عين على القدسفلسطينيات

أيقونة تُربِكُ أمنَ المحتلِّ يصاحبها تحول في التكتيك الفردي

الثريا_ إسراء أبوزايدة

العملُ المقاومُ طرازٌ فريدٌ حظيتْ به انتفاضةُ القدس، ويُعدُّ أيقونةَ هذه الانتفاضةِ، ورمزَها الأجملَ والأكثرَ إرباكاً لأمنِ المحتلِّ، فرغمَ الإجراءاتِ الأمنيةِ المشدَّدةِ، التي تتبِعُها حكومةُ الاحتلالِ؛ باحتواءِ انتفاضةِ القدس، وكبْحِ جماحِها، والتي بدأتْ شعلتُها  في بدايةِ أكتوبر الحالي، من مدينةِ القدسِ، ثُم تدحرجتْ إلى أنحاءِ الضفةِ برُمَّتِها،  إلا أنّ الهبّةَ الشعبيةَ الفلسطينيةَ؛ تصاعدتْ  وتيرتُها، وتعدّتْ مرحلةَ الطعنِ والدهسِ إلى إطلاقِ النارِ،  وسطَ تصاعُدٍ معاكسٍ في جرائمِ جيشِ الاحتلالِ والمستوطنينَ،  فلم يَعدْ الفعلُ المقاومُ حِكراً على النخبةِ المُضحيةِ في الفصائلِ، بل تعدّاهُ إلى النخَبِ الشعبيةِ المؤمِنةِ بخِيارِ المقاومةِ.

ارتباكٌ أمنيٌّ

وفي تطوُّرٍ لافتٍ، أثبتتْ الانتفاضةُ الشعبيةُ القائمةُ -رغمَ عفويتِها وفرديةِ عملياتِها، وخاصةً عملياتِ الطعنِ على مدارِ خمسةٍ وأربعينَ يوماً- أنها قادرةٌ على خلْقِ حالةٍ من الرعبِ والارتباكِ في “إسرائيل”،  فتعالتْ الانتقاداتُ الداخليةُ من الجانبِ الإسرائيليّ، حولَ ما يتعلقُ بإطلاقِ النارِ على مَن تتِمُ السيطرةُ عليهم من مُنفّذي العملياتِ، أو مَن  يُشتبَهُ بهم؛  لخلقِ أجواءٍ من الردعِ للفلسطينيينَ، علّها تخففُ من روعِ الإسرائيليينَ.

وتشيرُ طبيعةُ القوانينِ -التي يتمُ إصدارُها والمصادقةُ عليها- إلى مدَى الجزعِ الذي أصابَ الشارعَ الإسرائيلي، “فالكِنيست” أقرَّ قانوناً يُجيزُ التفتيشَ الجسديَّ لأيِّ شخصٍ بغيابِ أيِّ شُبهةٍ!،  وسبقَه قانونُ معاقبةِ راشقي الحجارةِ؛ بسقفِ حُكمٍ يصلُ إلى عشرينَ عاماً،  عدا عن الإجراءاتِ القمعيةِ بحقِّ الفلسطينيينَ،  وهذا بحدِّ ذاتِه أعطى المؤشِرَ الإيجابيَّ  لجنودِ الاحتلالِ بإطلاقِ النارِ على أيِّ شخصٍ يُشتَبهُ به!!.

عجْزُ المحتلِّ

وعلى ضَوءِ الإجراءاتِ الأمنيةِ،  يدورُ الحديثُ حالياً عن ضرورةِ إيجادِ حلٍّ لقضيةِ محاولاتِ خطفِ سلاحِ الجنودِ؛ التي نجحتْ لأكثرَ من ثلاثِ مراتٍ، وسبّبتْ سقوطَ قتلى وجرحى في صفوفِ المستوطنينَ، إلاّ أنّ “السيناريوهات” المطروحةَ اقتصرتْ على إجراءاتٍ أمنيةٍ قمعيةٍ فقط!، ولا مكانَ للحلولِ السياسيةِ في تفكيرِ الحكومةِ، وذلك بدعمٍ من الرأيِ العامِّ اﻹسرائيليّ؛ الذي لا يؤمنُ أغلَبُه بالحلولِ السياسيةِ.

وفي سياقٍ متّصلٍ، يؤكّدُ المستشرقُ الإسرائيلي “آلون أفيتار”؛ على أنّ انتفاضةَ الفلسطينيينَ حقّقتْ لهم إنجازاتٍ؛ من توحيدِ الفلسطينيينَ في المناطقِ الأربعِ المعزولةِ جغرافياً، ونجاحِ الحركةِ الإسلاميةِ بزعامةِ الشيخِ “رائد صلاح”، وتعزيزِه في الصراعِ، إضافةً إلى اكتشافِ السِّكينِ كوسيلةٍ ناجعةٍ وقاتلةٍ، وسهلةِ المنالِ والاستخدامِ، واستعدادِ جيلِ الشبابِ لحملِ شعلةِ الكفاحِ المسلّحِ، إضافةً إلى القدرةِ على تنفيذِ العملياتِ المسلحةِ؛ دونَ قيادةٍ تُديرُها كالسابقِ.
فيما يرى مراقبونَ عسكريونَ إسرائيليونَ؛ بأنّ العملياتِ الحاليةِ لا تَرقى لحجمِ تخطيطِ عملياتِ الانتفاضةِ الثانيةِ؛ لكنها مؤشِّرٌ على بدايةِ عملٍ عسكريٍّ منظَّمٍ؛ يختلفُ عن حوادثِ الطعنِ الأخيرةِ، متسائلينَ بالقولِ:” هل دخلنا المرحلةَ الثانيةَ من الانتفاضةِ، بعدَ طعنِ السكاكينِ؛ جاءتْ عملياتُ إطلاقِ النارِ؟”.

