النُّكتةُ السياسية: ضحِكاتٌ ترفضُ الاستبداد

تقرير: السعادة
قد تجِدُهم في إحدى الزوايا ملتفّينَ حولَ أحدِهم، وفجأةً تنطلقُ الضحِكاتُ، بعدها يتفحّصُ الجميعُ المكانَ ليتأكدوا أنّ أحداً لم يسمعْهم، فضحكاتُهم قد تسبّبُ لهم ألماً في ظِل الاستبدادِ والقهرِ والظلم، حيث تُعَدُّ النكتةُ السياسيةُ سلاحَ المقهورينَ، يفرِّغونَ به مشاعرَ الظلمِ والاستبداد.
وقد عرّفها الدكتور “عطا الله أبو السبح” وزيرُ الأسرى السابق أنها المفارقةُ والمباعدةُ بين الحاكمِ ومرؤوسيهِ، وتكونُ هذه النِّكاتُ بناءً على موقفِ الشعبِ من حُكّامِه، وفي الأغلبِ تكونُ لموقفٍ مضادٍ من الشعبِ تُجاهَ الحاكمِ، وقد تكونُ من المعارضةِ، وتحمِلُ في طياتِها التشهيرَ والتشويهَ.
بينما يقولُ الدكتور “فضل أبو هين” مديرُ مركزِ التدريبِ المجتمعي وإدارةِ الأزماتِ عن النكتةِ السياسية، بأنها فنٌ لا تُتقِنُه كلُّ الشعوبِ، وذلك لأنها ترتبطُ ببُعدٍ نفسيٍّ لمضمونٍ سياسيٍّ لا يستطيعُ أنْ يعبّرَ عنه الشعبُ صراحةً، فيُلبسَه بُعداً اجتماعياً، فيصبحَ مظهرُ النكتةِ نفسياً، والمدلولُ والمعنى والهدفُ هو وضْعٌ سياسي.
واتفقَ أبو هين مع أبو السبح بأنّ منبِتَ النكتةِ السياسيةِ هو القهرُ والظلمُ والاستبدادُ والعقابُ والخوفُ في التعاملِ بين الحاكمِ والمحكوم، فإنّ طريقةَ النقدِ والتوجيهِ يتمُّ من خلالها توجيهُ رسالةٍ معيّنةٍ إلى الحكامِ، وبذلك تصبحُ رسالةً نفسيةً، يلجأُ إليها الناسُ للتعبيرِ عن ذاتِهم، كما أنّ النكتةَ السياسيةَ تخدِمُ صاحبَها بالدرجةِ الأولى، لأنها فرصةٌ للتعبيرِ عن ذاتِه، وتكشفُ الاستبدادَ بأسلوبٍ نقديٍّ فُكاهيٍّ مضحِكٍ لمن يسمعُها ويفهمُ مغزاها فيضحك.
مُعارِضٌ ومرحِّبٌ
وأضافَ أبو السبح أنّ النكتةَ تتطورُ عبرَ التاريخِ، حيث عَدَّ كتابَ كليلةٍ ودمنةٍ من أروعِ الكتبِ التي تتحدثُ عن النكتةِ السياسيةِ، وعدَّها مرآةَ المجتمعِ التي توصلُ المعلومةَ بأقصرِ الطرقِ، ليتداولَها الناسُ فيما بينهم، فهي تنتشرُ كالنارِ في الهشيم، وقد كان هناك كتّابٌ متخصّصونَ بالنكتةِ السياسيةِ منهم عبد الله النديم، بيرم التونسي وغيرُهما.
وعن اتجاهاتِ الحُكّامِ حول النكتة السياسيةِ يقول أبو السبح: إنّ الحكامَ ينقسمونَ إلى حاكمٍ لا يرى الوتدَ في عينيهِ، ويرى القشةَ في أعينِ غيرِه، فهو يرفضُها بالمطلَقِ، وإنْ عرَفَ مبدَعها قد يحاكمُه على أدبِه، وتكونُ مِساحةُ الحريةِ معدومةً، وتراهم يهمِسونَ وهم يتداولونها فيما بينهم كما الحالُ في الدولِ العربية”، وآخرََ طالباً للنكتةِ مِثلَ “شارل ديغول”، الذي كان أكثرَ ما يزعجُه هو أنّ النكتةَ السياسيةَ أو الرسمَ الكاريكاتيري، لم يعُدْ يهتمُ به في أواخرِ حُكمِه، عندما قال: “لقد تدنّتْ شعبيتي في فرنسا، فأنا لا أرى نفسي في الرسومِ الكاريكاتورية، ولا أسمعُ اسمي في النكتةِ السياسيةِ التي تنتقدُني”.
وعن سؤالِه ماذا يفعلُ عندما تصِلُه نكتةٌ سياسيةٌ تطالُه شخصياً؟ قال أضحكُ وبشدةٍ فأنا أرفضُ محاربةَ النكتةِ لأنها ستأخذُ مجراها ثم ترحلُ.
ميلادُ النكتة
تنشأُ النكتةُ السياسيةُ في الأجواءِ الحادّةِ ،حيثُ لا يستطيعُ الفردُ التعبيرَ عمّا بداخلِه بطرُقٍ صريحةٍ، فيلجأُ إلى طُرقٍ ملتويةٍ من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى فضفضةٌ اجتماعيةٌ يتِمُّ من خلالِها التواصلُ الاجتماعيُّ، وتبادُلُ الضحكاتِ حسَبَ ما أوضحَ أبو هين.
وأضافَ أنّ النكتةَ السياسيةَ فنٌ لا يُتقنُه إلا شخصيةٌ قادرةٌ على صياغةِ الإحساسِ الشخصيِّ بصورةٍ فُكاهيةٍ، تتمتعُ بقدُراتٍ عقليةٍ متميزةٍ لصياغتِها بشكلٍ لُغوي يؤثرُ في الآخرين، ومثقفٌ يعي ما يدورُ حولَه من أحداث.
في العالم العربي
ومن النِّكاتِ المتداوَلةِ التي انطلقتْ في العالمِ العربي سواءٌ عن الأنظمةِ أو حكامِهم السابقين.. في ليبيا: “القذافي هو أحدُ العشرةِ المبشرين بجدَّة”، وفي تونُس فقد وجدتْ النكتةُ السياسيةُ لها مكانةً بعد خلْعِ “بن علي”، ومن بين النكَتِ المتداولةِ تلك المستلهمةُ من آخرِ خطابٍ “لزين العابدين بن علي” قبلَ فِرارِه لجدّة ،والذي ذكرَ فيه أنه أخيراً فهمَ الشعبَ التونسي، “حيث نعتَ أحدُ المعلِّمينَ تلميذَه بالغباءِ بعد أنْ عجَزَ عن حلِّ مسألةٍ حسابيةٍ رُغمَ مرورِ ساعتينِ على ذلك، فأجابه التلميذُ :”سيدي لقد ظلَّ الرئيسُ السابقُ بن علي 23 سنةً يحكمُ تونسَ ليقولَ في النهايةِ “أنا فهِمتُكم”فلا تعتبْ عليَّ إذَن”.
ومن النكاتِ التي انطلقتْ في المجتمعِ المصري أنّ “الرئيسَ المخلوعَ “محمد حسني مبارك” عقدَ جلسةً معَ وزيرِ الداخليةِ السابقِ “حبيب العدلي” قال له مُحتدَّاً: منعتَ الحشيشَ يا فالح؟ أهو الشعب صحصح”.
النكتةُ في غزة
ونجِدُ أنّ النكتةَ السياسيةَ خاضتْ غمارَها المرأةُ الفلسطينيةُ، ففي إحدى النكاتِ أنّ “جندياً إسرائيلياً طلبَ من سيدةٍ فلسطينيةِ أنْ تخضعَ للتفتيشِ، فصرختْ في وجهِه قائلةً: روح عن وجهي وإلا بخليك خبر عاجل”.
و”في ظِل الحصارِ الخانقِ على قطاعِ غزةَ اصطادَ أحدُهم سمكةً من البحرِ، وذهبَ لبيتِه فرِحاً وطلبَ من زوجتِه أنْ تقليها فقالتْ له: لا يوجدُ زيتٌ، فقال لها طب اسلقيها، فقالت لا يوجدُ غازٌ، فقال لها طب اشويها، فصرخت في وجهه ما فيش عنا لا فحم ولا حطب، فرجع إلى البحرِ وألقى السمكةَ ففرحت السمكةُ وصارت تهتفُ يحيا الحصار يحيا الحصار”.
ومع استمرارِ أزمةِ الكهرباءِ في غزةَ، بات الغزيّونَ يجدونُ ملاذاً للتنفيسِ عن هذه المشكلةِ، فتجدُهم ينبِشونَ عن فوائدِ انقطاعِ الكهرباءِ أهمها: “يُسهِمُ في نومِ الطلابِ مبكراً، وبالتالي الاستيقاظُ مبكرا. قضاءُ أجملِ اللحظاتِ الرومانسيةِ على ضَوءِ الشموع. المساهمةُ في التوفيرِ والادخارِ بسببِ قِلةِ الاستهلاك”.
ومع زيادةِ القهرِ من مشكلةِ الكهرباءِ، أمضى الغزيون في سَردِ الفوائد على لسانِ شركةِ توزيعِ الكهرباءِ بصورةٍ إعلانية، والتي نعَتوها بـ “شركةِ تخريبِ الكهرباء” فيقولون: “نقطعُ الكهرباءَ عصراً لتستمتعَ بجمالِ الحياةِ خارجَ البيتِ حتى وقتِ الأصيل. نحن نوفّرُ لك أحدَ الأسبابِ المقنعةِ لعدمِ استقبالِ الضيوفِ في بيتِك. الشمعُ يُستخدَمُ في مناسباتِ أعيادِ الميلادِ فقط، نحنُ نسعى لدحضِ هذه الشائعاتِ المُغرِضة. إذا كان يقلقُكِ سهرُ زوجِكِ خارجَ البيتِ، فنحن نعملُ على عودتِه مبكراً بقطعِ التيارِ عن كافةِ الخطوطِ التي يُحتمَلُ أنْ يرابطَ فيها مع أصحابِه، كما أننا نحمي المرأةَ وندافعَ عن حقِّها في الحصولِ على المهرِ والشبْكةِ و”الموتور” شرطاً لإتمامِ عقدِ الزواج.