نافذة الخير . . حكايات من الألم تحكي مسلسل الوجع الفلسطيني

تقرير : عبد الرحمن عبدربه الطهراوي
“هموم الغربة. .أولادي خلقوا ولم أرهم . . غرفة تسترني هي أقصى أمنية حياتي..” تلك بعض اللقطات من حلقات مسلسل الوجع الفلسطيني النازف الذي يجمع بين الأمل والألم، حلقات تحمل كل يوم حكاية شهيد أو أسرة بدون معيل، أو حكاية تُبث من ظلمة تحت الأرض وحرارة خانقة أبطالها أطفال تفارق الابتسامة محياهم.
كاميرا برنامج “نافذة الخير” الذي يُعرض في شهر رمضان، أبت إلا أن تكون شاهدة على هذه الحكايات، التي يحياها مليون ونصف مليون مواطن غزي يعيشون تحت نيران الحصار، الذي لم يشفع لكبيرهم ولم يرحم صغيرهم .
نافذة الخير برنامج تلفزيوني خيري ينقل أوجاعا وألما لا يزال بها الأنين يعلو بين أزقة مخيمات الوطن السليب، يحمل همومه بما في ذلك الحصار على غزة ومعالم الألم فيه، ويقدم العديد من المساعدات النقدية والعينية لأسر فقيرة.
حيث نال البرنامج ثقة المجتمع والفلسطيني عامة والغزي خاصة، متمنين أن تستمر مثل هذه البرامج بعد انقضاء شهر رمضان، لكي يكون وسيلة للتواصل والتقارب بين المجتمع الواحد ولا يفرق بين هذا وذاك.
الأستاذ عبد الله أحمد يقول:” نافذة الخير برنامج رائع فهو يداوي جرح الفقراء، ويقف عند مشاكل الناس ويعمل جاهدا على تقديم المساعدة لهم، ورفع الهم عنهم”.
ويضيف: ” هذا البرنامج هو حجة على القادرين والمسئولين، وادعو جميع المواطنين للتعاون فيما بينهم لجمع تبرعات لهذه الأسر، حتى ينطبق علينا قول رسولنا الكريم “عليه الصلاة والسلام”: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد..”.
وظهرت ملامح الحزن على وجه أبي محمد الذي لم يكن يعلم أن هناك أناس في غزة يعيشون في بيوت لا تصلح للعيش الآدمي، وحتى خارج غزة من اللاجئين الذين يذوقون مرارة الغربة، ويوجه كلمة شكرا للقائمين على البرنامج؛ لأنه يذكر الإنسان مهما كان وضعه المادي والحياتي صعب، لكن هناك من هو أصعب وأحوج منه.
وتختصر أم سامر تعليقها فتقول: ” يبكي قلبي قبل أن تبكي عينياي عندما أشاهد حلقات البرنامج، وأرى ما لا يحب أن يراه القلب، الحمد لله أننا بنعمة أدركناها”
وكان “للثريا” وقفه على أعتاب نافذة الخير بلقاء مع مُعِد ومقدم البرنامج الإعلامي بسام البطة.
تبلورت فكرة البرنامج لدى بسام عندما كان يعمل في الإذاعة الليبية قبل عشرة أعوام، ومع دخوله غزة وعمله في قناة الأقصى الفضائية عرض فكرة نافذة الخيرة على إدارة القناة فوافقت على الفور، ليكون بذلك أول برنامج تلفزيوني خيري في غزة يُبث على قناة الأقصى.
مضيفا: ” يسعى البرنامج لإغاثة الأسر التي أعيتها ظروف الحصار والبطالة بتوفير فرص عمل من خلال مشاريع صغيرة، أو تأمين مصدر دخل لمن يقدر على العمل، كما يهتم بنقل صورة صمود الشعب وقدرته على تحدي جلاديه”.
وتحدث عن سبل تمويل البرنامج، فقال:” في بداية الأمر وجدنا صعوبات كبيرة في ذلك خصوصا أنها فكرة حديثة على العمل التلفزيوني عند أهل القطاع، وعند المؤسسات الخيرية فكان الدعم ضعيفا ويعتمد على الإغاثة العاجلة باعتبارها المفهوم الوحيد الذي كان سائدا حينها في منظومة العمل الخيري بغزة “.
ويتابع:” تغيرت هذه المفاهيم فيما بعد، ليصبح الاتجاه عند المؤسسات الخيرية والممولين هو التنمية المستدامة ومغادرة مربع الإغاثة العاجلة، فبدأ نافذة الخير بتقديم 200 دولار للعائلة، واليوم وصلنا إلى بناء بيوت تتجاوز تكلفتها 30 آلف دولار للبيت الواحد، وترميم بيوت تصل تكلفتها 7000دولار”.
نافذة إلى لبنان
وأوضح أن نافذة الخير وصلت بأيدٍ بيضاء إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والضفة الغربية، في ظل الحالة الصعبة التي يحياها الفلسطيني في مخيمات لبنان، والتضييق عليهم من قبل الحكومة اللبنانية غير المبرر.
ويسترسل:” في لبنان تكتمل صورة الوجع الفلسطيني بحصار لا يقل سوءاً عن الحصار الصهيوني لغزة و مرضى يموتون على أبواب المستشفيات وجثث محجوزة بما عليها من ذمم مالية وحكايات تقصير من الأونروا ومنظمة التحرير”.
ويزيد بسام حديثه عن أهم انجازات البرنامج:” حقق نافذة الخير خلال فترة عمله في شهر رمضان على مدار أربع سنوات جملة من الانجازات أبرزها بناء ثلاثة وثلاثين بيتا بناء كاملا، صيانة وترميم ستة عشر بيتا، وتقديم مبالغ مالية تصل إلى نصف مليون دولار على هيئة إغاثة عاجلة ومساعدات عينية، أيضا توفير مئة فرصة عمل بنظام التشغيل المؤقت”.
فطور على الخبز والسكر!!
الإعلامي عاطفي ويؤثر ويتأثر بالحدث فما هو أكثر موقف أثر بك في حلقات البرنامج؟؟ يجيب بسام على سؤالنا:” أسوأ ما رأيته: أسرة دخلنا إليها فجأة قبل الإفطار بدقائق فوجدناها تفطر على فتات الخبز مع الشاي أربعة أطفال صيام ووالدهم ووالدتهم كان الأمر بالنسبة لنا مؤلم جدا… وهناك من زرناهم وجدناهم يفطرون على شرائح البصل مع الخبز أو على الخبز والسكر”.
ويستطرد: ” وعائلة كانت تسكن في بيت من “النايلون” استيقظت الأم فجرا لتجد كلبا ينهش ذراع ابنتها الصغيرة، هناك الكثير من الحالات التي تحتوي جرحا كبيرا، عزفنا عن تصويرها من حجم المعاناة التي لا يستطيع أحد تحملها؛ ولأن الأمانة الإعلامية تمنعنا أن نعرض أحوالا كهذه لكننا كنا نتعامل معها خارج البرنامج من خلال أهل الخير” .
ويضيف بسام: ” الإعلامي إنسان من الدرجة الأولى وحساس، لذا يجب على من يعمل في هذا المجال أن يتحمل أعبائه، وهي أعباء كبيرة إذا لم تكن خطيرة على الحالة النفسية والاجتماعية، فمثلا كثيرا ما أفضل الاعتزال لساعة أو لساعات عندما أعود من تصوير حلقة من حلقات البرنامج”.
ويختم بسام حديثه مع الثريا ليؤكد على رسالة البرنامج :” رسالتنا نشر ثقافة المحبة بين الناس وتقريب القلوب ووصل ما انقطع بينهم نتيجة الظروف السياسية، نسعى أن يكون الخير ثقافة في القول والعمل ونأمل أن تصل رسالتنا بتوقيع غزة إلى كل أصقاع الأرض.