وحسبَ استطلاعٍ واسعِ للرأيِ العام، أُجريَ الأسبوعَ الماضي، وعرضتْ نتائجَه صحيفةُ “معاريف”؛ في 16 أكتوبر/تشرين أول الجاري، فإنّ حوالى “70%” من اليهودِ في إسرائيلَ، يؤيّدونَ الانسحابَ من الأحياءِ الفلسطينيةِ؛ وهذا يعني أنّ قِطاعاً واسعاً من مصوِّتي اليمينِ الإسرائيلي يتبنُّون هذا الموقفَ.

التعاطي مع واقعٍ جديدٍ :

ويُعلِّقُ الباحثُ في الشأنِ الإسرائليلي” د. صالح النعامي”  على موجةِ عملياتِ المقاومةِ الفلسطينيةِ، مؤكّداً على دورِها في تقويضِ إستراتيجيةِ إدارةِ الصراعِ، التي اتّبَعها “بنيامين نتنياهو”، ودورِ العملِ المقاومِ الملموسِ في إقناعِ الجمهورِ الإسرائيليّ، بضرورةِ الانسحابِ من الأحياءِ الفلسطينيةِ في القدسِ، ما دفعَ “إسرائيل” لبلورةِ إستراتيجيةٍ أخرى؛ للتعاطي مع الواقعِ الجديدِ، على اعتبارِ أنَّ مِثلَ هذه الخطوةِ –فقط- تضمنُ وقفَ التدهورِ الأمنيّ.

ويشيرُ “النعامي” إلى أنّ عملياتِ المقاومةِ، واتساعَ نطاقِها الجغرافيّ؛ وضعتْ حدّاً لحالةِ “اللامبالاةِ”؛ التي ظلَّ يُظهِرُها اليهودُ القاطنونَ داخلَ “إسرائيل”؛ إزاءَ ما يَحدثُ شرقَ الخطِّ الأخضرِ،  والانطباعَ الذي تَولّدَ لدَى قطاعاتٍ واسعةٍ من الجمهورِ الإسرائيليّ، منذُ انتهاءِ انتفاضةِ الأقصى، مفادُه أنّ السلوكَ الإسرائيليَّ ضدَّ الفلسطينيينَ في الضفةِ الغربيةِ؛ لا يؤثّرُ بالضرورةِ على نمطِ الحياةِ داخلَ الخطِّ الأخضرِ، وهذا ما وفّرَ بيئةً لِرَواجِ الخطابِ اليمينيّ، وأضفَى عليه صدقيةٍ زائفةٍ.

حالةٌ من الهلعِ :

وتعقيباً على ذلك، يوضّحُ الباحثُ في الشأنِ الإسرائيليّ؛ بأنّ عملياتِ المقاومةِ أفضتْ إلى تقليصِ مستوياتِ الشعورِ بالأمنِ الشخصيِّ والجماعيِّ، داخلَ المدنِ والتجمعاتِ السكانيةِ في إسرائيلَ جذريّاً، وأثارتْ حالةً من الذعرِ والهلعِ!، لم تقلّصْ من مستوياتِها الإجراءاتُ الأمنيةُ، لاسيّما وأنّ الحديثَ يدورُ عن عملياتِ مقاومةٍ؛ ينفّذُها شبابٌ وفِتيةٌ؛ لا ينتمونَ لتنظيماتٍ قائمةٍ!!، ما يحدُّ من قدرةِ الاستخباراتِ الصهيونيةِ على إحباطِ هذه العملياتِ قبلَ وقوعِها، وضرْبِ البنَى التنظيميةِ التي تقفُ خلفَها، كما كان دارجاً.

في الوقتِ نفسِه، إنّ انضمامَ فلسطينيِّي الداخلِ إلى ركْبِ المقاومةِ-كما دلّلتْ على ذلك عمليةُ إطلاقِ النارِ في المحطةِ المركزيةِ في بئرِ السبع- يمثّلُ تحدّياً أمنياً واجتماعياً كبيراً لإسرائيلَ، حيثُ إنه يُنذِرُ باحتكاكاتٍ ومواجهاتٍ صعبةٍ، ولاسيّما في المدنِ المختلَطةِ، وهو ما سيُفاقمُ من صعوبةِ المهمةِ التي تُواجهُ حكومةَ اليمينِ، في سعيِّها إلى استعادةِ الأمنِ، هذا ما بيَّنَه “النعامي” في حديثِه لـ”الثريا”.

وخلاصةُ القولِ، ما لم ينجحْ  في تحقيقِه اثنانِ وعشرونَ  عاماً من المفاوضاتِ؛ نجحتْ في تحقيقِه عملياتُ المقاومةِ التي نُفّذتْ بوسائلَ بدائيةٍ!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى