غير مصنف

الشبابُ بين المصروفاتِ اليوميةِ والادخارِ لتأمينِ المستقبل

استطلاع: سها أبودياب

الغلاءُ بات يقيِّدُ أيدي جميعِ الناسِ في الآونةِ الأخيرةِ؛ وخاصّةً الشبابَ أصحابَ الاحتياجاتِ المتعدِّدة, واعتمادُ الشبابِ على الأهلِ بات أمراً غيرَ مُجْدٍ أبداً؛ خصوصاً الشابَ المقبلَ على الزواج.

وفي ظِل هذه التعقيداتِ؛ أين الشبابُ من الادخارِ لتلبيةِ احتياجاتٍ مستقبليةٍ بعد ذلك ،أو أشياءَ يطمحونَ إليها, وهل ثقافةُ الادخارِ موروثٌ ثقافي؟ وهل هي موجودةٌ عند الفتياتِ أكثرُ من الشباب؟ تساؤلاتٌ كثيرةٌ حول موضوعِ الادخار, لذلك كان لـ” السعادة ” هذا الاستطلاع .

بناءُ الذات

“رهام الغزالي”(21عاما) طالبةٌ في كليةِ الإعلامِ؛ قسمِ الصحافةِ في جامعةِ الأقصى تقول: “بدأتُ بالادخارِ منذ دخولي للجامعةِ؛ وجدتُ أنّ المصروفاتِ اليوميةَ قد زادت؛ ولا بدّ من اقتطاعِ جزءٍ من مصروفي؛ كي أُخفّفَ عن أهلي عِبءَ الإنفاقِ على الرسومِ الجامعية”.

وتضيف: “بدأتُ منذ سنتي الأولي في الجامعة؛ بالبحثِ عن عملٍ تطوُّعيٍّ يؤهّلني لسوقِ العمل, وبعدها تدرَّجتُ في العملِ، وبدأتُ أعملُ في أماكنَ شبابيةٍ إعلاميةٍ، واستطعتُ توفيرَ مبلغٍ من المالِ، واشتريتُ كاميرا للتصويرِ الفوتوغرافي ؛التي تلزمُني لعملي بصفتي صِحفية”.

وتشيرُ إلى أنّ أُمَّها تدفعُها للادخار، وتقول: “أنا أفعلُ ذلك؛ بخلافِ الوسطِ المحيطِ بي من صديقاتي وأقربائي؛ حيث لا أجدُ فيهم من يدَّخرُ ويشجعُني على ذلك ؛وخصوصاً الفتياتِ لأنه لا يوجدُ عليهنّ أيُّ مسؤوليةٍ مثلِ الذكور, وأمي تقولُ لي دوماً بأنّ الادخارَ أمانٌ لي, كوني طالبةً جامعيةً؛ وبهذه الفترةِ تبدأُ مرحلةُ الاستقلاليةِ وبناءُ الذاتِ وعدمُ التّواكُل”.

الادخارُ عادة

“إسراء عبيد” ( 21 عاما) تقولُ بأنها تحبُّ الادخارَ؛ لأنها في وقتِ الأزماتِ تجدُ فائضاً من المالِ؛ تستطيعُ به الخروجَ من أيِّ أزمةٍ طارئة، ولكنْ بالنسبةِ لها، مؤخّراً باتت عمليةُ الادخارِ صعبةً بعضَ الشيء؛ بسببِ عدمِ وجودِ فائضٍ من مصروفِها لادِّخارِه، وذلك بسببِ الأوضاعِ المعيشيةِ الصعبةِ؛ بالإضافةِ للغَلاءِ الخانق.

وتضيف: “وجدتُ هذه الثقافةَ موجودةً بين صديقاتي في الجامعة؛ حيثُ اعتمادُهم على أنفسِهم في شراءِ حاجياتِهم البسيطة؛ وعدمُ تكليفِ أهلِهم بكلِّ ما يحتاجونَ إليه, ومن هنا جاء ما دفعني للادخارِ؛ حتى أصبحتْ هذه الثقافةُ عادةً عندي”.

وتشيرُ إلى أنها لجأتْ بعدَ ذلكَ لما يُطلَقُ عليه الجمعياتُ؛ حيث يجمعُ عددٌ من الأشخاصِ مع بدايةِ كلِّ شهرٍ مبلغاً معيّناً؛ يأخذهُ شخصٌ من المجموعة؛ وهكذا.., وهذه الطريقةُ ناجحةٌ جِدّاً في التعوُّدِ على الادخار, بالإضافةِ لذلك فإنّ الحصَّالةَ كانت جزءاً مُهمّاً من مقتنياتِها منذُ الصِّغَر.

القرشُ الأبيضُ لليومِ الأسوَد

“يحيي صالحة” (21 عاما) طالبُ تصميمٍ وجرافيك يقولُ: “أدَّخِرُ من مصروفي، والسببُ أنّ القرشَ الأبيضَ ينفعُ في اليومِ الأسوَد, لذلك أعملُ في مكتبةٍ مدرسيةٍ، وأقومُ بالادخارِ من عوائدِ عملي في المكتبة, وأحرِصُ على الادخارِ كي لا أُثْقِلَ على أهلي في مصاريفِ الجامعةِ واحتياجاتي الخاصة”.

ويضيف: “لا يوجدُ أحدٌ من أصدقائي يدّخرُ، والسببُ أنّ كثيراً من الشبابِ؛ يفتَقِرونَ لمِثلِ هذه الثقافةِ؛ لأنهم يعتمدونَ على والدِيهم في ذلك”.

ويشيرُ إلى أنه يسعى إلى شراءِ بيتٍ مستقلٍّ؛ وشراءِ سيارةٍ خاصّةٍ؛ بالإضافةِ لأمرٍ مُهِمٍّ ؛وهو الهدفُ الأسمى مُتمثِّلاً بالعلمِ والارتقاءِ به, و”لكنّ ظروفَ الحياةِ تغيَّرتْ؛ وهذا سرُّ عدمِ إمكانيةِ التوفيرِ أو الادخارِ؛ حيث كانت للنقودِ قيمةٌ كبيرةٌ؛ تُمكِّنُ الموظفَ من شراءِ ما يحتاج؛ ويبقى له منها جزءٌ يمكنُ أنْ يدَّخرَهُ للمستقبل، والآنَ لم يعُدْ ذلك في الإمكان؛ نظراً لكثرةِ متطلباتِ الحياة،وغلاءِ الأسعار.

لا داعيَ للادخار

“غسان جلال” (20 عاما) طالبُ إدارةِ أعمالٍ باللغةِ الإنجليزيةِ يقول: “لا أعرفُ كيف أدَّخِرُ؛ فكُلُّ ما أحصلُ عليه من أموالٍ؛ أصرِفُه سواءٌ على مستلزماتِ الجامعةِ أو عندما أخرجُ مع أصدقائي”.

و يضيف: “أنا لا أرى داعيَ للادخارِ، يعني إذا أردتُ أنْ أشتريَ شيئاً ؛أقومُ بذلك في أولِ الشهر ؛عندما آخذُ مصروفي؛ وفي هذه الحالةِ لا يوجدُ سببٌ للادخار ؛لأنني أشتري ما أريدُ فَورَ حصولي على المال، ولم أرَ من أفرادِ أُسرتي منْ يدَّخِر”.

“خليل محسن” (22 عاما) يؤكّدُ بأنه لم يدّخرْ يوماً في حياته؛ ولم يجدْ أحداً من المحيطينَ به يدّخر؛ حتى أصدقاءَ الجامعةِ لم يفعلوا ذلك يوماً، وخلال الفترةِ الأخيرةِ بدأ يفكِّرُ بالادخارِ؛ لكنه لم يستطعْ؛ ذلك لأنّ هذه الثقافةَ تحتاجُ إلي تعوُّدٍ وممارسةٍ منذُ الصِّغر؛ ومن الصعبِ اكتسابُها في مثلِ هذا العُمر.

اصرِفْ ما في الجيبِ؛ يأتيكَ ما في الغيبِ

ويرى الدكتور “درداح الشاعر” أستاذُ علمِ النفسِ في جامعةِ الأقصى؛ أنّ ثقافةَ الادخارِ تحتاجُ إلى تعزيزٍ وتثقيفٍ من الأهلِ والمؤسساتِ الشبابيةِ؛ كي تدْعمَ هذه القيمةَ الايجابيةَ لديهم؛ لِما لها من تأثيرٍ كبيرٍ على مستقبلِهم؛ وتوعيتِهم بأهميةِ الادخارِ والتخطيطِ للمستقبل، فيقول: “قد تكونُ ثقافةُ الادِّخارِ غيرَ موجودةٍ بين الشبابِ الفلسطيني, ولدَيهِم قناعةٌ تقولُ: اصرفْ ما في الجَيبِ؛ يأتيكَ ما في الغيب” ونرى ذلك جليّاً في المناسباتِ سواءٌ الأفراحُ أو الأحزانُ، وهذه الثقافةُ التي تربَّي عليها الشبابُ؛ عمِلتْ على عدمِ غرْسِ أهميةِ الادخارِ لدى الشباب”.

ويوضّحُ أنّ الادخارَ مرتبطٌ بمدى التفكيرِ الناضجِ لدى الشبابِ؛ بأنهم في مرحلةٍ مهِمّةٍ لكي يحافظوا على ما يحصلونُ عليه من أموالٍ؛ ويعرفوا أنّ في الحياةِ حُلوَها ومُرَّها؛ وهذه الثقافةُ تُبنَى من خلالِ التربيةِ وتعليمِ الأسرةِ للطفل؛ كيف يدَّخرُ جزءاً من المصروفِ؛ وتشجِّعُه وتكافئهُ عندما يدّخرُ مبلغاَ معيّناً”.

ويؤكّدُ أنّ البناتِ أكثرُ مَيلاً للادخارِ من الشبابِ؛ لأنهم أنضجُ من الشباب, ولأنّ الفتاةَ هي التي تقْدِرُ أنْ تستغنيَ عن بعضِ الحاجاتِ وتدبّرُ أمورَها؛ أما الشبابُ فلا يستطيعُ ذلك.

وينوّهُ لنقطةٍ مُهمّةٍ بأنّ الوضْعَ الاقتصاديّ الحالي؛ لا يشجِّعُ الشبابَ على الادخارِ؛ حيث أنه لا يوجدُ ما يدَّخرُه، فكلُّ ما يحصلُ عليه من أموالٍ؛ يذهبُ أدراجَ الرياحِ في الإنفاقِ على رسومِ الجامعةِ، وشراءِ الكُتبِ والمستلزماتِ الدراسيةِ، وغيرِها من الأمورِ التي يحتاجُها لتيسيرِ أمورِ الحياةِ اليومية ,حيث انعدامُ مجالاتِ الحياةِ وفُرصِ العمل.

ويقول: “مرحلةُ ما قبلَ الزواجِ يكونُ فيها ادخارٌ؛ وهي مرحلةُ منتصفِ العُمرِ؛ وذلك بسببِ الإحساسِ بالمسؤولية، لذلك ننصحُ الشبابَ العُزّابَ الذين هم على أبوابِ التوظيفِ؛ والذين ما يزالون في مراحلِ الدراسةِ؛ الاستفادةَ من أخطاءِ مَنْ سبقوهم، وعليهم أنْ يخطِّطوا لبناءِ مستقبلٍ خالٍ من الديونِ التي لا داعيَ لها”.

ووجّهَ رسالةً إلى الشبابِ؛ بأنّ عليهِم التخطيطَ للمستقبلِ؛ ونبْذَ مظاهرِ الإسرافِ الذي يُعَدُّ صفةً مذمومةً في الشريعةِ الإسلاميةِ، وفي كلِّ قوانينِ وشرائعِ الدنيا، وعليهِم الاستعدادَ لتحمُّلِ مسؤولياتِهم المستقبليةِ دون الشكوى والتأفُّفِ من الديونِ وغلاءِ المعيشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى