُ في البحثِ عنه”.

نماذجُ حيةٌ 

وكان لـ “الثريا” وقفةٌ مع أطفالٍ بدأَ غراسُ التربيةِ الحميدةِ يعطي ثمارَه فيهم، فكانت هذه بعضاً من الصورِ الواقعيةِ التي التَقَطتْها وتركتْها لتتحدّثَ عن نفسِها.تقولُ حنين حجازي (20 عاماً): “كنتُ أُرتّبُ غرفتي، ووضعتُ فيها بروازاً يَحملُ صورةً لي؛ التقطتُها وأنا في الرحلةِ، فدخلتْ أختي الصغيرةُ إلى الغرفةِ، وتفاجأتُ من ردّة فِعلِها غيرِ المتوقعةِ، حينما قالت لي: “لن أدخلَ غرفتَكِ بعدَ الآن”. وحينما سألتُها:” لماذا؟”، أجابتني بغضبٍ ظاهرٍ: “لن أدخلَ غرفةً لا تدخلُها الملائكةُ، فغرفتُكِ جميلةٌ؛ لكنكِ تَحرمينَها من زيارةِ الملائكةِ لها، باحتفاظِكِ بهذه الصورةِ”، وكم كانت فرحتي بها، وقلتُ لها أنني مخطئةٌ، ووضعتُ الصورةَ في ألبومي، بعدَ أنْ أزلتُها من البروازِ”.

بينما لم تخجلْ الطفلةُ الصغيرةُ بسمة (أربعةُ أعوام)، من السائقِ الذي كانت تنبعثُ منه رائحةُ الدُخانِ، التي ملأتْ السيارةَ، فقالت له كما تقولُ والدتُها: “عمو ليش بتدخّن أنت؟ ما بتعرِف أنه حرامٌ؟ لأنك بتضر نفسك، وبتضر اللي معاك”. وكانت أكثرَ الموجودينَ جرأةً، فقرّرَ السائقُ إلقاءَها قبلَ أنْ يُنهيَ ما تَبقَّى منها تقديراً لجرأتِها، ووضعيِها، رغمَ صِغرِ سنِّها.

قسوةٌ وضياعٌ

وكما هناك التربيةُ الإسلاميةُ الحميدةُ التي تُؤتِي ثمارَها، وتُخرجُ جيلاً قوياً في عقيدتِه، وسليماً في أخلاقِه، بعيداً عن المؤثّراتِ الخارجيةِ التي يحاولُ أنْ يؤثّرَ فيها دونَ أنْ يتأثّرَ بمدخلاتِها، فهناك نماذجُ أخرى من تربيةِ النتِ والأصدقاءِ والفضائياتِ، والتي يدفعُ كلٌّ من الأبناءِ والأهلِ ثمنَها.

فحينما تتكسّرُ معاني الحبِّ على صخرةِ القسوةِ التي يُتقِنُ الأبُ صناعتَها، دونَ مراعاةٍ لأيِّ مشاعرَ إنسانيةٍ، أو لأحاسيسِ الأبوّةِ، ليس إلاّ لأنه أنموذجٌ تَكرّرَ عن والدِه؛ الذي نشّأهُ بتلكَ الطريقةِ، فيُكرّرُ تجرِبتَه مع أبنائهِ الذين يصبحون ضحيةً له، فلا وجودَ لكلماتِ الحبِّ والحنانِ في حياتِهم وبيتِهم، يحاولونَ ارتشافَه من المحيطينَ الذين يعجزونَ عن مساعدتِهم، ابنانِ وبنتٌ، يرفعونَ الرايةَ البيضاءَ لواقعِ الأبِ القاسي؛ الذي يأمرُ ويجبُ أنْ يطاعَ، ويَمنعُ الذهابَ إلى الجامعةِ، كما إلى مرافقةِ أيِّ صديقٍ، أو زيارةٍ أيِّ شخصٍ، فما كان من أبنائهِ -بعدَ طولِ معاناةٍ- سِوى ترْكِ المنزلِ الذي اقتصرَ على والدتِهم، التي لا كلمةَ لها ولا رأيَ، وإذا قرّرتْ أنْ تتلفظَ بكلمةٍ؛ فالضربُ والمهانةُ هما الخِيارُ الأوحدُ، وكان قرارُ البنتِ التخلصَ من المنزلِ بأيِّ طريقةٍ كانت… وبعدَ محاولاتِ هروبٍ متكرّرةٍ لها، زوَّجها والدُها من شخصٍ هدفُه الأسمَى؛ هو المالُ الذي لا تعرفُ مصدرَه، ولا مكانَ للتعاملِ الحَسنِ والخُلقِ في حياتِه!، فحياتُها السابقةُ والحاليةُ هي وَجهانِ لعملةٍ واحدة، وأمّا الأبناءُ فحالُهم الضياعُ الذي لم يكنْ باختيارِهم، حيثُ كان أحدُهم يتعاطى حبوبَ الترامال ؛الذي كان يستخدمُه ليَشعرَ بقليلٍ من الراحةِ، وحتى يتمكنَ من النومِ الذي يفارقُ جفونَه، فاعتادَ عليه حتى لم يَعُدْ جسدُه يستطيعُ الاستغناءَ عنه، ووصلَ إلى مرحلةِ الإدمانِ، بينما كان السجنُ مصيرَ الآخَرِ؛ الذي التقطتْهُ مجموعةٌ من الأصدقاءِ الذين احترفوا السرقةِ، التي لم تدمْ طويلاً، وتمّ إلقاءُ القبضِ عليهم أثناءَ سرقتِهم لمجموعةٍ من الأجهزةِ الإلكترونية.

النتُ والأصدقاءُ

ليس ذلك فحسْب، فالقريةُ الصغيرةُ، و الانفتاحُ الكبيرُ؛ أثرَّ كثيراً على المعتقداتِ الدينيةِ، لم تقتنعْ (ن، ع 16عاماً) بضرورةِ لبسِ الحجابِ، وبعدَ صولاتٍ وجولاتٍ من محاولاتِ إقناعِ الأهلِ لها، رجعوا بِخُفَّي حُنين، فما كان من والدِها إلا أنْ أجبرَها على ذلك، بعدَ فشلِه في إقناعِها، فهي كما تقولُ والدتُها، ترى أنه ليس من التحضُّرِ لبسُ الحجابِ، كما أنّ صديقاتِها “الشلة” يَسخَرْنَ منها، ومن حجابِها الذي أُجبرتْ على ارتدائهِ!، فهي تريدُ أنْ تلبسَ لبسَ “الموضة”؛ كما صديقاتِها.

وضحيةٌ أخرى من ضحايا تربيةِ النت واستهتارِ الأهل، حيثُ تمّ فصلُه من الجامعةِ، ودُمِّرَ مستقبلُه الورديَّ الذي كان يحلُمُ به في طفولتِه؛ لأنه كان ضحيةَ استهتارِ الأهلِ، والإهمالِ، وضحيةَ الانترنت، وأصدقاءِ السوءِ، كانت لقصتِه نهايةٌ أخرى، رسمَها بِخُطاهُ، حيثُ تمَّ فصلُه من الجامعةِ؛ نتيجةَ عدمِ التزامِه، ونتيجةً لتحصيلِه؛ الذي رافقَه في كلِّ فصلٍ بتحذيرٍ أكاديميّ، انتهى بفصلِه من الجامعةِ دونَ عِلمِ أهلِه، فكان شغلُه الشاغل الانترنت، والأصدقاءَ، فأنشأَ  مع أصدقائهِ “كوفي نت”  كان عبارةً عن مقرٍّ للمواقعِ الإباحيةِ، وكانت نهايتُه إغلاقَ الكوفي وزجَّهم في السجنِ.

هدمٌ للقيمِ والأخلاقِ، وضياعٌ للمستقبلِ، والطموحِ، الذي بقيَ أسيرَ الأحلامِ الدفينةِ؛ التي كانت ترافقُ طفولتَهم، نتيجةٌ حتميةٌ لاستهتار الأهلِ بالتربيةِ، وانشغالِهم بمَشاغلِ الدنيا، فيُصدَمونَ بما حلَّ بأبنائهم، ولا يُصدَمونَ باستهتارِهم بأمانةِ التربيةِ.
 
 هكذا يكونون صالحينَ

بعدَ المرورِ على تلكَ النماذجِ المتعدّدةِ، والتي لكُلِّ منها أثرُه سواءٌ السلبيُّ أو الإيجابيُّ؛ رصدتْ “الثريا” مجموعةَ الوسائلِ والأساليبِ لتربيةِ الأبناءِ تربيةً صالحةً، حيثُ يطرحُ الكاتبُ “سيما راتب عدنان أبو رموز” ماجستير دراساتٍ إسلاميةٍ، في كتابِ “تربيةُ الطفلِ في الإسلامِ”، (تِسعينَ وسيلةً لتربيةِ الأبناءِ) تُلخِّصُها “الثريا” في عِدّةِ نقاطٍ تتمثّل في: “ارتيادِ المساجدِ بصُحبةِ الأبناءِ في سنِّ السابعةِ، واصطحابُ الأولادِ في زيارةِ الأرحامِ، والإحسانُ إلى الجيرانِ، وتعليمُ البناتِ حبَّ الحجابِ منذُ الصغرِ، والتخطيطُ لشغلِ فراغِ الأبناءِ، وتعليمُ البناتِ الخياطةَ أو ما يناسبُها، والتنسيقُ لرحلاتٍ مناسِبةٍ للأُسرةِ، والاهتمامُ بالمكانِ والبرنامجِ، والذِكرُ بصوتٍ مسموعٍ أمامَ الأولادِ.

كذلك ربطُ الأولادِ بالمسلمينَ وقضايا المسلمينَ، واصطحابُهم عندَ فعلِ الخيرِ (توزيعُ الصدقاتِ – جمعُ التبرعاتِ)، وإلحاقُهم بحلقاتِ تحفيظِ القرآنِ مع المراقبةِ والمتابعةِ، بالإضافةِ إلى تعليمِهم الأمثالَ العربيةَ والشِعرَ العربي، والتحدّثِ أمامَهم بالفُصحى ما أمكنَ، واستثمارِ الأحداثِ التي تقعُ في الأُسرةِ، وتوطيدِ العلاقاتِ بالعائلاتِ الطيبةِ؛ لإيجادِ البيئةِ المناسبةِ.

ومن الخطواتِ التي ينصحُ الكاتبُ بإتباعها كذلك: التركيزُ على موضوعِ الحبِّ؛ فهو خيطُ التربيةِ الأصيلُ، ومعرفةُ أصدقاءِ الأولادِ بطريقةٍ مناسبةٍ، كذلك توحيدُ الطريقةِ بين الوالدينِ، وتكوينُ وتعزيزُ العاداتِ الطيبةِ، وتدريبُهم على العملِ النافعِ.

ومنها كذلك تعويدُ الأبناءِ على الأكلِ مما هو موجودٌ على المائدةِ، وتعويدُهم على عدمِ السهرِ، وغرسُ الأخلاقِ الحميدةِ في نفوسِهم (الكرمُ – الشجاعة). ولم ينسَ الكاتبُ تكوينَ مكتبةٍ خاصةٍ للأولادِ، وغرسَ شِيَمِ إكرامِ الضيفِ في سنٍّ مبكّرةٍ؛ بتعويدِهم على استقبالِ الضيوفِ، والتركيزِ على قراءةِ السيرةِ النبويةِ، وقصصِ الأنبياءِ، وتعليمِهم أنه كي يأتيكَ الرزقُ؛ لابدّ لك من السعي، وتعليمِهم معنى العبادةِ الشاملَ، وعدمِ الفصلِ بين أعمالِ الدنيا والآخرةِ، كذلك تعليمِهم أداءَ الصلاةِ بخشوعٍ وأناةٍ، وعدمِ العجلةِ فيها، كذلك الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ تدريجاً، وعدمُ إهمالِ الأخطاءِ دونَ معالجةٍ، وزرعُ القناعةِ في نفوسِ الأولادِ.

وذكرَ الكاتبُ كذلك الصبرَ، وعدمَ الشكوَى من تربيةِ الأولادِ، والاستعانةَ باللهِ، والدعاءَ لهم بالصلاحِ، وضرورةَ العدالةِ في المعاملةِ والنفقاتِ بين الأولادِ، وإيجادَ المُحفِّزاتِ لأعمالِ الخيرِ، والإكثارَ من ذِكرِ المصطلحاتِ الشرعيةِ، وربطَ القلبِ باللهِ -عزّ وجلّ- في التربيةِ، والتركيزَ على الولدِ الأكبرِ في تربيتِه، فهو يمثّلُ قدوةً لإخوتِه، وإيضاحَ دَورِ الأمِّ للبناتِ (وهو دورُ المرأةِ في الإسلامِ)، واهتمامَ الأبِ بالجديدِ في التربيةِ من دراساتٍ وغيرِها.
وينوّهُ الكاتبُ كذلك إلى التركيزِ على فعلِ الخيرِ والطاعاتِ؛ بنفسِ التركيزِ على المنعِ من الشرِّ والمَعاصي، وتحقيقِ التوازنِ والشمولِ في التربيةِ، وينصحُ بأنكَ إذا أمرتَ الابنَ بشيءٍ فتابِعْ تنفيذَه، واحرصْ على توجيهِ انفعالاتِ الغضبِ والحبِّ للهِ عزّ وجلّ، كذلك تنميةُ الطموحاتِ وتوجيهُها، وعدمُ تلبيةِ رغباتِ الولدِ كلّما طلبَ شيئاً، بالإضافةِ إلى تعليمِهم فضلَ الأخوّةِ في اللهِ عزّ وجلّ، ومشاورتُهم في بعضِ القضايا، وبالتالي غرسُ روحِ المسؤوليةِ فيه، وربطُ التوجيهاتِ والأوامرِ والنواهي باللهِ عزّ وجلّ؛ وليس بالعاداتِ والتقاليدِ، وتحبيبُهم للهِ عزّ وجلَّ بذِكرِ صفاتِه، ونسبةُ النّعمِ إلى خالقِها، وإيجادُ الجوِّ الملائمِ، والمرحِ داخلَ الأُسرة.

ولم ينسَ الكاتبُ الدعاءَ للأولادِ، وعدمَ الدعاءِ عليهم، وتلمُّسَ أوقاتِ الإجابةِ، واصطحابَهم في مجالسِ الكبارِ بالنسبةِ للذكورِ، والتكليفَ بمسؤولياتٍ صغيرةٍ، والتدرُّجَ في ذلك، و ينصحُ الكاتبُ بالاتزانِ في العقوبةِ، والاعتدالِ بينَ الاسترضاءِ والقسوةِ، وتعمُّدَ الحديثِ الإيجابي عن الجيرانِ والأقاربِ والأصدقاءِ، وتجنّبَ الحديثِ السلبيّ.

ويحذّرُ الكاتبُ من الغلوِّ في قضايا مُعيّنةٍ، والمقارنةِ بين الأولادِ، ويقولُ في رسالتِه: “علِّمْهم عادةَ الشكرِ للناسِ عموماً، وللأبِ وللأمِّ خصوصاً، وعلّمْهم كلماتٍ في محبةِ بعضِهم البعض، وربِّهِم على الاعتمادِ على النفسِ، والتواضعِ، وقَبولِ الحقِّ، وعدمِ الكِبرِ، وتوجيهِ الأبناءِ من منطلقٍ شرعيّ، وليس عاطفيّ، والاستشارةِ لأهلِ العلمِ والتخصُّصِ، ومعرفةِ التركيبةِ النفسيةِ لكُلِّ ابنٍ، واتّبِعْ القواعدَ الثلاثَ التاليةَ: لاعبْ ابنَك سَبعاً (1- 7)، وأدِّبْهُ سَبعاً (7-14)، وصاحِبْهُ سبعاً (14-21).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى